الجنوب.. خيارات لم تستخدم بعد طباعة
مقالات - صفحة/ علي المصفري
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأحد, 25 مايو 2008 20:53
صوت الجنوب /المهندس:علي نعمان المصفري/2008-05-25
الجنوب.. خيارات لم تستخدم بعد
 

مع غروب شمس آخر أيام 2007.. تم استكمال مراسيم دفن جثمان الشيخ الأحمر شيخ مشائخ حاشد ورئس مجلس النواب ورئس حزب الإصلاح الإسلامي, وبذلك تكون قد طويت آخر صفحه

من تاريخ نظام القبيلة لتدخل اليمن عهد لم تالفة خلال فتره سيطرة القبيلة على مقاليد الحكم طيلة خمسه عقود باستثناء فتره الحمدي التي تراجع دورها تماما لتعارض القبيلة مع الدولة منذو فترة ما بعد ثوره1962 وحتى انقلاب5 نوفمبر 1967,  ووقفت القبيلة بقوه أمام قيام الدولة الحديثة التي كانت من الممكن أن تطيح بالقبيلة وتفسح مجال أرحب لدخول اليمن الأمامي المغلق إلى رحاب التاريخ الحديث وهو ما أكده السيد حسين الشافعي نائب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر, في برنامج شاهد على العصر, عبر قناة الجزيرة القطرية, عندما قال:( حاولنا إقناع الاخوه في صنعاء لتأسيس الدولة خلال ست سنوات لكنهم رفضوا), وهو ما أكده الشيخ الأحمر من ذات المنبر على تضاد القبيلة مع الدولة عندما قال: لما قلنا للسلال روح راح..., ولما قلنا للارياني روح.. راح.. وللحمدي؟؟؟ انتهى .. إلا انه تراجع عن سرد أي تعليق على حكم الصالح.. واكتفى بالاشاره إلا انه مننا وابننا؟؟
مما يعطي دليلا إلى إن في فتره حكم الصالح توسع نفوذ القبيلة وتألقت على نحو لم تشهده من قبل إلا في عهد الصالح وصارت عامل حسم ليس فقط على مستوى القرارات الخاصة بتوازن مراكز القوى وتحديد موقعها من العلاقات التبادلية بين المركز العسكري المتمثل في العقيد صالح والقبلي المستند على مركز الشيخ الأحمر, مع إهمال لمجمل القبائل الأخرى وخصوصا بكيل, وان ظلت بعض العلاقات تنشأ هنا وهناك إلا إن التواجد في القرار السياسي كان مهمشا تماما وهو ما أفضى عنه الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلته الاخيره عبر الجزيرة.
 

وتأسيسا عليه أصبح النظام القبلي يحدد بصبغه الصالح العسكرية ولون الأحمر القبلي, وتم أعاده صياغة نظام الحكم اعتمادا على مرجعيه القبيلة التي ظلت على الدوام عامل السيطرة الرئيس المحدد لميكانيزميه مجمل العلاقات المرتبطة بالبئه القبلية ومحورها العقلية القبلية, وسهل تجاذب مراكز نظام الحكم لانحدارها من نفس القبيلة, ومثلت هذه العجينه مرجعيه لنظام الحكم القبلي, تجاوزت المذهب الزيدي,  للاحتكام عندها حول إي خلافات قد تنشأ, وبذلك تم خلق أدوات وأساليب تكتيكيه لاستكمال ضوابط هذه العلاقة مع الاتفاق مبدئيا على استراتيجيات ثابتة للقبيلة على مبدأ الحكم و استحكام الأمر في أطار معادله حاشد- سنحان.
 

لقد تجسدت علاقات صالح حسب مفردات العمل السياسي للقبيلة مع مراكز القوى عبر ثلاث قنوات رئسه: العسكرية, وهم مجموعه العسكر المرتبطين أساسا بشخص الرئيس, والذين كان لهم دور فاعل ومهم في سيطرة الرئيس على جميع وحدات القوات المسلحة والأمن المركزي والاستخبارات, وأما القناة الثانية, فقد شملت القوى السياسية الانتهازية التي من خلال هذه العجينه وجدت المكان الطبيعي لها الذي يضمن مصالحها وأمكانات تطورها ويندرج تحتها مجموعه الرأسمال الطفيلي والمثقفين وبقايا ضحايا الصراعات السياسية الذين خضعوا لسياسة الترهيب والترغيب وخصوصا أبناء الطائفة الشافعية.وأخذت عناصر البعث العراقي موقعا هاما في دعم صالح, وأما موالية المذهب الوهابي فقد تململوا في هذه العلاقة لدعم الرئيس صالح على نحو يمكنهم من توسعهم على حساب المذهب الزيدي تحت مظله نظام الرئيس صالح وخصوصا في معقل المذهب الزيدي صعده.
 

