شطحات ثوريـــــــــــــــــة ,, لمصلحة من ؟؟؟

[شعيفان]

أعلم يقيناً أن هناك من سينبري للقول بأن الوقت غير مناسب الآن لطرح هذه الأمور ,, وبأن الجنوب يعيش في حالة طواريء غير معلنة ,, وبأن السجون مكتظة بالمعتقلين والمشافي ملأى بالمصابين ,, والجبال متخمة بالمطاردين ,, لكنني أعلم أيضاً أننا لو اتبعنا هذا القول والتزمنا بمايريد فلن نكون بعيدين عن عقلية الأنظمة العربية الدكتاتورية التي تريد تسيير كل شيء وفق رغباتها وتحت حجج واهية وإشغاله عن أسباب فشلها والبحث عن مشاكل لهذه الأسباب ولعل الدول التي لازالت تعيش تحت قانون الطواريء المعلن وغير المعلن منذ أكثر من ثلاثة عقود خير دليل على صدق مانقول ..

هالني ما رأيته صبيحة يوم السابع من يوليو في "عدن" التي تحولت إلى ثكنة عسكرية محكمة الإغلاق أعادت للمواطنين مشهد السابع من يوليو 1994 عندما احتلت قوات الإمام حاضرة الجزيرة العربية ونشرت جنودها وقواتها العسكرية في كل زاوية من زواياها براً وبحراً وجواً ,, طائرات ودبابات وعربات مصفحة وعدد خرافي من الجنود المدججين بمختلف الأسلحة ودوشكات ومضادات طيران وأسلحة أخرى غير معروفة على جنبات الطريق وفوق التلال المطلة على الميناء وحول المطار ومبنى الإذاعة والتلفزيون وفي تقاطعات الشوارع الرئيسية وغير الرئيسية .. نفس التفاصيل ونفس المشهد بعد 15 عاماً من الاحتلال الصريح والواضح .

المسألة هذه المرة لم تكن مجرد رغبة من صنعاء في إفشال فعالية الجنوبيين الرافضين لواقع ( سبعة سبعة ) فقبل عام من الآن أفشلت سلطات صنعاء فعالية الجنوبيين وحطمت – حينها – لأول مرة رقماً قياسياً في عدد المعتقلين الذين تجاوزوا الـ 600 معتقل حسب منظمات حقوقية ( يمنية ) لكنها لم تخرج كل هذه القوة العسكرية التي أخرجتها إلى الشارع في هذا العام ,, كما أن ظهور علي سالم البيض وتحول المسألة في جزء منها إلى معركة شخصية من وجهة نظر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لا يحتاج إلى هذا العدد المهول من الجند والعتاد العسكري وكان بالإمكان إعادة سيناريو العام الماضي لإفشال المهرجان وسينتصر علي عبدالله صالح وسيهزم علي سالم البيض حسب منطقه , ومن دون خروج الجيش بهذه الصورة الغريبة جداً ..

المسألة لم تكن سوى ردة فعل ( منطقية ) من صنعاء بعد ( الشطحات الثورية ) من الجنوبيين أثناء حشد الناس لهذه الفعالية في هذا العام ,, ويمكن تلخيص الأمر في النقاط التالية :

- شعار ( سبعة سبعة آخر يوم ) الذي أطلقته بعض القيادات وتداوله البسطاء من الناس بإندفاع ثوري من دون فهم الكثيرين منهم لحقيقته والمقصد منه ,, وقد وصل هذا الشعار الغريب لفئة كبيرة من الناس كانت مغيبة تماماً عن فعاليات الحراك الجنوبي و قد رأيت الكثيرين منهم يرددون عبارة ( سبعة سبعة ) بسبب ومن دون سبب وعندما سألت أحدهم متغابياً عن مقصده أجابني بقوله : ( آخر يوم ) ولما بينت له أنني لم أفهم معنى ( آخر يوم ) أجابني بأنه آخر يوم للدحابيش في عدن .. سألته كيف ؟؟ أجابني بالقوة .. وبالسلاح !!

