دمنا واحد واليمن في قلوبنا

[أصيل يافع]

ابناء الشطر الجنوبي امتزجت دماؤهم بدماء اخوانهم في الشطر الشمالي دفاعاً عن الثورة السبتمبرية > اللواء السعيدي: الشهيد لبوزة تمسك بإشعال ثورة اكتوبر كسبيل للدفاع عن ثورة سبتمبر > يظل تاريخ الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر مسيرة نضال وكفاح سجلها ابطال وشهداء الثورة بماء من ذهب في تاريخ اليمن حضارةً وإنساناً وتوثيق مسيرة النضال ضد الحكم الإمامي والمستعمر الإنجليزي يفتح لأبناء اليمن جيلاً بعد جيل أفاقاً واسعة لاستلهام المزيد من الدروس في حماسة وصون مكتسبات الوطن والثورة.. وفيما يلي نستعرض أحاديث عدد من المناضلين: > استعراض: خالد العابد > الدكتور عبدالله بركات يقول: لقد كانت ثورة 26سبتمبر العمق الإستراتيجي لثورة 14اكتوبر حيث ساندتها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، وكان الثوار في الشمال والجنوب يسعون لهدف واحد هو التحرر من الإستبداد والإستعمار ومخلفاتهما، وبتحقيق هذا الهدف فتح المجال للشطرين سابقاً أن يتعاونا في المجالات المختلفة، فرغم أن كل شطر كان ينتهج أيديو لوجية تختلف عن الشطر الآخر إلا أن المصير المشترك حتّم على الشطرين اللقاء والتعاون حرباً أو سلماً. ففى اثناء ثورة 26سبتمبر 62م جاء من الشطر الجنوبي رجال دافعوا عن الثورة واستشهد منهم من إستشهد، كما أن الشطر الشمالي ساهم برجاله في النضال ضد الإستعمار، هنا إلتقى الشمال والجنوب في الأهداف والتضحيات مشكلين جسراً للنضال اليمني المشترك، من هنا تجيء واحدية الثورة المباركة، وهكذا اجتمع الشعب اليمني بشطريه على نصرة الثورة، كما نصروا الإسلام حين اندفعوا إلى الصفوف الأولى لحمل لواء الفتوحات الإسلامية ونشروا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، وقال فيهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة) وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّي اشتم رائحة الرحمن من اليمن)، وظل اليمن متماسكاً رغم الغزوات من الغرب والعثمانيين والإستعمار البريطاني ورغم التقسيم الإستعماري والإمامة لليمن إلاّ أن اليمن ارضاً وشعباً ظلت لدى جماهير الشعب اليمني محفورة في الوجدان. كما أن اليمن انقسم إلى شطرين ودولتين، إلاَّ أن تبادل الوفود السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ظلت مستمرة بهدف تنسيق سياسة البلدين في المجالات المختلفة عبر مكاتب التنسيق في الشطرين، وتوالت الأحداث حيث قررت حكومتا الشطرين في 25 فبراير 1968م عقد مؤتمر لبحث موضوع توحيد البلدين، وأستمرت المحادثات حول تنسيق العلاقات بين الشطرين طوال عام 68م، إلا أنه أعقب ذلك صراع بين الشمال والجنوب أدى إلى إيقاف هذا المد الوحدوي وهروب المعارضين من كل شطر ، وتبادلت حكومتا الشطرين إحتضان المعارضين في الشطر الآخرمما أدى الى إصدار القاضي عبدالرحمن الأرياني رئيس المجلس الجمهوري في 16 مارس 69م قراراً خصص بموجبه 13مقعداً في المجلس الوطني (البرلمان) بإسم المحافظات الجنوبية من اليمن، وعلى إثر ذلك اندلعت الحملات الإعلامية. وفي نهاية نوفمبر 1970م إتفق الشطران على إحتواء