ونتج عن الرفض المذهبي زلزال عنيف تمثلت أحداثه عبر أربعه حروب دارت رحاها في صعده, حصدت الأخضر واليابس, وأحدثت وللأسف ضررا فادحا ماديا ومعنويا, خلص إلى إحداث شرخا نفسيا واجتماعيا وجرحا مفتوحا لتتحول صعده إلى ساحة صرا عات قبليه ومذهبيه وسياسية وإقليميه ودوليه, خرج نظام القبيلة منها مهزوما, ودولت قضيه صعده بوساطة قطريه, جعل نظام صنعا يستجيب ولو مؤقتا لأيه شروط حوثيه ليتفرغ لقمع ثوره الجنوب مع إدراكه مسبقا بالعودة إلى حسم قضيه صعده نهائيا على نحو يحصد منه الانتصار النهائي, لإخراج نفسه من هذه الأزمات وأعاده إنتاج نفسه كما جرت العادة, ولم يدرك النظام من إن الحوثيون قد استوعبوا الدرس تماما وتمثل هذه المرحلة بالنسبة لهم استراحة مقاتل لأعاده تقييم نتائج الحروب الاربعه وتفعيل الاستعداد القتالي لاستكمال ماتبقى من تجهيزات عسكريه لم يتمكن حينه من امتلاكها وخصوصا عندما دخلت الحرب تقنيه الطائرات الحديثة ميج 29 وسوخوي.
 

وهنا تظهر هشاشة النظام في المكابرة على تدويل قضيه صعده, والتي تمثل محافظه من محافظات الجمهورية العربية اليمنية, ويتناسى القضية الجنوبية باعتبارها دوله أساسا, وقعت اتفاقيه مشروع التوحد مما جعل المراقبون يذهبون إلى تفسير واحد, من إن لغة واحده يفهمها هذا النظام وهي العين الحمراء, ولذلك فأن أي تطور سلبي في الجنوب يتحمل مسؤوليته هذا النظام.
 

 

وعند إعلان مشروع التوحد بين دوله الجنوب واليمن دون دراسة جدلية العلاقة واثر مفهوم العصبية لابن خلدون وهو الأمر الذي تسبب في إحداث إشكاليات جمة في ألانتكاسه لتنفيذ هذا المشروع القومي الإسلامي, لعدم توافق العقليتين, المنفتحة على العصر في الجنوب والمغلقة في اليمن, الأمر الذي أحدث تصادم انتحاري افتعله نظام القبيلة ضمن خطه مسبقة أعدت لهذا الغرض وذلك لاستغلال مشروع التوحد وتسخيره لصالحها, مما أفضى إلى سيطرة نظام القبيلة على مقاليد نظام الكيان السياسي الجديد المعلن عنه في 22 مايو 1990 وإخضاع الجنوب بقوه السلاح  في 7 يوليو 1994, وكما يعتبره الجنوبيون احتلال, وتجاوز كل الاتفاقات التي عقدت بين الدولتين, وظل نظام القبيلة يتمرس خلف الوحدة وشعاراتها وكأنها قران كريم, كما كان الحال في شأن الجمهورية.
 

وعندما تضاربت مصالح بعض رموز الأنظمة في ظل تغييرات عالميه وإقليميه مذهله, بحث البعض من نخب الوضع المتقلب على موضع للهروب مع الغنيمة والعيش خلف الأضواء, والبعض لازال في البحث تحت أنقاض وطن لمزيد من الكنوز, مستغلين العاطفة والظرف دون مراعاة الوطن, وسقط الجنوب بين براثن نظام القبيلة, واستبيح ما على الأرض وباطنها وبحرها, ودمرت الدولة الجنوبية, وأقصي شعب بحاله وبقت الساحة مفتوحة, يتعامل معها كيفما يستحب لنظام القبيلة دون وازع ديني أو أخلاقي.وفشلت ما كانت تسمي نفسها بالقوى الوطنية وبات العمق الاستراتيجي مقبره شعب وضياع في عمق الوهم وفيافي جهل مطبق عاد بالوطن إلى مرحله ما قبل نشؤ الدولة وسادت كل ما يدور بخاطر المرء من ذكريات القرون الوسطي.
وعاد الجنوب إلى المربع الأول وبصوره قاتله, تخجل المرء صورتها إذا أدرت عينيك لتلحظ عمان, وكيف عدن كانت وكيف حالها الآن, ألا تخجل كل هذه التي تدعي من ذاتها نخب إن أضحت بما كان إلى قاع ودفنت ما على السطح??, لكن جيل الهوية بات اليوم يمسك بحلقات الفعل الوطني سبيلا للنهوض وسنرى قريبا ما تحمله لنا الأيام.
 

وجد الجنوب ذاته وحيدا, بعدما تنكرت أحزاب اللقاء المشترك, وأدارت ظهرها لقضيه الجنوب, ولم تحرك ساكنا في ظل اشتداد النهب والاستيلاء والضم وألا لحاق.
لم يجد شعب الجنوب مخرجا لمحنته ونفض غبارها إلا بالخروج إلى الشارع متخذا من الاعتصامات وسائل سلميه لتوجيهها إلى العالم الحر لاستعاده حقوقه المسلوبة التي دخلت عامها الثاني مسجله أروع البطولات النضالية كمدرسه, لابد من دراستها بعمق لمدلولاتها ونتائج فعل أحداثها, التي ذهبت بالقضية الجنوبية إلى مواقع متقدمه, أكسبتها المشروعية والصدق وثباته الموقف الجنوبي المجسد في وحده أبناء الجنوب وسموهم فوق كل جراحات الماضي وعززت من قدرتهم على تحقيق النصر, وهو الأمر الذي اخرج سلطه 7 يوليو 1994 عن جاهزيتها تماما, مما جن جنونها لتستخدم كل أساليب الفرقة ونبش الثأر والترهيب والترغيب لشق الصفوف, وعندما عجزت تماما على وأد الثورة الجنوبية الثانية, استخدمت القمع المسلح, سقط من جرا ذلك العشرات من الشهداء والجرحى واعتقال المئات مصير البعض لازال مجهولا, كان في المقدمة باعوم وعلي منصر واحمد عمر بن فريد والمحامي يحي غالب وعلي هيثم الغريب وحسن زيد والمئات, رجال من الكلمة صنعوا نور, ومن القيد على فراش المرض كبلوا الجلاد, وبصدق قسم ردفان وعهد ووفاء لقضية شعب, رسموا لوحه الخلاص و أن الغد قادم لا محال ليستجيب القدر لأراده شعب حي تاق إلى الحياة, وعندها التهب الجنوب بركانا, بات يرمي حممه كل يوم على مغتصبيه افقدهم التوازن وجعلهم يرقصون على صفيحه الجنوب الملتهبة على الرغم من استخدام الحملة العسكرية الأخيرة منذو الأول من ابريل, ضمن خطه لوضع نهاية للثورة الجنوبية خلال 72 ساعة, وتقطيع الجنوب إلى مربعات ودوائر حولت الساحة برمتها إلى ثكنات عسكريه, قطعت أوصال البلاد والعباد وزادت الواقع المر بلاء, واعتقل المئات واستشهد وجرح العشرات, بل وفضحت سياساتهم داخليا وإقليميا ودوليا, ولم يعد هناك حلا سوى الاعتراف بالقضية ومنح الجنوب حقه في تقرير مصيره وأستعاد ه دولته وهويته,  دون ذلك سيبقى الجنوب متمسكا بالحق لفتح كل أبواب الدفاع عن العرض والنفس, إذا استمرت سلطه 7 يوليو في صلفها, لذلك, وان تمادت هذه السلطة, ستبقى للجنوب خيارات لم يتم استغلالها بعد, والتي تعد في تقديرالعديد من الدراسات الدولية حقائق يترتب عن تجاهلها تهديد السلم والأمن داخليا و إقليميا ودوليا ومما يسبب تضرر مصالح تلك الدول على نحو لم يعد ممكننا السيطرة عليه.
والله من وراء القصد.
 

 

كاتب وباحث أكاديمي
لندن ابريل 2008
 

آخر تحديث الأحد, 25 مايو 2008 20:53