- قناة عدن التي تبرعت بقصد أو من دون قصد في شرح مفهوم هذا الشعار وفتحت الباب على مصراعيه لاتصالات ثورية من مواطنين بسطاء معظمهم إذا لم أقل كلهم من المقيمين في الخارج و شطحوا كثيراً في انفعالاتهم وتفاعلاتهم وصوروا يوم السابع من يوليو كيوم الانتقام الأكبر الذي سيذبحون فيه المستوطنين وعساكر الإمام ويعلقون رؤوسهم على أعمدة الإنارات في شوارع عدن وسيرمون بجثثهم فوق تلال شمسان لتأكلها الكلاب .. وهي تعبئة خاطئة لا تمت للواقع بصلة ولا يجب أن تحدث حتى لو أراد البعض أن يقيمها على أرض الواقع عملاً ملموساً فلا العقل ولا المنطق ولا الضمير الإنساني يقبل بتصرفات دموية كهذه .


- شطحات بعض الكتاب في المواقع الإخبارية والمنتديات الحوارية ,, والاستمرار في التمسك بشعار ( سبعة سبعة آخر يوم ) بدون فهم معناه وهي مشكلة ,, أو بفهم معناه وهنا المشكلة الأكبر حيث انطلق الكثيرون منهم يشرحون هذا الشعار في مشاركاتهم ويتفننون في تصوير مشاهد النهاية للاحتلال اليمني والمستوطنين اليمنيين على أرض الجنوب واشتملت دعوات الكثيرين منهم على القتل والذبح لعساكر الإمام و طرد العمال اليمنيين أو قتلهم أو تهجيرهم ,, وكلها شطحات ثورية ساهمت كثيراً في تشويه الفعالية قبل بدئها وتسببت في إفشالها منذ أن انطلقت مشاركاتهم تلك التي شطحوا فيها أيضاً بأنهم سيقتحمون ساحة الهاشمي ولو على ( حساب ) أرواحهم ,, وانتهى يوم السابع من يوليو من دون اقتحامهم ساحة الهاشمي ولا حتى على ( حساب ) بنك التسليف الزراعي ..

هذه الأمور وغيرها رسمت صورة دموية لهذا اليوم في عقول الناس داخل وخارج الحدود و هي التي تسببت أولاً وأخيراً في إخراج الجيش اليمني إلى شوارع عدن بعد أن أوجدت قناعات لدى كثير من الناس في الداخل أن مجاميعاً مسلحة ستدخل عدن لتنفيذ خطة إخراج اليمنيين من أرض الجنوب أو قتلهم والتمثيل بجثثهم بصورة مشابهة للمشاهد الدموية التي أعقبت حرب الرفاق . . ولهذا امتنع الكثيرون يومها عن مزاولة أنشطتهم اليومية المعتادة ,, فتوقفت حركة المواصلات طوعياً ,, وأغلقت المحلات التجارية أبوابها طوعياً أيضاً ,, بل إن السلطات نفسها قامت بتقديم فعاليتها التابعة لما يسمى ( حراس الوحدة ) يوم الأحد الخامس من يوليو بدلاً من يوم الثلاثاء السابع من يوليو الذي بقيت فيه الناس في بيوتها ,, وظهرت شوارع عدن وكأننا في الساعات الأولى من نهار رمضان حين تبدو المدينة خالية من السكان والطرقات خالية من المارة والمواصلات متوقفة والمحلات مغلقة ,, ومن الطريف أن ننصح هنا من يريد تصور المشهد ممن لم يتخيله حسب وصفي له أن يشاهد فيلم ( 28 Days Later ) وسيرى حينها كيف كانت شوارع عدن صبيحة يوم السابع من يوليو 2009 فالمشهدان لا يختلفان كثيراً سوى في ضخامة المباني في الفيلم بالمقارنة مع مباني عدن المتواضعة بطبيعة الحال .

بصراحة .. أنا متعاطف كثيراً مع قرار نشر الجيش اليمني ,, لكنني أعتب عليه في أخذه تلك الشطحات على محمل الجد ,, وكان الأجدر به أن يتعظ من ( الشطحات الثورية ) المتراكمة في مسيرة الحراك الجنوبي ولعل أبرزها مواعيد المهلات التي حددها الجنوبيون لسحب القوات أو تسليم القتلة أو تنفيذ بعض المطالب الآخرى والتي كانت تنتهي دائماً بلاشيء ,, بالرغم من أن تلك ( الشطحات ) كانت تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور فيما لو انتهت المهلة المحددة دون تنفيذ المطالب .

أوقفوا الشطحات وارحموا عقولنا .. يرحمكم الله !!!


[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]