بالصميل .. قبيلوا الجنوب ( بقلم : أمين اليافعي )

[aden]

بالصميل .. قبيلوا الجنوب ( بقلم : أمين اليافعي )



القاهرة / لندن " عدن برس " : 16/2/2007
ليست القبيلة و"الصميل" هي الأدوات الوحيدة غير الشرعية التي تستخدمها حكومتنا الفاشية لضمان بقائها الأبدي في السلطة. فهي ـ أقصد الحكومة ـ لم تتوان عن استخدام أي وسيلة أو ورقة مهما كان درجة خطورتها أو مدى معوقاتها في وجه تحديث اليمن الذي كان الهدف الأساسي من وراء قيام الثورات، والذي لم يتحقق إلى الآن!

استخدمت الورقة الدينية والقبلية والأمنية والطائفية ضد من يقف في طريق هدفها ـ حتى لو كان من أحب حبايب الأمس، استخدمتها ضد الناصريين والاشتراكيين والإصلاحيين وضد من له ثقل جماهيري حتى على مستوى عقداء الجيش وشخصيات مستقلة متى ما رأت فيهم الخطر الذي يهدد بقاء سلطتها. وكانت
النتيجة سلسلة طويلة من التصفيات والفتن الداخلية إلى حد الاحتراب كما حدث في صيف 1994 المشئوم، والأحداث الجارية حالياً في صعده.
أما مشكلة الجنوب التي كان يرى فيها النظام تهديداً لسلطته وهي موضوعنا لهذا المقال فهي ما كان قد تحقق له من مدنيّة خلال حقبة ما قبل الوحدة.
صحيح أن هناك بعض الاصطفاف المناطقي ظهر أثناء الحرب الأهلية الدامية بين أقطاب الحزب الاشتراكي وما بعدها خصوصاً في مناطق ريفية بسيطة كانت حديثة عهد بالمدنيّة. لكن على المستوى الاجتماعي كان الأمر مختلفاً تماماً، ساد النظام والقانون على الكل دون تمييز للنوع أو الجنس أو الطائفة، اختفاء مظاهر حمل السلاح نهائياً، تكافئ الجميع في فرص التعليم الداخلي أو المنح الخارجية، وفي فرص العمل والترقية بناء على المؤهلات، وفي كل الحقوق والواجبات. وحتى الاصطفاف المناطقي الذي ظهر أثناء الحرب لم يكن على أساس تقديم الولاء للمنطقة/القبيلة على حساب الولاء للوطن كما هو جاري حالياً في الجمهورية اليمنية.
وفي سعيها للظهور بشكلٍ حضاري لائق أمام العالم، سنُت القوانين التي تمنع دخول القات إلى مراكز المحافظات عدا يوم الخميس تمهيداً لاقتلاعه، وحتى لا تتحول هذه المراكز إلى "زاريب" ( أقصد أسواق قات ).
بعد الانتصار في صيف 1994 سعى النظام إلى تدمير كل ما له صلة بمظاهر المدنيّة في الجنوب. دمّر كل المنشآت والاتحادات والنقابات والجمعيات سواء بالتدمير المباشر عن طريق قواته لمقراتها، أو التدمير البطيء عن طريق المضايقات ومنع الدعم عنها. ونادى بعودة النظام القبلي من جديد بعد أن
كان قد اجتث نهائياً من الجنوب منذ ما يقارب الثلاثين عام(وأكثر من 150 عام بالنسبة لعدن) عن طريق فتح مكاتبه لمنح الأختام، وصرف رواتب شهرية للمشايخ إضافة إلى رواتب لمرافقيهم. وحتى يؤكد للناس شرعيتهم ويعيد لهم مركزهم الاجتماعي، رحب بهم في كل مرافقه، ومنع أي تعامل لا يتم عن طريقهم، وقدمهم في كل المناسبات والمشاريع والترقيات حتى على مستوى الأشياء الاعتبارية البسيطة كمجالس الآباء، كما سن القوانين التي تعتبر أي معاملة ولو بسيطة لا تحمل ختم شيخ ما فهي باطلة. وأتاح لهم فرصة كبيرة في ظل ضعف وهشاشة النظام والقانون ليقوموا بمهامهم السابقة في تطبيق الأحكام العرفية بمساندة