الموقف المتفجر وإتخاذ بعض الخطوات التي تمهد للوحدة.. وتم تكوين لجان مشتركة لبحث ودراسات الخطوات الأساسية التي يجب البدء بها كمدخل أساسي للوحدة، وخاصة في المجالات الاقتصادية، وذلك بعد حرب 72م بين الاشقاء، وسار الشطران نحو الوحدة وتمت لقاءات خارجية ووقع الطرفان على عدة اتفاقيات بعد تدخل الجامعة العربية لإيقاف الصراع بين الاخوة. إتفاقية القاهرة 1972م، لقاء الجزائر 1973م، لقاء قعطبة 1976م، آخرها إتفاقية الكويت 1979م، بعد حرب 1979م،وعند الإطلاع على كل هذه الاتفاقيات نجد أن القضية الجوهرية فيها هي الوحدة اليمنية، ونجد أنها انطلقت من حرص على إزالة مسببات الخلاف والحرب التي كثيراً مانشبت بين قيادتي الشطرين، وكان للجامعة العربية ودول عربية دور في رأب الصدع بين الأشقاء. لقد أدت الحرب الأهلية الأولى عام 1972م إلى إتفاقية القاهرة وطرابلس والجزائر، وأدت الحرب الأهلية الثانية عام 1979م إلى إتفاقية الكويت وماتلاها بهدف إزالة الخلاف ووضع أسس لقيام دولة الوحدة، ورغم أن الإتفاقيات السابقة لعام 1979م قد وضعت الأسس النظرية لإعادة الوحدة إلاّ أن الارادة السياسية لم تتوافر من الطرفين كما يبدو من عدم تنفيذ الاتفاقيات وتحديد مواعيد لتنفيذها وإخراجها إلى حيز الوجود. وقد جاءت إتفاقية الكويت عام 1979م بخطوات تنفيذية لتحقيق الوحدة، فقد حددت الاتفاقية أربعة اشهر لإنتهاء اللجنة الدستورية، في حين أن إتفاق القاهرة، لإستكمال أعمالها في سنة كما تضمن إتفاق الكويت وسيلة للمتابعة. بعد لقاء الكويت إنتظم وإستمر سير أعمال المجلس اليمني الأعلى المكون من رئاسة الشطرين واستطاعت اللجنة الدستورية المشتركة إنجاز مشروع دستور دولة الوحدة في نهاية ديسمبر 1981م، وفي هذه الفترة التي تلت الحرب الأهلية الثانية بين الشطرين 1979م شهدت اليمن العديد من التطورات الداخلية في كل شطر مما ساهم في عملية الإستقرار وبالتالي التفكير بتروٍ في كثير من القضايا المعلقة بين الشطرين والعمل على حّلها بإرادة سياسية صادقة ترقباً ليوم الوحدة. كما اشار اللواء علي السعيدي إلى أن ثورة ال 26 من سبتمبر التي قامت على أيدي تنظيم الضباط الأحرار، قد عمت بالفرحة اليمن شماله وجنوبه ماعدا الإستعمار البريطاني وعملائه والأنظمة الملكية والقوى التي تحالفت على ثورة 26 سبتمبر، وكان البريطانيون أشد حقداً وأكبر خطراً على ثورة 26سبتمبر، لأن نجاحها نذير نهاية لوجود الإستعمار ليس في الجنوب اليمني وحسب، بل في كل مناطق تواجده في الجزيرة العربية، فجَّندوا وحشدوا ونفذوا عملية التطويق من عدن حتى حرض، فهب أبناء اليمن للدفاع عن هذا المنجز، وجاء أبناء الجنوب زرافاتاً ووحداناً للوقوف بجانب إخوانهم، ورابطوا في كثير من المناطق: في مريس، وفي عبس، والشرفين، والشاهل، وحجة، وخولان، وأرحب وغيرها، صابرين على ظروف الحرب وقسوة الطبيعة. وبعد مرابطة الأشقاء الجنوبيين عدة أشهر بجانب إخوانهم الشماليين عادوا من قمم الشرفين وحجة إلى قمم ردفان ليُشعلوا شعلة ثورة ال 14 من أكتوبر، لقد وفوا بما وعدوا حيث كان يتردد على لسان الشيخ راجح بن غالب لبوزة -رحمه الله- وأخوانه من مشايخ ردفان: بكري، وقطيبي، ومحلائي، وداعري، وحالمي، وشاعري، أن الدفاع عن ثورة سبتمبر ليس بالمرابطة في جبال الشمال ومناطقه بل بإشعال ثورة داخل الجنوب، وكان لهم ما أرادوا، وقام البريطانيون بقمع هذه الثورة، استخدموا فيها كل قواهم وتراجعت مجاميع الثوار بعد مقتل الشيخ راجح بن غالب لبوزة، وعدد كثير من أصحابه، إلا أن شعلة الثورة لم تنطفئ فتغّير أسلوب المواجهة القديم بإسلوب الكفاح المسلح المنظم، وتحركت القيادات الوطنية من الشمال والجنوب ونسقت مع الأشقاء المصريين -(وهذا للأمانة ننصفهم)- في صنعاء، وفتحت المعسكرات في تعز وصنعاء وتوافد عليها المناضلون، وانطلقوا منها مؤهلين لتحمل مسؤولية المرحلة، مرحلة التحرير، وحظوا بدعم شعبي ورسمى، شمالاً وجنوباً، لم يشهد له التاريخ مثيلاً حتى تحقق لهم النصر ونالوا الإستقلال يوم ال 30 من نوفمبر، وكان لي شرف المشاركة في الضالع. - في الوقت الذي نالت فيه عدن إستقلالها وأستعادت حريتها ضاق الخناق على صنعاء، وبفضل صمود المخلصين سبعين يوماً انتصرت ارادة الشعب، وبفضل الله واصلت الثورة مسيرتها رغم مافرضتها ظروف الحرب الباردة طوال عقدين ونيفّ، وجميعنا يعرف ماحصل من 1968م- 1990م، وأثبتت الأيام أن واحدية الثورة حقيقة تاريخية، وأن الثورتين ماقامتا إلاّ لتحقيق أهدافها السامية وذروتها الوحدة، وجاء يوم ال 22من مايو ليطوي صفحة 6 عقود من النضال ومن النظريات الخاطئة، وذهب الزبد وبقي ما ينفع الناس والوطن، ومع أن عشّاق الوحدة كانوا كثراً فقد فاز بها من هو أوفر حظاً من غيره، والذي رفع علم الوحدة بيده يوم ال 22 من مايو حتى استقر على قمة السارية ذلك هو الاخ القائد الوحدوي المناضل المشير علي عبدالله صالح. وذكر اللواء أحمد مهدي المنتصر عدداً من الاحداث المهمة في تلك الفترة وقال: في البدايات الأولى قبل انطلاق ثورة 14اكتوبر كلف العقيد محمد مفرح قائد لواء تعز والمقدم احمد بن احمد الكبسي قائد لواء إب بالتنسيق مع المجاميع التي طلعت من أول يوم لمساندة ثورة سبتمبر من المهرة إلى المندب وبالذات من جبهة ردفان والحواشب والصبيحة والضالع اللاتي كنَّ بالقرب من محافظات تعز وإب. ذهبت المجاميع الأولى تقاتل في المحور الشمالي الغربي في حجة والمحابشة، وكان الشهيد الرعيني -رحمه الله- يشرف على هذه المجاميع في هذه الجبهة، إضافة إلى مجاميع أخرى من الصبيحة بالذات، ومناطق من دثينة ومن يافع، ذهبوا إلى خولان في كتيبة أبناء الجنوب بقيادة احمد محمد الدقم، وبخيت مليط، احد القادة التاريخيين لحرب التحرير، دفاعاً عن سبتمبر هذا هو واقف أمامنا جاء للمشاركة وهو مريض في المستشفى ، قائد تاريخي من قادة ثورة 14اكتوبر، مُدافع عن سبتمبر، بخيت مليط من الذين قادوا معارك الدفاع في جبهة خولان والذين كونوا المجاميع الاولى مع الفقيد محمد علي الصماتي في طلوع الجيش اللحجي بعدها فيه السلطان الثائر علي عبد الكريم. كل الجيش اللحجي قد انطلق إلى تعز بعد نفي السلطان علي عبدالكريم، كنا نأمل أن يكون بيننا في هذا الإجتماع، لأنه سلطان ثائر لا أحد يختلف عليه نُفي ولم يعرف البلد إلا بعد الوحدة المباركة. النقطة الأهم من هذا أنه كان فيه إتفاقية، وعندنا وثائق في