قائمة الشرف




القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن

عاجل



آخر المواضيع

آخر 10 مواضيع : الأثنين القادم فعالية تأبين كبرى لـ«فقيد» الوطن اللواء د عبدالله أحمد الحالمي في عدن (الكاتـب : nsr - مشاركات : 0 - المشاهدات : 5465 - الوقت: 12:13 AM - التاريخ: 07-04-2024)           »          الرئيس الزبيدي يلتقي دول مجلس الأمن الخمس في الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 19535 - الوقت: 03:28 PM - التاريخ: 11-22-2021)           »          لقاء الرئيس الزبيدي بالمبعوث الامريكي بالرياض ١٨ نوفمبر٢٠٢١م (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 9260 - الوقت: 09:12 PM - التاريخ: 11-18-2021)           »          الحرب القادمة ام المعارك (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 15758 - الوقت: 04:32 AM - التاريخ: 11-05-2021)           »          اتجاة الاخوان لمواجهة النخبة الشبوانية في معسكر العلم نهاية لاتفاق الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 9037 - الوقت: 05:20 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          اقترح تعيين اللواء الركن /صالح علي زنقل محافظ لمحافظة شبوة (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8923 - الوقت: 02:35 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          ندعو لتقديم الدعم النوعي للقوات الجنوبية لمواجهة قوى الإرهاب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 9020 - الوقت: 08:52 AM - التاريخ: 10-31-2021)           »          التأهيل والتدريب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8666 - الوقت: 04:49 AM - التاريخ: 10-29-2021)           »          الرئيس الزبيدي يجري محادثات مع وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8960 - الوقت: 12:56 PM - التاريخ: 10-27-2021)           »          تحرير ماتبقى من اراضي الجنوب العربي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 8950 - الوقت: 02:53 AM - التاريخ: 10-15-2021)

 
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 2 تصويتات, المعدل 3.00. طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #13  
قديم 05-22-2006, 04:03 AM
الصورة الرمزية أنا هو
عضو فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,472
افتراضي

( أ ) المجهود الذي بذلته الجامعة العربية في سبيل المصالحة:


تحت ضغوطات مجتمعة من جانب الجمهورية العربية المتحدة و العربية السعودية، عينت الجامعة العربية في سبتمبر 1967، لجنة خاصة مؤلفة من خمسة أعضاء مهمتها درس الوسائل لتحقيق الوحدة الوطنية في اليمن الجنوبي. و أخذت اللجنة الوطنية على عاتقها الاستماع لكل الأحزاب و الفئات بما في ذلك الأمراء المخلوعين، و العمل بغية تشكيل حكومة اتحاد وطني.

و بالطبع كانت العناصر المعتدلة و التقليدية التي تحميها العربية السعودية و التي كانت تقدم لها الجامعة العربية آخر خط في البقاء، هي أول من سافر إلى القاهرة. و اتخذت ( جبهة تحرير جنوب اليمن ) موقفاً تصالحيا و وافقت على الاشتراك في محادثات اللجنة الخاصة. و أما الجبهة القومية للتحرير فقد رفضت بتاتاً توسط الجامعة العربية الذي اعتبرته، بحق، مؤامرة موجهة لحرمانها من النصر. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت مستعدة كحد أقصى لمقابلة زعماء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، و لهذا السبب لم تحقق أعمال اللجنة الخاصة أدنى تقدم .
ومن جهة أخرى أدى فتح باب المحادثات بين جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل و بين الجبهة القومية للتحرير إلى وقف تلك الأعمال.

( ب ) أفول نجم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل:

كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل قد بدأت تفقد سرعتها و تطورها منذ يونيو 1967؛ فضعف الجمهورية العربية المتحدة الناجم عن الحرب العربية الإسرائيلية و التقدم الهام الذي حققته الجبهة القومية للتحرير في داخل البلد، وجها لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ضربة قاسية، و عبثاً حاولت جبهة التحرير أن تستعيد توازنها لأن الأوان قد فات.