وتشجيع منه. فتعود مفاهيم "عقر الثور بباب الدار" و"وجه الشيخ وعمامته" لتكون القوانين الرئيسية والفعلية في الحياة اليومية مُفضليها على "مرمطة" المحاكم وسوء المعاملات الإدارية والرشاوى الباهظة التي قد تكلفك أبسط قضية خمس أو ست سنوات جرياً وراءها، وتخسرك كل ما تملك، وفي الأخير لن تحصل على حكم! وهو ما يستطيع شيخ بسيط أن يفضها في ساعات أو أقل!لذا، فلا غرابة لو عادت الثارات والنعرات في بعض مناطق الجنوب طالما وقد أصبحت الوسيلة الوحيدة للحصول على الحقوق!!.
بينما سرح كل الكوادر الأكاديمية والعسكرية من وظائفهم عن طريق التقاعد المبكر، ليرمي بهم جياعاً في الشوارع، ومن بقي منهم فكان نصيبه التهميش والازدراء.
أما المناطق التي كانت قد حققت مدنيّة متقدمة ومن الصعب عودتها للنظام القبلي كعدن، فقد جلبوا لها ناساً من أدغال الفكر القبلي ليتولوا أمرها. فنهبوا كل ما فيها، وافسدوا كل مظاهر فتنتها وجمالها، وحولوها إلى
إقطاعيات لهم، حتى المقابر لم تنجوا من ذلك كما يحدث مؤخراً مع "مقبرة الشهداء"! ولأنهم لا يدركون ما هي المدنيّة، وكيف التعامل معها؟ اعتقدوا أنها عبارة عن مراقص وكبريهات فقط، فسارعوا إلى فتحها حتى وصلت في عام 2005 إلى 180 مرقص وكبريه بدل المرقص الوحيد الذي كان يوجد أيام دولة الكفر ( دولة
الكفر على حد تعبير وزير العدل السابق عبد الوهاب الديلمي في فتوى أصدرها فور نشوب حرب 94)، وكان لا يذهب إليه إلا الأجانب. لكن في الحقيقة لا يجب أن ننكر ميزة هذه المراقص عن مرقص دولة ما قبل الوحدة، فعبارة "هذا من فضل ربي" التي تثلج الصدر عندما تقرأها على بواباتها تشير إلى طريقة الدولة
المسلمة اليمنية في إنشاء المراقص على حسب شريعتها الإسلامية الحنيفة!!!!
هذا ما يحدث في ظل دولة الوحدة، ولا اعتقد أن كل الأحداث تتم دون التخطيط لها، فكل ما يجري على الساحة يشير إلى أصابع خبيثة تلعب بالوطن، كما أن تصميم الرئيس كل سنة على لقاء قبائل مأرب ليُناقش معهم أوضاع اليمن تاركاً المؤسسات والهيئات الشرعية والكوادر الأكاديمية ذو دلالة واضحة لمدى جنوح
النظام إلى إبقاء اليمن متخلفاً جاهلاً. فليس من مصلحة النظام أن يتمدّن الإنسان اليمني ويعرف حقوقه التي تجعله مشاركاً حقيقياً في كل الأحداث، ولا بد ـ للحيلولة دون ذلك ـ من إتباع سياسة "ترويض القطيع" كما نظّر له المفكر الأمريكي الشهير "ناعوم تشومسكي" ليضل الشعب جاهلاً متخلفاً بعيداًعن كل أحداث وطنه وقضاياه.
وما حدث في الانتخابات الأخير خير دليل، فلا يمكن لشعب قد وصل إلى أعنف مراحل الفقر والمرض والجهل والاحتقار، بُيعت أراضيه، و"تُوجِر" بوطنه، وأصبح مرض كشلل الأطفال الدماغي يصيب مليون طفل يمني، وصارت بناته وأولاده متعه لجيرانه، ومع ذلك يذهب الناس ليعطوا أصوتهم له!!
وفي الأخير، أكثر ما أخشاه في المرحلة القادمة على المناطق الجنوبية أن يتم التحضير لعقاب جماعي فاشي ضدها بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة في بعض المحافظات في ظل هذا النظام الذي لا يتورع عن ارتكاب أبشع الأساليب وأوسخها ضد شعبه.




كاتب وأديب يمني مقيم في القاهرة
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]