القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
#1
|
|||
|
|||
عولمة الحضارم مابين الاستثمار والتوطين
عولمة الحضارم ما بين الاستثمار والتوطين (1 من 2 ) د. عبد الله مرعي بن محفوظ إن أبرز مظاهر العولمة الاقتصادية الحديثة، توجه الدول إلى الاستثمار الدولي وتحرير قيود التجارة وتسهيل حركة رؤوس الأموال، والتركيز على (التعدين –التطوير التكنولوجي – الطاقة)، لذلك أصبحت اليد الشابة والعاملة الخبيرة أحد أهم عوامل نجاح أي عملية اقتصادية حديثة، والاقتصاد الصيني أكبر شاهد في هذا المجال. لذلك فإن تحريك الكفاءات البشرية، يعتبر إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة جدول أعمال المفوضية الدولية لشؤون الهجرة، والتي عقدت مؤتمراً لها في العاصمة الألمانية برلين في 31 أيار (مايو) 2006 لمناقشة التحديات المرتبطة بظاهرة الهجرة العالمية في القرن الحادي والعشرين، وتمت مناقشة الاستفادة من القوة البشرية الموجودة في آسيا وإفريقيا، واضعين على بساط البحث الآثار المترتبة على مجال حقوق الإنسان الدولية وعملية التنمية في البلدان المصدرة لهم، إضافة إلى الآثار القانونية لعمليات توطين هذه القوى والانتماء للدول المستقبلة لهم. هذا الموضوع هو ما دفعني للكتابة عن الهجرة الاقتصادية والاجتماعية التي تميز بها الحضارم على مر التاريخ الإنساني، والتي تُسطر عملياً وقائع عولمة اقتصادية واجتماعية وثقافية وحضارية جرت في العالم الإسلامي قبل قرون عديدة من العولمة التي نعيشها اليوم، والمطلوب تعريف الغرب المتقدم والشباب العربي والإسلامي بمآثر تاريخية تتجاوز حدود حضرموت (الأرض)، والتي سطر أبناؤها قوتهم الاقتصادية وكفاءتهم البشرية وحسن تعاملهم وأخلاقهم، لتمتد آثارها من شواطئ بحر الصين شرقاً إلى حدود إسبانيا غرباً. ومقالي هذا هو جزء من كتاب قادم حول هذا الموضوع، سينشر ـ بإذن الله ـ بالتزامن مع شريط وثائقي أعددته لـ (قناة العربية)، وأسعى في هذا الكتاب إلى استكمال جهود العديد من الكتاب والباحثين في قضايا الاستثمار والتوطين في عصر العولمة الحديثة. حضرموت التي اعتبرها المؤرخون الغربيون إحدى أهم وأقدم حواضن الحضارة الإنسانية لما تملكه من بعد حضاري عميق ومتسع عبر الحقب والتطورات المختلفة التي عاشتها البشرية، ويمكن قياس هذا البعد الحضاري عبر دراسة هجرات قبائلها المتعددة، الذي انصهر معظم أفرادها في تضاريس العالم الإسلامي والعربي لتشكل كتلة متميزة، والباحث في تاريخ حضرموت وقبائلها، سواء الذي يعود إلى عصور سحيقة في القدم أو المعاصرة, يستطيع أن يميز تاريخياً بأن هناك خمسة مفاصل مهمة في مسيرة هجرة مستمرة من جنوب الجزيرة العربية وهي كالتالي: الهجرة الأولي: في القرن الأول قبل الميلاد هجرة الحضارم إلى الحبشة، وامتد إلى شرق إفريقيا، وهي كانت هجرة استقرار وتوطن ونقل حضارة الجنوب العربي (الكتابة – العمارة – الديانة) إلى تلك البقاع. الهجرة الثانية: في القرن الخامس الميلادي هجرة الحضارم الاقتصادية عندما كانت حضرموت مركز التجارة ما بين الشرق والغرب وتحرك القوافل الحضرمية لتصدير البخور والبضائع الهندية. الهجرة الثالثة: في القرن السابع الميلادي بعد انتشار الدين الإسلامي، وتحرك قبائلها مع الجيوش