في الحقيقة كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تبحث عن الاستيلاء على الدول الأميرية غير المتحررة بعد. فاصطدمت بالجبهة القومية للتحرير في إمارات الضالع و لحج و توصلت فقط إلى نشر نفوذها على بعض القبائل العوذلية . و في سلطنتي الو احدي و ألكثيري أعلنت العناصر التقليدية حتى تكون في مأمن من هجمات الجبهة القومية للتحرير، انتمائها إلى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل دون أن تكون مع ذلك من الأنصار المقتنعين بهذه الأخيرة. و حصلت الاصطدامات الخطيرة في عدن و بالأخص في القرى و الضواحي. سقطت عدن الصغرى في أيدي الجبهة القومية و المنصورة تحت إشراف جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بينما كان الشيخ
عثمان عرضة لتقسيم حقيقي بين المنظمتين.

سببت هذه الاصطدامات الحزن المبرح العام و استاءت منها كل قطاعات السكان بالإجماع. و شرع رجال الدينون و العسكريون بمساعي عديدة لدى الزعماء الوطنيين و الرئيس جمال عبد الناصر لوقف التصادم الأخوي القاتل. و في هذه الظروف المأساوية وافقت المنظمتان على إجراء محادثات فيما بينهما.


7 ـ محادثات القاهرة:

بعد أن فشلت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ( جبهة التحرير ) في تصحيح الوضع لصالحها، توجب عليها أن تلين مواقفها السابقة. فقد انقطعت عن اعتبار نفسها الممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي و تخلت عن مشروعها الرامي إلى تشكيل حكومة في المنفى. و عدا عن ذلك، ظهرت موافقة على بعثة هيئة الأمم المتحدة و على
اللجنة الخاصة الموفدة من قبل الجامعة العربية. باختصار، أعطت عدة دلائل على ضعفها. إلا انه ظل بيدها عدد لا ينكر من المقومات أهمها: جهازها العسكري و نفوذها في عدن و تأييد الجمهورية العربية المتحدة و العطف الدولي من جهة أخرى.

و هكذا كانت أوضاع الجبهتين غير متعادلة عشية بدء المحادثات في القاهرة. كان ميزان القوى يميل بكل وضوح لصالح الجبهة القومية للتحرير. أن حالة الدونية هذه التي كانت فيها جبهة التحرير ستضغط بثقل على المحادثات.


( أ ) ـ بدء المباحثات.

بدأت المباحثات في أول أكتوبر بحضور عبد القوي مكاوي و قحطان الشعبي الأول رئيس وفد جبهة التحرير و الثاني رئيس وفد الجبهة القومية. و كانت النقاط التي ينبغي على الموفدين مناقشتها تدور حول:

ـ تشكيل حكومة مؤقتة،

ـ وضع دستور مؤقت أيضاً،

ـ و وضع برنامج عمل.

منذ البداية، أحيطت المحادثات بتكتم شديد. و كان يظن أنها ستكون قصيرة جداً و حاسمة بسبب استمرار التوتر المحلي. و خاب أمل الجميع، لأنهم ظلوا يتباحثون طيلة أسبوعين تقريباً بدون أية نتيجة مجدية.

و خلال ذلك الوقت استولت الجبهة القومية على حضرموت و هددت إمارتي العولقي و الو احدي اللتين كانتا قد أعلنتا، مع ذلك، ولاء هما لجبهة التحرير. غير أن الجبهة القومية قررت تحريرا هذه الدول لأنها كانت تعتبرها كآخر بؤر مقاومة لدى الإقطاعيين.

و في هذا الجو المتوتر أذاع الضباط المنتمون إلى جبهة التحرير بياناً شهيراً في 20 أكتوبر يتهمون فيه السلطات البريطانية و بعض رفاقهم في الجيش بمعاونة الجبهة القومية لخنق مقاومة أنصار جبهة التحرير. و بهذا التغير المفاجئ حصل ما لا يمكن إصلاحه. فالجيش الذي تعرض بذلك لتناقضات السياسة انقسم إلى كتلتين متخاصمتين. و شبت حرب بيانات تتهم الجبهة القومية و جبهة التحرير بعضيهما البعض بهجوميات و استثارت مقصودة، بينما كان زعماء الجبهتين في القاهرة يظهرون سكوتاً مدهشاً. و استمرت الوضعية الداخلية في التدهور. و كان من الضروري فرض قرار طارئ لتخفيف التوتر و للإجابة على المندوب السامي الذي يكاد إنذاره أن ينتهي.

أعلنت لندن، لإخضاع الزعماء الوطنيين، أنها ستذيع بياناً هاماً جداً في 2 نوفمبر. و كانت ردة فعل الزعماء الوطنيين سريعة للغاية؛ فقد أعلنوا في 1 نوفمبر اتفاق أولي و لكنهم لم يعطوا أي توضيح بشأن محتواه. غير أن المحادثات دخلت في طورها الأخير؛ و قد استقبل الاتفاق في عدن بسرور عظيم.