هذا الكلام، بين الحكومة اليمنية متمثلة في مصلحة أبناء الجنوب التي كان يرأسها الشهيد قحطان محمد الشعبي أول رئيس لجمهورية اليمن المستقلة. كان فيه إتفاق من أبناء الجنوب يحاربون القبائل المتمردة في الشمال لمدة أربعة أشهر ثم يعودون بسلاحهم ليستخدموه ضد الإستعمار البريطاني وفيه وثيقة موقعة من محمد أحمد شعلان نائب وزير شؤون الجنوب اليمني المحتل بهذا الصدد. اشترك في هذه العملية (حتى لاننسى الشخصيات البارزة) العميد أحمد طاهر قائد العمليات المشتركة في القيادة اليمنية في صنعاء، عبره كانت تُعطى التصاريح، وتعطى الموافقة بالرجوع إلى الجنوب بسلاحهم. النقطة التي بعد كذا، هناك فيه مجموعة ضباط إتصال، كنا نتمنى أن الأخوة ضباط سبتمبر أن يذكروهم، ما بين قيادة الجبهة القومية في البداية ومابين الحكومة اليمنية، أمثال: الضابط الحداد، والعلفي، وحجر، ومحمد الاكوع، كان في تعز أيضاً حسين العمري، هؤلاء كانوا ضباط إتصال يسهلون أمور الجبهة القومية والكفاح المسلح مابين الجنوب ومابين الشمال لم نذكر أسماءهم الآن، وهم أعتقد كانوا سبعة ضباط إتصال مابين عملية صلاح الدين (عملية الإستخبارات المصرية) التي تولت الكفاح المسلح من بدايته إلى نهايته، عدة ومالاً وعتاداً، حتى كانوا يشرفون على الجانب الإعلامي من محطة تعز وصنعاء وصوت العرب، عملية صلاح الدين عملية "8000" التي كان يترأسها في البداية أبو النصر وفخري عامر، وكان قائد لواء تعز صفوت محمد عبدالله هو االمنسق مابين القيادة اليمنية ومابين جهاز الإستخبارات العربي الذى مكّن هذه العملية، كما اني لا أنسى في هذا الموقف الاخ العزيز المناضل عبدالحميد عبد العزيز الشعبي الذي كان مساعد المسؤول العسكري للجبهة القومية، وكان المنسّق مع هذه الأجهزة وقيادة الثورة في الشمال وفي الجنوب. وتحت عنوان جوانب وثوابت تاريخية، العبرة والذكرى (جبهة عدن) أورد الاستاذ أبو بكر شفيق بعض الحقائق والشواهد.. أولاً: ان ثورة 14 اكتوبر المجيدة بكل جبهاتها ومن ضمنها جبهة عدن وبكل قيمها المعنوية وموروثاتها وخلفياتها التاريخية.. إنما هي تتويج لمسلسل من الحركات الجهادية, والإنتفاضات المسلحة الغاضبة والرافضة الأبية في كل الأرياف في الشطر الجنوبي من اليمن سابقاً، ونورد ذلك كالتالي: ·إنتفاضة بن عبدات في حضرموت من سنة 1938م حتى سنة1945م ·إنتفاضة ردفان في السنوات 1936م, 1937، 1946م, 1949م, 1954م. ·إنتفاضة الواحدي سنة 1941م. ·إنتفاضة حضرموت في السنوات 1944م,1951م,1952م,1955م,1961. ·إنتفاضة بيحان في السنوات 1946م,1947م, ·إنتفاضة الصبيحة في سنة 1942م. ·إنتفاضة الفضلي في السنوات 1945م,1956م,1957م. ·إنتفاضة الحواشب في سنة 1950م. ·إنتفاضة دثينة في سنة 1958م. ·إنتفاضة يافع في السنوات 1958م,1959م. ثانياً: إن عدن المدينة هي الأخرى، بالرغم من طبيعتها المدنية وتكوينها البيئي كمساحات سكانية وحضرية صغيرة ومحدودة قابعة بين خلجان بحرية وسلسلة جبال،إلا أن أعمالاً ومحاولات وفعاليات وملاحم ومآثر ذات صبغة جهادية ووطنية، ثم سياسية منظمة وفعاليات عمالية وطلابية ونسائية, وتفاعلات تضامنية ومصيرية بفعل التأثر والتأثير يمنياً وعربيا