الإسلامية إلى شمال إفريقيا، الأندلس، العراق، الهضبة الإيرانية، وأواسط آسيا. الهجرة الرابعة: في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي هجرة الحضارم إلى إندونيسيا والهند وشرق إفريقيا بعد دخول الاستعمار البريطاني إلى عدن. الهجرة الخامسة: في نهاية القرن التاسع عشر, هجرة الحضارم إلى الحجاز ودول الخليج العربي . وفي هذا الجانب يقول البروفيسور إنجسينج هو Engseng Ho، رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة هارفارد في أبحاثه التي أخرجها في كتابه (قبور تريم) عام 2000م، إن الحضارم صاهروا المجتمعات المحلية التي هاجروا إليها وأسّسوا مناطق حكم، ومجتمعات ترتبط ببلدهم الأمّ عبر صلة الدم، وكان ذلك عبر قبيلة (كندة) في نجد وقبيلة (الصدف) في البحرين، واستطاعت بعد ذلك أجيالهم عبر الثقافة الاجتماعية وعلم الاقتصاد في التجارة من إنشاء مجتمعات تمتد عبر بحر العرب إلى آسيا وإفريقيا. ركز البروفيسور (هو) على استحداث نظرية اجتماعية لحركة الهجرة إلى الخارج، حين أمر رسول الله محمد, صلى الله عليه وسلم, المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة في نهاية القرن السادس الميلادي، ومع بداية القرن السابع الميلادي استمرت الهجرات الحضرمية حتى ظهور الدعوة لتطوير شرعية دولية لتنظم التوطين وسن قواعد دولية لحقوق الإنسان. وكان أشهر تلك الدعوات، خطابا للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 26 كانون الثاني (يناير) 1941م والذي دعا فيه لضرورة حماية الحقوق والحريات الأربع المتمثلة في حرية الرأي والتعبير وحرية الدين والحق في التحرر من المطالب المادية وضمان الحياة دون خوف. ثم عملت الأمم المتحدة على صياغة هذه (الشرعية) وحققت نجاحاً كبيراً عندما تم تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1948، لذلك فإن الحديث العام عن الهجرة الإنسانية لدى المجتمعات الدولية، وأثر العولمة عليها تسبقها دائماً الصفة القانونية وهي حقوق الإنسان في الحريات الأربع. وبالنسبة للحضارم لا يمكن للباحث فهم كيفية تشكل (الهوية الحضرمية) بمعزل عن طبيعة الأرض التي عاشت عليها هذا الأمة، ولا يشكل الحضارم خرقاً لهذه القاعدة، فالحضارم مدينون بالشيء الكثير من تمايزهم عن بقية إخوانهم العرب لطبيعة أرضهم، فحضرموت تتألف من واديين كبيرين (للماء) يسيران على امتداد الساحل تحيط بهما الهضاب شمالاً وجنوباً أحدهما يصب في البحر العربي، فيما الثاني ينتهي على تخوم صحراء الربع الخالي، هذه الحقيقة الجغرافية كانت العامل الأساس في تكوين الهوية الحضرمية، فهم أهل البحر الذين يسعون إلى اكتشاف آفاق جديدة وتأسيس أسواق تجارية في مناطق العالم المختلفة وتلقي ونشر الحضارة الإنسانية، وهم أهل الصحراء أهل التمسك بالأصول، وأهل النبل والأخلاق الدمثة والكرم. وأكبر منجزات الحضارم التي حققوها عبر هجراتهم المتعددة على الصعيد الإنساني، كان نشرهم للدين الإسلامي الحنيف، فعلى يد الحضارم هدى الله أكثر من نصف مليار مسلم اليوم إلى دين الحق في جزر الهند الشرقية والأرخبيل الفلبيني إضافة إلى جنوب شرق آسيا وأجزاء من الهند والصين، أما على صعيد التطور التكنولوجي فقد رافق فتح الحضارم لعلوم المحيط الهندي، فتح بوابة