و في 2 نوفمبر أعلن وزير الخارجية في مجلس العموم أن حكومته قد قررت تقديم تاريخ استقلال اليمن الجنوبي هذا، إلى نهاية نوفمبر 1967 بدلاً من 9 يناير 1968. و أدى إعلان رحيل البريطانيين القريب إلى تصعيد التوتر من جديد.


( ب ) ـ تدهور الوضعية.

في ليلة الثاني من نوفمبر عادت المنازعات بعنف في عدة أماكن من عدن و أدت إلى سقوط بضع عشرات من الضحايا. و هيمن الخوف و اليأس على العائلات في الشيخ عثمان، و بسرعة دب الهلع في باقي عدن حيث دارت معارك ضارية. و تدخل الجيش، دونما نجاح، للتوصل إلى توقف المعارك و أخيرا اضطر للأمر بوقف إطلاق النار على الفور و فرض منع التجول في المناطق المضطربة.

و في 4 نوفمبر وجه زعماء الجبهة القومية و جبهة التحرير نداء مؤثراً من القاهرة إلى أنصارهم يدعونهم فيه إلى وقف الاقتتال. و بعد هدنة دامت بضع ساعات، عادت الصدامات إلى الظهور برعب، و كانت نتيجتها تسميم الجو أكثر مما كان عليه. و اتهمت الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار و
طلبت من وفدها في القاهرة أن يوقف المباحثات و أن يعود إلى البلاد.

على اثر هذه الأحداث الدامية، حمل الجيش جبهة التحرير مسؤولية الرجوع إلى المخاصمات. بناء على ذلك، قرر المندوب السامي في 6 نوفمبر الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي وحيد للشعب اليمني الجنوبي بينما كان يعتبر، قبل أسبوع فقط، الجبهة القومية و جبهة التحرير هما الممثلان للشعب. و في ذات الوقت
طلب الجيش من الجبهة القومية و من الحكومة البريطانية أن تبدءا المحادثات في اقصر فترة. إن موقف الجيش قد حل الصراع بشكل نهائي لصالح الجبهة القومية و تسبب هكذا في إفشال مباحثات القاهرة التي أصبحت غير مجدية و متجاوزة. و بادرت جبهة التحرير إلى اتهام الجبهة القومية بالتآمر مع المملكة المتحدة و مع الجيش.

خلف كل هذه الأحداث و الاصطدامات نجد بكل تأكيد الصراع من اجل السلطة في عدن و الرغبة في التباحث مع لندن بوضع قوي. و بالتالي، كان من الجلي أن المنظمتين كانتا تعتمدان قليلاً على مباحثات القاهرة و تعطيان أهمية رئيسية للاستيلاء على عدن.

هيمنت الجبهة القومية على كل البلد تقريباً و وجدت أنه من غير الطبيعي أن تفلت عدن من نفوذها. و أما جبة التحرير فقد كانت عدن بالنسبة إليها ذات أهمية حياتية. فالإشراف على منطقة عدن كان أهم بكثير من السيطرة على مناطق البلد الداخلية. و هكذا كان الاستيلاء على عدن مسألة حياة أو موت بالنسبة لجبهة التحرير.

و بعد عدة أيام من المعارك الطاحنة خسرت جبهة التحرير معركة عدن؛ و على الفور بدأت مطاردة أتباعها و منا ضليها . و تبع ذلك تطهير الجيش و الشرطة و الإدارة.


8 ـ سقوط النظام الاستعماري:

إذن خرجت الجبهة القومية منتصرة من التصارع الدموي الذي دام من 1 إلى 6 نوفمبر؛ و بسقوط عدن صار البلد كله تقريباً تحت إشرافها؛ و سقط النظام الاستعماري كقلعة من الورق. إن وجود المندوب السامي و توقف الجيوش هما ظواهر السلطة الاستعمارية الوحيدة و الأخيرة. و أما الإدارة البريطانية فقد تلاشت بسرعة.

بحثت الجبهة القومية، بسرعة، عن سد الفراغ و ذلك بحلولها محل السلطة الاتحادية في عدن و في داخل البلد.

