وبعد اخفاق الشاعر في سياسته مع الحكام والسلاطين في نصحهم وتوجيههم على أمل تحسين معيشة شعبه وتوفير الحياة له بعزّة وكرامة وتوحيد صفوفه ضد المستعمر وبعد خيبة أمله في حكّام بلده فضّل السكوت والصمت على مضض إلاّ من مخاطبة وطنه:
صمت وفي الصمت أغلى الخبر * وكم بمد يحيي تعنت دهر
وناديت حتى تلاشى الندا * ورددت حتى تنزى الوتر
وجئت أوفيك حتى الولا * فما ليراعي تشكو القصر
نثرت دموعك بساحك حتى * شكتني اليراع وما من أثر
ورددت نصحي في الدهر حتى * مللت ومل الثرى والحجر
فأين التقدم؟ أين الرقي؟ * وأين النهوض؟ وأين النشر؟
وأين الحياة؟ ومانحن إلا * رموس تعيش بجهل أضر
وفي الوطن أيضا يسترسل شاعرنا:
فيا وطناً حل بين الضلوع * لقد فاض بالنفس حرمانها
وياأملاً أرسلته الدموع * كما ترسل العين أجفانها
أنسلوا هواك وفي جسمنا * دماء تصلب شريانها
وفي روحنا نفحات الإله * وان قد تغلب شيطانها
ولم ييأس شاعرنا ولم يبتئس:
وطني ماعشت إلا لرضاك * وسأقضي العمر في هواك
ذقت في حبك ماأرهقني * وطعمت الهون حلواً في رباك
سقمت نفسي وجفت أدمعي * وفؤادي لم يزل يتلو ثناك
كلما آلمني منك الجفاء * زدت للموت اشتياقاً في حماك
وطني أفديك في ليل الإحن * وطني أكفيك غارات الزمن
وطني أهواك في قلبي الذي * ذاب من حر الرزايا والمحن