التجارة الدولية التي تحققت فيها اكتشافات مهمة في علم الملاحة والإبحار في المحيطات، توازي إن لم تتفوق على التقنيات التي استخدمها كولومبوس وغيره من كبار المستكشفين بعد أكثر من 1600 سنة من استكشاف المحيطين الأطلسي والهادي. ولقد عرفت التجارة الحضرمية بين الشرق والغرب فترات ازدهار كان أبرزها العصر الذهبي في فترة ما قبل فتوحات الإسكندر الأكبر المقدوني، الفاتح الذي حلم بضم حضرموت واليمن إلى قائمة فتوحاته وأعطاهما الاسم الذي عرف في أدبيات الغرب الأوروبي لقرون عديدة باسم العربية السعيدة Arabia Felix واصفاً إياها أنها أغنى ممالك الأرض قاطبة، وقد كان هذا العصر الذهبي للتجارة الحضرمية نتيجة لاحتكار حضرموت للطريق الوحيد إلى شرق آسيا الذي كان يمر عبر صحراء الربع الخالي وصولاً إلى موانئ جنوب شبه الجزيرة ومن ثم بحراً إلى الهند والصين . وعند الحديث عن الهجرة الحضرمية ينبغي علينا ألا نكتفي بالتركيز على جانبهم الاقتصادي كمبرر وحيد لتفسير ظاهرة الهجرات عند قبائل حضرموت، بل لا بد من الأخذ في الاعتبار عدة عوامل أخرى وهي: (العامل الأول): العامل المناخي، فمن المعروف أن مناخ شبه الجزيرة العربية كان أكثر اعتدالاً مما عليه اليوم في الأزمان الغابرة، فواديا حضرموت والمسيلة كانا واديين لنهرين دائمي الجريان وليسا مجريين موسميين كما هو الحال عليه اليوم، وهذا الأمر أدى إلى ازدهار الزراعة وانتشار الرخاء في جنوبي شبه الجزيرة العربية، حيث كان معدل الأمطار السنوية التي تهطل على منطقة حضرموت أكبر بكثير مما هي عليه اليوم، هذا التغير في المناخ فرض واقعاً جديداً أصبحت معه منطقة حضرموت أقل قدرة على دعم الأعداد المتزايدة من السكان بوسائل العيش الضرورية مما جعل العديد من الحضارم يهاجرون من أرض أجدادهم بحثاً عن حياة أفضل. (العامل الثاني): العامل الديني، فبعد أن أعز الله عباده بالإسلام، كانت للقبائل الحضرمية شأنها شأن أخواتها من قبائل العرب دور في الفتوحات الإسلامية، وأغلب القبائل الحضرمية استقرت في الأقطار المفتوحة في مصر والعراق والشام والأندلس، واستفاد الحضارم من السماحة الاجتماعية الموجودة في الدين الإسلامي وتواكبها مع تميزهم كعرق مسالم من ناحية (أنثروبولوجية) و(فسيولوجية)، واستطاعوا ترسيخ مفاهيم التوطين بمبادئهم المتسامحة والمسالمة. (العامل الثالث): العامل السياسي فمن المعروف أن حضرموت قد احتضنت مجتمعاً متكاملاً من أبناء الدوحة النبوية الشريفة (آل البيت) وهؤلاء تعرضوا للاضطهاد السياسي أيام حكم الخلفاء الأمويين والعباسيين، فهاجر السيد أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن الإمام جعفر الصادق في عام 313 هـ من بغداد إلى حضرموت مع جماعته، ودام تدفق هجرة السادة العلويين من آل البيت حتّى نهاية العصر العباسي الأول، واستقروا فيها، وقد أسهم السادة (الأشراف) بعد ذلك في إضفاء الميزة الدينية على هجرات الحضارم بقبول أغلب المجتمعات الإسلامية لهم، لتوافر الحُسنين مكانة آل البيت الدينية وحُسن تجارة ومعاملة الحضارم. ختاما: العولمة الاقتصادية في مفهوم الحضارم عبرنا عنها تاريخياً، من خلال علم (الاجتماع) بأنهم سريعو الاندماج في المجتمع الذي يتوطنون فيه، ليشكلوا أفراداً متميزين لامتمايزين و(دينياً) بأنهم خير الأمم تمسكاً بالدين الإسلامي والعقيدة والقيم السامية شرفاً وأمانة، و(اقتصادياً) كون النزاهة والدقة في العمل طباع أصيلة، والالتزام لديهم مقدس والوقت لديهم ثمين والحقوق محفوظة والأمانة شرف يهون الموت دونه، و(سياسياً) كون الحضارم لا يحبون النزاع ويعزفون عن الدخول فيما لا يعنيهم . وللحديث بقية. |
#2
|
|||
|
|||
الحضارم عبروا بمزايين الإبل إلى (العولمة) (2 من 2) د. عبد الله مرعي بن محفوظ ردود فعل مقبولة تلقيتها على الجزء الأول من مقالي، ولكن كان أكثرها إثارة رسالة زميل يقول فيها: (إنه في الوقت الذي لم نزل فيه نعاني تأثير مسابقات شاعر المليون ومزايين الإبل، وما أفرزته من نشر العصبية والتعصب للقبيلة، يطل علينا بن محفوظ، لينزع فتيلاً جديداً في نار العصبية القبلية). شخصياً، توقعت أن أصابع اتهام العصبية ستنال مني ولا مفر منها، ورسالة الزميل استفزتني، لأنها تحاول اختزال ومقارنة تاريخ أمة في بعض الآثار السلبية لمسابقة شعبية، حتى وإن كانت تمس واحدة من أهم خصوصيات الإنسان العربي وهي الإبل. عموماً أنا لا أريد أن أدافع عن مسابقة مزايين الإبل أو أنتقدها، ولكن أعتقد أن ما حدث من ضجيج إعلامي حولها وصل إلى حد اللجوء إلى الرأي الديني والفتوى، يعبر عن مناخ صحي للرأي العام الذي نعيشه في السعودية، فكما قال أبناء القبائل كلمتهم في دعم هذه المسابقة، كذلك انتقدها أصحاب (الفكر التقدمي). وأياً كان القارئ من مؤيد أو معارض، سيستمر الجدل بين الطرفين، فلن تقف القبيلة في حذوها عن رمز الإبل، ولن يقبل (الفكر التقدمي) بأي تجاوز للخط الأحمر. وأنا وسطي بقولي إن علم الاجتماع أعمق، لأنها قوة ذاتية لها أثر عميق في تاريخ الشعوب، وأهم أدواتها هي (المساواة الطبقية)، وهي مفتاح التنمية البشرية، ولا يمكن حصرها في مفهوم اجتماعي ضيق، لذلك فإن محور اهتمامي في المقال هو الحديث عن مجتمع منصهر تماماً بسبب هجراتهم، بل وأثر في العولمة الحديثة، ومجتمع الحضارم ذو طبيعة مختلفة وفكر خلاق، وأقرب وصف جمالي لهم أنهم كدوى النحل في العمل إذا أردت عسلاً صافياً، وكدبيب النمل تشبيهاً إذا أردت معنى للصبر والاجتهاد، والحضارم أمة من النسيج العربي في الخليج، متواضع وبسيط، هرب من طبقية الأرض وميزان النسب، إلى معيار العولمة لا فرق بين الصغير والكبير سوى العلم والأدب والاحترام . سأحاول طرح تصور حقيقي، وكيف نجح الحضارم في تأسيس مفهوم مثالي لـ (العصبية القبلية) والانتقال بها إلى مساحات أرحب، من خلال نشاط بشري معروف وهو الهجرة والتسامح، وليست مبالغة القول إن تلك الهجرات من الناحية النظرية مثلت الغرسة الأولى في مفاهيم (العولمة)! والهجرة في تعريفها العام، توصف أنها نشاط سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، فمن ينتقل من مكان إلى مكان، سيحمل معه كل شيء (نسبه وحسبه ودمه وتاريخه وثقافته وعاداته وسلوكه... إلخ) إلى المكان الجديد، وهذا المكان الجديد تكون فيه أمم وشعوب، فإما أن يلتقي الطرفان ويتأثرا ببعضهما بعضا ويندمجا وينصهرا ويؤسسا نظرية جديدة للتعايش، وإما أن يفترقا! ما حدث حقيقة، أن تاريخ هجرات (الحضارم)، قدم لنا نموذجاً مثالياً في كيفية التعايش الأخلاقي، والحضارم حافظوا في كل المحطات التي وصلوا إليها، على هويتهم، ولم يتنكروا لها، حافظوا على سلالتهم وعرقهم، وفي الوقت نفسه، اندمجوا وانصهروا مع المجتمعات التي وصلوا إليها، وكان أحد أسباب استقرارها وربما (توازنها). إن تاريخ هجراتهم موغلة في القدم، والتي بدأت في ( إفريقيا) منذ القرن الأول قبل الميلاد، والتي لم تكن على شكل غزوات استعمارية أو نزوح جماعي، بل كانت أشبه بانتقال حضارة جنوب شبه الجزيرة العربية إلى الساحل الإفريقي، وشكلت قبيلة (الأجاعز) التي غادرت مواطنها الأصلية في جبل (حبيشة) شمال شرق حضرموت لتستقر في إثيوبيا، وفرع (الحبشات) من قبيلة الأجاعز هم من أعطى اسمه للهضبة التي ما زالت تعرف إلى اليوم بهضبة الحبشة، وقد تابع الحضارم سيرة أجدادهم بالهجرات المتعددة إلي شرق إفريقيا ويقدر عددهم الآن نحو ستة ملايين حضرمي في كينيا وجيبوتي وتنزانيا والسودان، وفيهم رجال الأعمال والوزراء والأدباء المعروفون حتى يومنا هذا. كذلك فإن هجرتهم إلى (الهند)، تمثل رافداً عربياً وحضارة إنسانية، واستقرارهم في منطقة (جدروزايا) الواقعة بين جبال (كيرالا) ونهر (السند)، وذكرها الباحثون في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة (بيرجن) الألمانية، بعد اكتشاف شبكة من العلاقات التجارية في القرن الخامس الميلادي في حضرموت تشابه بشكل كبير تلك التي قامت في القرون الوسطى في منطقة الهند، الأمر الذي دفع إلى التأكيد أن العلاقات التجارية وحركة الهجرة من حضرموت إلى أقطار المحيط الهندي كانت ثابتة في مرحلة ما قبل الإسلام. الحضارم شعب مسالم، لم ينزعوا أي شعب في أرضه، كما فعل (الفينيقيون واليونانيون) في العصر القديم أو مثل (الإنجليز والهولنديين) في عصر الاستعمار أو مثل (الصينيين) في العصر الحالي، بل مالوا إلى تعميق التوطين مع الشعوب المختلفة التي تعاملوا معها وأسسوا مجتمعا مسالما في شرق آسيا، وخاصة في (إندونيسيا)، فهم الذين أسهموا في نشر الدين الإسلامي في هذه الأمة من القرن السابع الميلادي، ثم أسهمت الهجرة الثالثة لهم في القرن الثامن عشر الميلادي، بتكوين مجتمع إندونيسي ذي أصول حضرمية، فأسهموا مع أهلها في تحقيق استقلال إندونيسيا وبناء حكومة وطنية، ولعل أشهر شخصياتهم الدكتور علي العطاس وزير الخارجية الإندونيسي وعلوي باشهاب وفؤاد باوزير وزيرا المالية، وسعيد عقيل منور السقاف وزير الشؤون الدينية، ويقدر اليوم عدد الإندونيسيين من أصول حضرمية بثمانية ملايين نسمة. ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي كان على الحضارم التكيف مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها القواعد الدولية من حدود ونظم سياسية ومواطنة، هذا الموضوع دفع الحضارم إلى تبنّي نوع من الانصهار التام، وتأكيد انتماء الحضارم إلى أوطانهم التي ولدوا فيها وأصبحوا جزءا من نسيجها الاجتماعي، وهكذا انتقلت هجرة الحضارم مرة أخرى إلى أرض الحجاز هربا من الاستعمار البريطاني ثم الحكومة الاشتراكية بعد الاستقلال، والحجاز، كما قال عنها محمود صباغ، إنها (لكوزموبوليتانية) وذات جذوراً ممتدة في القدم، حيث تنص (الميثولوجيا) المحلية بأن ترابها يثوي جثمان أم البشريّة سيدتنا حواء عليها السلام بكل ما تحمله تلك الأسطورة من دلالات ترابط وتواصل على أساس كوني، وعلى ماضيها العريق في استقبال جميع الأجناس والترحيب بجميع الثقافات دون انغلاق أو تمييز، والحجاز بها المدينتان المقدستان مكة والمدينة، وهي مبتغي طلب جوار بيت الله الحرام ومسجد رسول الله لطلب العلم، وتتلمذ الحضارم على يد علمائها وبلغوا معها مرتبة عالية في العلم، أهلت العديد منهم لتسلم منصب إمامة الحرمين المكي والنبوي في ذلك الوقت، منهم عبد اللطيف بن أحمد باكثير 911 هـ قاضي قضاة الشافعية في مكة المكرمة، وهناك أيضاً السيد محمد بن أبي بكر شلي عام 1030هـ الذي تولى التدريس في الحرم المكي. والسيد حسين بن محمد الحبشي 1258هـ الذي تولى الإفتاء للشافعية بمكة المكرمة والشيخ عمر أبو بكر باجنيد المستشار الديني للملك حسين بن علي والذي درس في الحرم المكي وأحمد بن حسن العطاس 1257 هـ تولى التدريس في الحرم المكي والشيخ محمد سعيد بابصيل عام 1330هـ الذي تولى الإفتاء للشافعية ومشيخة العلماء في مكة ومحمد صالح المحضار في عام 1367هـ الذي تولي التدريس في المسجد النبوي. ومع توسع النشاط التجاري للحضارم في آسيا وإفريقيا، تولى كبار تجارها بإرسال أبنائهم للاستقرار والتوطين في الحجاز، حيث أقاموا عدداً من البيوت المالية التي شكلت نظاماً مالياً إسلامياً متطوراً يقدم خدمات الصرافة والتحويل والتمويل للتجار المسلمين الذين يأتون من جميع الأقطار الإسلامية إلى الحجاز بغية الحج والتجارة، ولقد اعتمد العثمانيون عليهم في الشؤون المالية لولاية الحجاز، وكذلك فعل الأشراف من بعدهم، فقد كان عبد الله بامصفر وزيرا للمالية في عهد الشريف عبد المطلب، وعبد الله باناعمة وزيرا للمالية في عهد الشريف عبد الله بن عون، وفي عهد الملك حسين بن علي عام 1916م كان رئيس الديوان الهاشمي أحمد السقاف، وعبد الله باشا باناجة وزيرا للمالية، وشاهبندر التجار في جدة عمر باجنيد، وأحمد باهارون كان عضو مجلس بلدي، وأحمد بن عبد الرحمن باناجة أمين صندوق بلدية جدة، وعبد الله باصبرين ومحمد باعشن من أكبر تجار المواد الغذائية. وبعد وصول جيش الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله تعالى ـ إلى الحجاز وإعلان توحيد أغلب مناطق الجزيرة العربية باسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، كان الحضارم من أوائل أفراد المجتمع الحجازي الذين أعلنوا الولاء والطاعة لمؤسس هذا الوطن، مقرنين نعمة الله عليهم بالشكر والثناء، ثم لثقة آل سعود فيهم بالوفاء والإخلاص، وأسهموا بكل قدراتهم، وأعطو بكل إمكانياتهم، وعلاء مقامهم وحظي علماؤها وتجارها بالثقة والتقدير والمكانة الرفيعة عند الملك الموحد عبد العزيز ومن بعده أبناؤه الملوك الكرام في جميع أوجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ختاما: خلال أكثر من 100 عام وحتى الآن استطاع السعوديون ذوو الأصول الحضرمية، تعميق الشعور بالانتماء للأرض التي يعيشون عليها، إدراكاَ منهم لواجباتهم في خدمة الوطن (السعودية) الذي يتنعمون بخيراته ويعتزون ويتشرفون بعزه وشرفه، وتعلى مراتبهم بعلو منزلته ومرتبته. |
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
أدوات الموضوع | |
طريقة عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
الساعة الآن 08:31 PM.