و لأول مرة في التاريخ الاستعماري تتخلى المملكة المتحدة عن القيام بمسؤولياتها. و في فلسطين بالذات كان ينبغي عليها أن تبقي سلطتها حتى يوم الرحيل النهائي. إن حلول سلطة الجبهة القومية مكان النظام الاستعماري تستحق أن يشار إليها بشدة. فلم تقبل السلطة الاستعمارية في أي مكان من العالم،
بأن تقوم بتلاش و اختفاء مماثل قبل تسليم السلطة و إعلان الاستقلال. و مع ذلك هذا هو ما حدث في اليمن الجنوبي. و في هذه الظروف إذا كان للمباحثات بين الحكومة البريطانية من جهة و بين الجبهة القومية من جهة أخرى، المقررة في 20 نوفمبر في جنيف، لها معنى ما، فهو إناطة الدولة اليمنية الجنوبية بصلاحيات
السيادة الخارجية و تحديدا مقدار المساعدة المالية البريطانية للدولة المستقلة الجديدة.

و كل شيء يبدو مشيراً إلى أن البلد سيحصل في 30 نوفمبر على الاستقلال في الصفاء و الوحدة. مع ذلك، سيطرح الحصول على الاستقلال مشاكل بالغة التعقيد تستلزم وقتاً طويلاً لحلها. و لا يمكن لتغير و لو جزئي في ألبنا الموروثة من الماضي و لإنشاء بنى جديدة أن يتم دفعة واحدة نظراً لأن ظروف الانطلاق ستكون غير مواتية بصفة خاصة.

حركة التحرر الوطني

إن النضال المعادي للاستعمار، لم يأخذ شكله المنظم في اليمن الجنوبي إلا بعد الحرب العالمية الثانية. فقدا اشتعلت الحركة الوطنية بعد الحرب في أنحاء مختلفة ما تزال تحت السيطرة الاستعمارية.

و هذه الفترة تقابل الفترة التي قامت فيها جامعة الدول العربية و ظهرت فيها ملامح اليقظة القومية في الوطن العربي ، وأصبحت فيها قوى المعسكر الاشتراكي في ازدياد .

فعلى الصعيد المحلي، رافق نهضة عدن من الناحية الاقتصادية، اشتداد النشاط السياسي و الثقافي. و بدأت الأفكار الجديدة تغزو البلاد بسرعة كبيرة.

و قد كان لهذه العوامل المختلفة أثر هائل على الوضع الاجتماعي و السياسي في اليمن الجنوبي و في اليمن. و قد كانت محاولة الانقلاب ضد الحكم المطلق الذي يتصدره الإمام يحيى في اليمن عام 1948 أول صدى لانعكاس الحوادث الخارجية على الوضع الداخلي في المنطقة. و على الرغم من فشل هذه المحاولة، فإنها اعتبرت
أول مواجهة جدية بين الرجعية المسيطرة و بين النزعة القومية، و كان من نتائجها المباشرة تنبه الطليعة المثقفة في المستعمرة و شعورها بانتمائها إلى العائلة اليمنية الكبرى و إلى القومية العربية. و قد أكد هذا الشعور استقرار المحرض الأول على الانقلاب الفاشل ( حزب اليمن الحرة ) في عدن.

و قد كانت السلطات البريطانية تأمل في أن تتخذ من هذه الحركة وسيلة لمحاربة الإمام الجديد و الضغط عليه. إلا أن هذه المنظمة خيبت أملها و لعبت على العكس دوراً رائداً في حركة تحرير اليمن الجنوبي، و ساهمت في تشكيل الخيرة الأولى للنزعة الوطنية المعادية للاستعمار.

نشأة الحركة الوطنية:

كانت ثورة الأمير ألكثيري المسلحة ابن عبدات (1) ضد السلطات المحلية و البريطانية أثناء الحرب العالمية إعلانا عن ولادة حركة وطنية في حضرموت.

إلا انه على الرغم من كونه قد نجح في إثارة قسم من القبائل عام 1945، فقد أخذت حركته منذ البدء شكل تيار معزول و محدود النطاق. فقد كان للتكوين العشائري للمجتمع و لتخلف السكان أثرا هما في خنق آثار هذه الحركة و عدم شمول تأثيرها باقي أنحاء البلاد. يضاف إلى ذلك عدم وجود وسائل مواصلات و اتصال في ذلك الحين من شأنها أن تشجع انتشار الشعور الوطني بدلاً من العزلة و التقوقع و التجزئة. لذلك لم يحتاج الإنجليز في مثل هذه الشروط إلى بذل عناء كبير في سبيل خنق هذه الاندفاعات الوطنية في مهدها.