ً واسلامياً, ذلك الى جانب العمل على التخلص من الإحتلال البريطاني من خلال التواصل مع جهات إسلامية وأخرى دولية، بدءاً من أول مقاومة ضد نزول القوات البريطانية إلى شاطئ صيرة في عدن المدينة والإلتحام معها. ففي يوم الغزو اشترك الأهالي والمشايخ والعلماء وعلى رأسهم السيد علوي بن زين بن علوي بن زين العيدروس مع الجنود المدافعين عن عدن, ومعظمهم كانوا من قبيلة العزّيبة, وسقط الشهداء والجرحى من المجاهدين، ومن ضمنهم شيخ العزيبة راجح بن عزب بن علي العزيبي الذي جرح في 13 يناير ، ولأن اصابته كانت بالغة فقد بقي تحت العناية والرعاية أياماً فقط.. وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فووري جثمانه في بهو القبة لمقام الحبيب أبو بكر بن عبدالله العيدروس اللصيق بالجامع المشهور بإسمه، وكذلك شيخ آل سلاّم الشيخ علي السلامي، وأكثر من مائة وعشرين شهيداً، وتتوالى الأدلة والشواهد على القيم الإسلامية والجهادية المكتنزة في صدور اليمنيين في المدينة والريف.. بعضها من داخل المدينة، وبعضها تأتيها من أرياف آل فضل والعزيبة وردفان وتعز والمخا، ومن مكة المكرمة إضافة إلى القوات العثمانية بقيادة الجنرال علي سعيد باشا, وقد إنكسرت كل الحملات الجهادية عند بوابة عدن الجبلية إذ استشهد عندها قائد حملة ردفان الشيخ الحجيلي, كما انكسرت الحملات الأخرى عند سور الناشري أو التركي وهو من ضمن التحصينات العسكرية الممتدة من مؤخرة مبنى سينما شهناز ( حالياً ) وحتى محطة العاقل للبترول شرق جبل حديد (حالياً). أما الحملة التركية فقد انتهى أمرها في الشيخ عثمان بعد أن أمرت القيادة التركية في «اسطنبول» القائد علي سعيد باشا للإستسلام ضمن ترتيبات مماثلة أخرى في مناطق أخرى حول تركيا. الشيخ عتيق بن علي الرفاعي في الحي الحسيني بعدن المدينة (كريتر) كان متواصلاً مع الباب العالي للخلافة العثمانية، وقد كانت تصل مجموعات من الإستطلاع الحربي التركي إلى الزاوية الرفاعية بلباس الدراويش الصوفية المولوية، ونقلاً عن شخصيات مسنة ممن عايشوا تلك الأحداث، أوضحوا أن تلك المجموعات كانت تقوم برسم الإستحكامات والتحصينات البريطانية.. كان ذلك قبل قرار التسليم وإنسحاب القوات التركية عائدة إلى تركيا. الشريف حسن الرفاعي هو الآخر كان من كبار رجال الأعمال في عدن والحديدة وجدة والسودان وبلدان شرق افريقيا, أفسد على السلطات البريطانية خطة لجمع توقيعات الأعيان في عدن على مذكرة لفصل عدن عن الإدارة البريطانية في الهند وربطها مباشرة بالعاصمة البريطانية لندن, ثم حققت السلطات البريطانية هدفها فيما بعد باتباع أسلوب آخر، كما تعرض الشريف الرفاعي إلى إنتقام البريطانيين منه وذلك بالقضاء على تجارته وأمواله ومكاتبه في المدن والبلدان المذكورة آنفاً. وعن بداية الحرب العالمية الثانية وتحديداً عام 1939م، ومن خلال معرفتها بالتواصل بين شخصيات وطنية وبين المانيا الهتلرية وتعاطف تلك الشخصيات مع ألمانيا، أملاً في الحصول على دعم معنوي وسياسي لتحقيق الخلاص من الوجود البريطاني الاستعماري، فقد أقدمت السلطات البريطانية على اعتقال عددٍ كبيرٍ من تلك الشخصيات ووضعهم رهن الاعتقال والإقامة الجبرية في بعض الجزر النائية والقريبة، وفي بعض الساحات المسوّرة بالأسلاك الشائكة في المناطق العسكرية. إنتفاضة الشيخ عثمان غيرةً واعتراضاً على سجن القاضي عمر شرف الدين من آل شرف الدين في كوكبان، ودارت المعارك بين ذوي الهمم والغارة والغيرة في شوارع الشيخ عثمان بين طرفين غير متكافئين وسقط الشهداء والجرحى في ملاحم بطولية.. عدن ظلت تتذكرها وتتغنى بها حتى اليوم، والإنتفاضة كانت تعني عدم القبول بالمساس بحكم شرعي إسلامي وبقاضٍ مسلم مما يعني استفزاز واعتداء على حرمة الدين الإسلامي. الإنتفاضة العارمة في كل أرجاء عدن ضد جمع اليهود من كل أرجاء اليمن وارسالهم إلى فلسطين عبر عدن, وضد وعد بلفور وتقسيم فلسطين، وقد استجلبت السلطات البريطانية قوات عسكرية بريطانية من معسكرات «فايد والإسماعلية والسويس» من مصر لقمع الإنتفاضة بعد أن رصدت تعاطفاً دينياً وقومياً ووطنياً من قوات الجيش (الاتحادي في معسكر ليك لاين) (كان يسمى ليك لاين ثم معسكر عبدالقوي سابقاً) حركات الإصلاح في حضرموت وتواصلها مع حركات وتجمعات الإصلاح اليمنية في أندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وغيرها. وننتقل إلى فترة الخمسينات التي شهدت مخاضاً وإرهاصات وفعاليات وطنية بصورها السياسية والنقابية والطلابية محلياً, وتفاعلاً وتضامناً مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية وقضايا التحرر العالمية وتأسيس التنظيمات السياسية والنوادي والتكتلات وتسجيل المواقف التضامنية المتفاعلة مع الثورات والحركات العسكرية الوطنية على الساحتين اليمنية والعربية ونشير إليها كعناوين وفقرات مختصرة، وهي ليست بالجديدة وقد أشبعها ذكراً الكتاب والصحفيون والمؤرخون. تكوين رابطة أبنا ء الجنوب العربي عام 1950م التفاعل والتأثر بالزلزال المعنوي الوطني والقومي والتحرري الذي أحدثه قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 م في مصر الكنانة والذي تكونت على إثره تيارات ناصرية ورياح تحررية في الساحة العربية والأفريقية والآسيوية وغيرها، وبلغت محبة الشعب اليمني للزعيم عبدالناصر حداً دفع بأحد الفقهاء -يرحمه الله- وعفا عنه أن يقول في مجلس "أثناء أدائه فريضة الحج "ان الناس في عدن وجنوب اليمن يعبدون جمال عبدالناصر من دون الله، وقد كان - يرحمه الله - هذا الرجل العلامة من الفرسان الأوائل لمجاميع التكفير والتشريك والتبديع. التفاعل مع قرار تأميم قناة السويس -في 1953م تم تأسيس نادي الشباب الثقافي الواجهة الأمامية لحركة القوميين العرب في 1953م. -في عام 1955م حركة الثلايا ضد الطاغية أحمد حميد الدين تفاعل اليمن بشطريه آنذاك مع حركته. -في عام 1956 تكون مؤتمر عدن للنقابات وتغير إسمه عام 1958م إلى المؤتمر العمالي. بدء تنظيم الحركة الطلابية نفسها عام 1954م وقيام الإضرابات الطلابية للطلبة والطالبات وإستشهاد الطالب قاسم هلال, متزامنة مع قيام الإضرابات العمالية.. كان بعضها لانتزاع الحقوق العمالية المعيشية, وبعضها إضراباً ضد سياسة التهجير وتسفير العمال اليمنيين, وبعضها امتناعاً عن تحميل وتفريغ بواخر أمريكية تضامناً مع الباخرة المصرية "كليوباترا" التي امتنع عمال موانئ أمريكية من التعامل معها. الإشارات إلى تأسيس وتكوين التنظيمات والتكتلات لاتعبر عن ذلك الزخم سياسياً ونقابياً وطلابياً، الذي تحدثت عنه صحف العالم والإذاعات والمراقبون, وكانت فترة الخمسينات من الأهمية التاريخية التي تستحق أن يفرد تاريخ فعالياتها بشكل متأنٍ ومركزّ، وكانت السمة الناصرية هي الطابع التي اصطبغت بها سياسياً وتحررياً معظم التكتلات والتشكيلات بمختلف أسمائها وصفاتها. وضمن النضالات الوطنية والقومية والفعاليات والمواقف سياسياً وعمالياً وطلابياً كانت القناعات والطموحات أعظم من كل ذلك، وترسخ الإيمان بأنه لم يعد للشعب اليمني في جنوب الوطن خيار إلا الكفاح المسلح, وجاء الفرج العظيم بقيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م والتي هيأت لقيام الثورة في جنوب الوطن عمقاً استراتيجياً وجغرافياًً وسنداً مصيرياً مشتركاً يضمن الدعم والتلاحم المشترك بالإمكانات والعنصر البشري. كانت ثورة 23 يوليو ومصر عبدالناصر قد بادرت دون تلكؤ أو تباطؤ أو تثاقل إلى نشر جناحيها الحانيتين على سبتمبر واكتوبر، وجاء الدعم العسكري والمادي من القيادة العربية المصرية، ومن ثورة سبتمبر المجيدة, وتم تجميع وتوحيد التشكيلات والتنظيمات السرية التي هيأت نفسها للقيام بأعباء الكفاح المسلح.. ومن ضمنها الجبهة الناصرية التي بادرت إلى تنفيذ عمليات عسكرية جريئة وشجاعة ضد أهداف عسكرية بريطانية وواحدة ضد تجمع العملاء من الجاليات الوثنية وكان ذلك قبل قيام سبتمبر واكتوبر وقبل قنبلة المطار التي نقدر قيمتها وأثرها ومنفذها المناضل خليفة عبدالله حسن خليفة ومجموعته الإستكشافية والمتضامنة والمساندة " ولولا ظروف طارئة واعتراضية لنفذت بقية أهداف العملية باستخدام رشاشات وقذائف «مورتر» "كما علمت من شقيقه الراحل المرحوم طه عبدالله حسن خليفة" أدوارنا الجماعية في التنظيم الناصري قبل ثورتي سبتمبر واكتوبر وتجدر الإشارة إلى ان الناصرية لم تكن أيديولوجية ولم تأت بمدلول نظري أو برنامج أو هرم تنظيمي أو أن للناصرية مرجعية مركز عال في القاهرة، وأجنحة متفرعة عنها أو فروعاً في الساحة العربية أو حيثما يتواجد المريدون والمتبركون بالطريقة الناصرية، بل إنها مجموعة المثل والمبادئ والمواقف المتسمة بالإباء والتحرر والمبادرات القوية والجريئة غير المتثاقلة أوالمتباطئة أو المترددة، بل أنها توصف ايضاً بأنها بلورة وتجسيد ورشحات لمقومات شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وأركانه.. تلك الرشحات والمقومات الشخصية وصفات الغيرة والغارة والوثبة والنجدة والنخوة والرجولة والمروءة والشهامة، فهام به أحرار العالم والشعوب المتطلعة إلى تحررها واسترداد عزتها وحقوقها حتى أن حركات التغيير الوطنية والقومية في بعض البلدان العربية، ومنها ثورة 26 سبتمبر المجيدة المتلهفة لتحقيق الوحدة العربية الشاملة كانت تتحدد هويتها على أنها ناصرية عندما تتسم تلك الحركة بالعزم والحسم وبالخطاب الوجداني الذي يبدو وكأنه ينبعث من قلب وأعماق المستمع نفسه وليس من المذياع. اسمعو واقروا لكي تعلمو قبل ان تخطبو بشعارات الحقد والفتنه والكراهيه ..