أحلام النصر والقوة

[fsa]

أحلام النصر والقوة ( بقلم : محمد أحمد البيضاني )
كوبنهاجن – لندن " عدن برس " خاص : 29 – 4 – 2009
منذ أيام تحدث إلي صديقي الصحفي الأسترالي يستفسر عن سير الأحداث في الجنوب العربي ، وسألني عن سبب الإنتفاضات والكفاح المرير في الشارع الجنوبي ، قلت له ياصديقي إنه الغضب الشعبي ورد الفعل العنيف من أمة تحارب من أجل كرامتها وبقائها ، إن من الصعب جدآ إلغاء هوية الناس وخرافة الوحدة هي وهم عقيم على الورق ، وحدة لم تُدرس وأمراض مستعصية خلفها الماضي الأليم ، إن الوحدة لا تكون تحت جنازير الدبابات وقصف المدافع وأزيز الرصاص ، إن الوحدة هي وحدة القلوب وصدق الإخاء بين الناس ، الوحدة ليست بأبواق الدعاية وهندسة الكلام الذي يُصدر إلى الشعوب كي تنام على الفقر والذل، الوحدة ليست بإلغاء هوية أمة من خير أمم الأرض .. الجنوبية العربية التي ذكرتها الكتب السماوية وباركها الأنبياء ، أمة حضارية عمرها أكثر من 10000 سنة قبل الميلاد ، أراد الغزاة أن تُلغى بلادنا في دقائق بأسم الوحدة الكاذبة والوهم القومي الساذج التي يفرضها الخيال المريض للجمهورية العربية اليمنية .. إنه الغزو الهمجي لبلادنا .. إنها أحلام النصر والقوة.

رفض السودان الوحدة القديمة مع مصر وأنتهت وحدة وادي النيل التاريخية ونظر الساسة السودانيون إلى مصلحة بلادهم ونظرت بعين الإعتبار مصر وجمال عبدالناصر إلى قضية الإنفصال العادلة ، فأنتصرت الإرادة الصادقة وسقط الخيال المريض ، وافق جمال عبدالناصرعلى الإنفصال الذي طالب به السياسيون والشعب السوداني وبدون دبابات أو دماء ، إحتراما منه لتاريخ ومصلحة أمة أرادت الحرية والحياة الكريمة فوق أرضها . كان السودان من أغنى البلدان في افريقيا ، هذا البلد الذي يملك النهر الأزرق والنهر الأبيض .. النيل العظيم ويزرع أجود أنواع الذرة في المحاصيل الزراعية ، نوع ذرة " الفيتريتا" وهي أغلى ذرة في العالم وأيضآ يزرع أجود فاكهة في الدنيا "المانجو " ويصدر أكبر كمية عالمية من الصمغ العربي المشهور وعلى أرضه الخصبة الغنية ترعي أغلى وأجود الأغنام في العالم .. "الأغنام السواكنية" المعروفة بجودتها ، بلد غني وفيه كل الموارد الطبيعية وكاد السودان يصبح من مشروع الكنانة أكبر مصدر للسكر في العالم بعد كوبا إضافة إلى البترول والغاز، لولا نكبة تدخل الجيش السوداني في شؤون الحكم.


ثروة السودان الضخمة لم يطمع فيها جمال عبدالناصر ولا شعب مصر وترك السودان يقرر مصيره وخير السودان لأهله ، منذ عقود كانت هناك فرق الجيش المصري المرابطة في السودان ، كانت هذه القوة المصرية العسكرية الضاربة تستطيع أن تحتل هذا البلد خلال ساعات و بكل بساطة تفرض الوحدة .. وحدة وادي النيل ، ولكن ثقافة وعبقرية وسياسة جمال عبدالناصر لم تريد أن تستولي على بلد الآخرين وتفرض الوحدة بالقوة ، كما فعلت بنا عصابة صنعاء بأسم الوحدة والخيال القومي المريض . يا صديقي الإسترالي .. أنظر ما يجري اليوم من تحرك الجيش اليمني وقصف البيوت والمدراس والمستشفيات بنيران الدبابات في أبين و ردفان والضالع ، أنظر يا صديقي .. إلى هذا الجيش البدائي المجرم قاتل الأطفال زارع الإرهاب .. أي وحدة هذة التي يتكلموا عنها ، إنها خيال أساطين الجريمة المنظمة وتجار الحروب عبر العصور – قتلة أطفال ونساء الجنوب العربي ، صناع الكلام الذين قاموا بصناعة صك العبودية المعروف ب " الوحدة الوطنية" .. أي وحدة وطنية هذة التي يرددها إعلامهم البليد .. إنها خرافة جوفاء وكلمة حق يراد بها باطل.
يا صديقي الأسترالي .. لماذا فشلت الوحدة .. ؟ السبب هو الفارق الحضاري والثقافي والمعيشي بين الجنوب العربي والجمهورية العربية اليمنية ، عاش اليمن طوال عصور التاريخ في حروب دائمة بين الإئمة الهادويين ومن ثم الغزاة ، بلد لم يعرف الإستقرار طوال الزمن ، بلد كان مسرح الحروب والفتن - عصابة سرية تحكم البلاد وأسالت دموع الجنرالات فوق جبال اليمن ، وقف الجنرال التركي سعيد باشا في ذهول لما يجري حوله ، سالت دموع الرئيس جمال عبد الناصر وهو يرى االتآمر والخيانة و هزيمة الجيش المصري في اليمن وتألم كثيرآ من غدر تلك العصابة السرية ، مزقوا وقتلوا جيش مصر الذي جاء لأنقاذهم من عبودية الإمامة ، لقد أذاقوا جمال عبدالناصر المرارة والهزيمة . لننظر إلى ما ذكره أحد زعمائهم ، رئيس الوزراء اليمني السابق محسن العيني في كتابه " خمسون عامآ في الرمال المتحركة" الصادرفي دار النهار للنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى 1999 ، صفحة رقم 89 ، كتب محسن العيني بالنص :
"وكنت قد نبهت الرئيس السلال من مدة إلى أن إذا أستمرت الأمور على ما هي حتى تموز (يوليو) المقبل فأني سأعيد النظر في الموضوع ، لأنه غير معقول أن نظل نتحمل الأعباء والمتاعب. ثم قال الرئيس عبدالناصر : "وأنا أكرر هذا أمامكم الآن ونحن ليست لنا أي مصلحة في البقاء في اليمن . وهناك من يتحدث عن إستعمار مصري لليمن " هو في حد رضي يستعمركم " . أنتهى


يا صديقي الأسترالي .. هذه قمة المرارة واليأس نطق بها الرئيس جمال عبدالناصر .. إن جمال لم يمت في مصر .. بل قتلوه في جبال اليمن .


يا صديقي الإسترالي .. هؤلاء الناس يتكلموا عن الوحدة .. أي وحدة هذة التي تقصف بمدافعها ودباباتها الأبرياء والنساء والأطفال في شوارع أبين والضالع وردفان .. إن هذة الوحدة هي باطل .. إنها باطل الأباطيل .. والسعي وراء الريح .


سلامٌ قول من رب رحيم .. سلامٌ عليكم أبطال أبين والضالع وردفان وحضرموت.. سلامٌ عليك شعب الجنوب العربي .. سلامٌ عليك عدن .. عاصمة الجنوب العربي .. بلادي .. وبلاد أمي وأبي .


كوبنهاجن

[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
كاتب ومؤرخ سياسي