و كان لا بد أن يأتي عام 1948 حتى تشتعل جذوة الوطنية من جديد في عدن هذه المرة. و الحقيقة أنه ما من شيء قبل ثورة اليمن، كان يدعو إلى التنبؤ بأن عدن سوف تصبح مركز الاندفاعات الوطنية. فمنذ تلك الحادثة الرئيسية التي هزت الجزيرة العربية، بدأت عدن تلعب دور قيادة الصراع المعادي للاستعمار و المعادي للإقطاع. و عندئذ ولدت حركة وطنية بكل ما في الكلمة من معنى في المنطقة. و استفادت من الانحسار الخجول للنظام الاستعماري بدءاً من عام 1947 و إنشاء المجلس التشريعي و سن القانون الذي اعترف بحرية التجمع و لعدة أسباب، منها سياسية و منها اقتصادية، انقسمت الحركة الوطنية منذ البدء إلى عدة اتجاهات تنتمي جميعها إلى القومية العربية.

و قد لعب المثقفون دور المحرك الرئيسي للحركة الوطنية، و كانوا من وراء ذلك يهدفون إلى غايتين أساسيتين:

1 ـ تربية المواطنين العرب تربية سياسية و اجتماعية.

2 ـ تحرير البلاد.

و كانوا في غالبيتهم صحفيين و أساتذة و خريجي جامعات، تلقوا تعليمهم في الخارج، و كانت الصحافة و النوادي و الجمعيات و الرابطات بمثابة منابر لهم . و عنها انبثقت الأحزاب و النقابات العمالية فيما بعد.

و لقد ركزت الصحافة المحلية على العامل الاقتصادي بسبب النهضة التجارية في المنطقة. و قد مارست الصحف المتطرفة أمثال صحيفة النهضة و صحيفة الفضول، عملية تربية اجتماعية عن طريق نشر الموضوعات الخاصة بالعمال و بأرباب العمل. و ما لبثت الصحف المعتدلة الموالية للإنجليز أن سلكت نفس المسلك أمثال صحف فتاة الجزيرة، و القلم، و العدني. و قد استخدمت السلطات هذه الزمرة الأخيرة من الصحافة من اجل إجهاض الحركة والحيلولة دونها و دون التزام خط تقدمي. إلا أن خط الحركة الوطنية الصاعد لم يكن يقبل التراجع أو النكوص. و بفضل هذه الحركة الوطنية بدأ الوعي الاجتماعي و السياسي و الحس المدني و الحضاري ينمو بين سكان المدن. و قد بدأت حملة التوعية بقسم من المثقفين لتشكيل طليعة تتولى هي نفسها نشر الأفكار و الشعارات بين جماهير العمال الأميين بوجه عام. أما ما يتعلق بالعمل العمالي الصرف فقد كانت نوادي المثقفين و المغتربين العائدين إلى البلاد هي مراكز الانطلاق الرئيسية (2).

إن ظهور النوادي و الجمعيات و ازدهارها، قد أعطى للحياة السياسية طعماً جديداً. فالطبقة المثقفة كانت تلتقي داخل المنظمات الرياضية و الثقافية و الفنية و في العديد من جمعيات الإحسان، لتناقش قضايا المنطقة و مصيرها في المستقبل. و كانت هذه المراكز تجمع بين أشخاص أتوا من شتى آفاق المعمورة و من مختلف الأوساط، تشغلهم جميعاً دراسة القضايا القومية و المسألة الوطنية. و أهم هذه المؤسسات في المستعمرة كانت:

ـ النادي العدني، الجمعية الإسلامية، الجمعية العدنية، الاتحاد اليمني.

أما في المحمية، فقد كانت:

ـ جمعية الإحسان الحضرمية، النادي الشعبي في لحج.. الخ.

و كان المغتربون يترددون بدورهم على هذه النوادي و الجمعيات و كانوا يتحدثون عن الأحداث التي عاشوهاء خلال اغترابهم، و كان بعضهم ممن أتوا من الشرق الأقصى قد شاركوا في الحركات الوطنية و الحركات الثورية في اندونيسيا و ماليزيا. و على سبيل المثال لعب المغتربون الحضرميون في جاوا دوراً سياسياً ذا طابع إصلاحي وحدوي (3).

و قد كان ثمة مركزان من مراكز الاغتراب قد لعبا دوراً هاماً في تكوين الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي هما: اندونيسيا و انجلترا.

ففي اندونيسيا كانت الجالية الحضرمية على احتكاك بالحزب الوطني الاندونيسي كما كانت على اتصال بالأحزاب اليسارية و بمختلف الأحزاب ذات الطابع الإسلامي. و كانت هذه الجالية تملك أفكاراً نيّرة متقدمة. إلا أنها ما لبثت أن كانت أول ضحايا الحركة الوطنية في اندونيسيا. فأضطر قسما كبير منهم إلى العودة إلى اليمن الجنوبي حيث شكلوا مجموعة نشيطة لها تأثير في الحركة الوطنية. ثم انضم إليهم المثقفون الذين تلقوا علومهم في جامعات البلاد العربية.

أما في إنجلترا، فالمهاجرون كانوا يتمركزون بأعداد وفيرة في منطقة كرديف حيث كانوا يعملون بحارة أو عمالاً. و تبعاً لذلك نشأ احتكاك بينهم و بين الأوساط العمالية الإنجليزية أي مع حزب العمال و مع أفكاره السياسية ذات الطابع المعتدل و الليبرالي، و مع الحركة النقابية. و قد ساهم العائدون من هذه المراكز مع العائدين من الشاطئ الفرنسي للصومال ( جيبوتي )، في تكوين الحركة النقابية في اليمن الجنوبي التي بدأت تتبلور منذ عام 1946. و قد استمر تطورها على الصعيدين الاجتماعي و السياسي دون أن تصطدم بعقبة جديدة حتى عام 1952. فقد مرت بالوطن العربي حادثة رئيسية، هي قيام الثورة المصرية.

و قد ترك نجاح هذه الثورة و انتشار تأثيرها في الخارج أثراً كبيراً على مجرى الأمور. فكان من النتائج المباشرة لهذا كله أن دخلت الحركة النقابية في منعطف حاد. فقد أخذ الوضع السياسي شكله الواضح في اليمن الجنوبي، و شهدت الموجة الوطنية تصدعاً حاسماً بين المحافظين و بين التقدميين. و منذ ذلك الحين أخذ كل تيار طريقه المعاكس للآخر.

فعلى النقيض مما حصل في عدد كبير من المستعمرات في القديم حيث كانت وحدة القوى الوطنية مسيطرة طيلة مرحلة التحرير، نجد أن اختلاف الاتجاهات حال دون شعور التيارات المختلفة بالرابطة التي تجمعها على صعيد واحد و هي: وحدة الصراع ضد الاستعمار.

لذلك اتصفت الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي بالانقسام و التشتت في الزمان و المكان. و كان ذلك سبباً من أسباب ضعفها. و يبدو في الظاهر إن تفسير هذه الظاهرة يمكن أن يتم بالرجوع إلى نقص الوعي السياسي لدى الجماهير و لدى القادة، أو بالخصومات الشخصية. إلا أن المسألة في الحقيقة هي أعقد من ذلك. فاختلاف الأصول الاجتماعية لرواد الحركة الوطنية و عناصرها هو العامل الرئيسي. فالاختلافات من جهة، كانت تدور حول مفهوم الصراع و وسائله. و من جهة أخرى كانت تدور حول الأهداف النهائية التي يسعى إليها كل فريق.

فالبعض كانوا يقبلون بالتعاون مع السلطة الاستعمارية، و البعض الآخر يلتزم موقف الرفض الحاسم للتعاون و موقف النضال الدائم من أجل تحرير البلاد في أقصر فترة ممكنة. و بقي هذان الاتجاهان المتعارضان متلازمين في عدن، أما بالنسبة للمحمية، فقد بقي التياران بعيدين عنها بحكم عدم وجود ارتباط بين المستعمرة و المحمية يسهل عملية الانتشار تلك.

و هكذا يبدو انه من المنطق أن نتكلم عن تيارات بدلاً من الكلام عن حركة واحدة منسجمة. و منذ عام 1952 – 1953، يمكن أن نميز من خلال ما كان يطرح من تعليقات في الصحافة العدنية، وجود تيارين للرأي العام: أحدوهما يطالب بالحكم الذاتي ، و الآخر يطالب بالتحرر الكامل .

إن التيار الأول، أي التيار المعتدل الذي يعمل من أجل الحصول على الاستقلال الذاتي، هو في الواقع تيار الأقلية، لأنه يتشكل من الأجانب مواليد عدن، أي خليط من الأجناس، يشكل العنصر العربي الغالبية فيه، و تدعمه الجاليتان الهندية و الصومالية التي تتألف من حوالي عشرين ألف شخص.

و كانت الرابطة العدنية التي أنشئت عام 1950 هي الوجه السياسي لهذا التيار. و كانت مطالبها تقتصر على الإصلاحات الاجتماعية، و على إنشاء مجلس تشريعي منتخب. و كانت تعتبر الاستقلال الذاتي مطلباً يجب أن يتم تحقيقه في عدن على مراحل و ضمن إطار الكومنولث. أما فيما يتعلق بالإطار العام للبلاد، فقد كانت تنادي بتعزيز الأواصر بين عدن و المحمية، إلا أنها كانت ترى بأن المحمية يجب أن تحتفظ بنظام الحماية.

أن وجهات النظر الانفصالية التي كانت تبشر بها الرابطة العدنية، كانت تأتلف تماماً مع نظر الإدارة البريطانية خلال أعوام 1950 -1954. لذلك كانت تلقى منها تأييداً و مساعدة مالية.

إلا أن هذا المفهوم الممالئ للإنجليز كان يشجب و يقاوم مقاومة عنيفة من قبل التيار المعاكس الذي كان يرفض مبدأ التطور البطيء لأنه يعتبره منطلقاً رجعياً و وسيلة لتثبيت النظام الاستعماري. كما كان يرى فيه عاملاً يهدد استمرار حركة التحرر الوطني و حيويتها.

إن التيار الوطني التقدمي كان هو التيار المهيمن في أوساط الشعب العربي الذي يمثل ثلثي سكان المستعمرة. و كانت مطالبه عام 1952 تلخص فيما يلي:

1- إلغاء الوضع الخاص بعدن كمستعمرة تابعة للعرش، و جعلها عاصمة للمحمية.
2ـ توحيدا دول الأمراء.
3- إنشاء مجالس محلية منتخبة و مجلس اتحادي في عدن.
4 ـ الاستقلال الذاتي و دستور جديد للدولة الاتحادية الجديدة.
5 ـ الإصلاحات الاجتماعية.

و عناصر هذا التيار تتألف من أعضاء الروابط و المنظمات القومية. و كان له صحيفتان تعبران عن مواقفه هما: النهضة و الفضول. و كان أنصار هذا التيار يُتهمون من قبل الإنجليز بالمشاغبين و المتطرفين. و كانت هذه الاتهامات مبرراً لملاحقتهم. و كان اعتقالهم يُبرر رسمياً بصيغة تقليدية: الإخلال بالأمن الداخلي للمحمية عن طريق نشر مقالات تمس الأمراء المناهضين لفكرة الاتحاد التي يطرحها الوطنيون. و الحقيقة هي أن السلطات الاستعمارية كانت تحاول أن تمنع فكرة دمج عدن بالمحمية من الانتشار، و تقوم باعتقال كل من يبشر بها في تلك الفترة. فحتى عام 1953 لم تكن سلطة الحماية تفكر بأكثر من توحيد الأمارات في ظل اتحاد فدرالي يستبعد عدن و يبقي عليها كمستعمرة. و كانت تأمل بطرح فكرة الاتحاد الفدرالي بالنسبة للأمارات، أن تستميل بعض العناصر الوطنية من جهة و أن تؤمن مستقبل الزعماء المحليين ثانية.

و مع ذلك فقد فشل مخطط التجميع الذي رسمته لندن لأنه لم يكن يلبي شروط التيار التقدمي. و عندئذ أخذت السياسة الإنجليزية منحىً مكشوفاً في تأييد التيار المعتدل مع تصميم على تحطيم مقاومة خصومه. و منذ عام 1954 تأسست صحيفة جديدة سميت ( صحيفة الفجر ) و بدأت المرحلة الأولى من مخطط التيار التقدمي في
مقاومة الاستعمار.


(1) البكري ( حضرموت و المدن ) ص 168.

(2) مجلة أفريقيا و آسيا، العدد 44، باريس 1958.

(3) فإنسان مونتيل ( العرب )، باريس، 1959، ص 18
.


تابع الصفحة التالية مع تحيات اخوكم: أنا هو.
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لدى منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار 2004-2012م

ما ينشر يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

سبق لك تقييم هذا الموضوع: