عفواً عميد ناصر ... لسنا أغناماً ... والعقد شريعة المتعاقدين

[شعيفان]

قبل بضعة أيام نشرت جريدة الصباح اليمنية لقاءً صحفياً مع العميد ناصر علي النوبة رئيس مجلس التنسيق الأعلى للمتقاعدين تناولت فيه الحراك الجنوبي الذي تشهده محافظات الجنوب بعد سلسلة الاعتصامات المفتوحة التي ابتدأت في مارس 2007 وسبقتها سلسلة اللقاءات الجنوبية التي نظمتها لجان التصالح والتسامح الجنوبية وأرست من خلالها القاعدة المتينة التي أوجدت الأرضية الصلبة التي استطاعت أن تقف عليها جمعيات المتقاعدين في اعتصاماتها الجماهيرية الموسعة منذ السابع من يوليو 2007

اللقاء الصحفي الذي نشرته جريدة الصباح تحدث فيه العميد ناصر عن الحل للقضية الجنوبية بقوله "سنمشي مع السلطة إلى الشكل الذي تريده, تريد استعادة اتفاقيات الوحدة لم يكن لدينا مانع, تريد استفتاء فنحن لا نمانع أيضاً, تريد نوعاً من أنواع الوحدة.. كونفدرالية, فيدرالية كل ما تريده نحن لم نمانع" ومتسائلاً قبل ذلك "ماذا يريدون الأخوة.. إذا كانوا يريدون أن نرجع إلى الاتفاقيات الوحدوية فنحن ليس لدينا أي مانع.. وإذا ما أرادوا الرجوع إلى الاستفتاء ليس لدينا أي مانع أيضاً فلنرجع إلى استفتاء شعب الجنوب إلى عام 1990م.. مستعدون نرجع إلى اتفاقية 30 نوفمبر 1989م والذي يرضيهم يرضينا.." وفي هذا الكلام من العميد ناصر تجاوز غريب لكل البيانات الصريحة الصادرة عن اللقاءات والمهرجانات الجنوبية السابقة وآخرها مهرجان الاستقلال في التاسع والعشرين من نوفمبر والذي أكد صراحة على مطلب استعادة الدولة الجنوبية وهو ذات البيان الذي تسائلت جريدة الصباح عنه كونه يحصر حل القضية الجنوبية في العودة إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو وليس فيما سوى ذلك ...

كنا نعتقد أن مثل هذه التصريحات التي أصبح العميد ناصر النوبة يطلقها مؤخراً بعد خروجه من المعتقل هي مجرد ممارسة لما يعرف في العرف السياسي الدبلوماسي بـ " فن الممكن " وبالرغم مما في هذه التصريحات من تجاوز لكل القوى الجنوبية الموجودة على الساحة والتي ترفض هذه الطريقة في توصيف الحل وبالرغم من القاعدة الجماهيرية التي فوضت العميد ناصر للخطاب باسمها لمطالبة الطرف الثاني بترك الأمر للجماهير لتقرر مصيرها بنفسها إلا أن الإصرار على تكرار هذه التصريحات يجعلنا كجنوبيين نطالب بتوضيح حولها والامتناع عنها مستقبلاً , وفي هذا كفاية فلن نطلب الاعتذار عنها مع أن الاعتذار من شيم الكبار , ومسألة ممارسة فن الممكن كانت هي السبب الوحيد الذي يوقفنا أمام مثل هكذا تصريحات غير مسؤولة من شخص مسؤول .. والمقامات محفوظة ...

هذه التصريحات كررها العميد ناصر صراحة في اللقاء المباشر الذي أجرته معه إدارة غرفة "صوت الجنوب " في البالتوك وهو اللقاء الذي انتهزه النوبة ليعيد تأكيده على ( قدرته ) على ( إقناع ) الجنوبيين بأي حل تقبل به صنعاء سواء كان فيدرالية أو كونفدرالية أو وحدة اندماجية وفق وثيقة العهد والاتفاق أو أي حلول أخرى ترضى بها صنعاء وتلتزم بها .... وكأن صنعاء هي التي تخرج عن بكرة أبيها لتفرض هي بعدها حلاً لقضيتنا ولسنا نحن من يحمل القضية التي يجب بسببها أن تأتي إلينا صنعاء راكعة ذليلة تتوسل منا الحل ونضع شروطنا عليها فتقبلها خانعة منكسرة ..

خنوع صنعاء وانكسارها هو ما ستفرضه الجماهير الجنوبية الحاشدة التي خرجت وتخرج بعشرات ومئات الآلاف لتطالب بوطنها المغتصب وأرضها المستباحة ودمائها المهدرة وهي ذات الجماهير التي أخرجت النوبة من معتقله وهي ذات الجماهير التي أجبرت صنعاء على معاملة النوبة في معتقله ومشفاه بدرجة وزير باعتراف النوبة نفسه ...

إن العميد ناصر علي النوبة الذي نحبه ونكن له كل التقدير والاحترام على ما قام به حتى الأول من سبتمبر قد أخطأ التوصيف والحساب أيضاً إن كان يعتقد أنه قادر فعلاً على أن يذهب بنا كالأغنام إلى حيث يريد ويذهب هو بعد ذلك إلى حيث تريد صنعاء وفق الحل الذي يرضيها وليس الحل الذي يرضي الجماهير الجنوبية التي وكلت النوبة ليتخاطب مع صنعاء في إرجاع القرار إلى تلك الجماهير وفق ما يعرف بتقرير المصير .. وهذا التوكيل الذي قدمته جماهير الجنوب للنوبة ليس توكيلاً عاماً يوقع من خلاله عميدنا ناصر على ما يريد وتريد صنعاء بل هو توكيل مشروط يجعل من النوبة ناطقاً رسمياً للجماهير ومطالبها وليس تفويضاً للبحث عن الحل الذي أوجدته الجماهير سلفاً بالمطالبة بترك الأمر إليها ورفض أي وصاية عليها من أي جهة كانت داخلية أو خارجية بما في ذلك مجلس تنسيق المتقاعدين الذي لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه لولا التفاف هذه الجماهير من حوله وتفويض رئيسه لتبني مبدأ تقرير المصير وهو الالتفاف الجماهيري الذي لم يكن لولا لقاءات التصالح والتسامح التي أقامتها اللجان التي تحمل نفس الاسم قبل أن تبدأ اعتصامات المتقاعدين بعام وهي اللقاءات التي استمرت طيلة فترة الاعتصامات المفتوحة وأوجدت القاعدة الجماهيرية العريضة التي يستند إليها مجلس التنسيق الأعلى حالياً ويسعى البعض من أخوتنا وأبناء جلدتنا حالياً لإقصائها وإلغائها بدعوى أن الحراك الشعبي قد تجاوزها وكأن هذا الحراك لم يتجاوز جمعيات المتقاعدين باعتصاماتها الصغيرة التي ابتدأتها في مارس 2007 ببضعة أنفار حصروا مطالبهم في الحصول على مستحقاتهم وصرفياتهم الشهرية .. وبحضور يملأه الخجل من البعض بتوصيف العميد ناصر علي النوبة نفسه ... وهي المطالب التي لم تكن لترتفع لولا دخول فئات ومجاميع جنوبية في هذا الحراك كان لها مطالبها السياسية التي رفعت سقف مطالب جمعيات المتقاعدين إلى أعلى مستوى في مطالب هذه الفئات ... وأيضاً باعتراف النوبة ...

إن المعادلة التي جمعتنا بقائدنا البطل ناصر علي النوبة هي معادلة التابع والمتبوع , والمواقع في هذه المعادلة ليست بالصيغة التي اختلطت فيما يبدو على العميد ناصر بعد خروجه من المعتقل , فمقدرته - بحسب كلامه - على إقناع الجنوبيين بالحل الذي يرضي صنعاء يجعل الجماهير الجنوبية في وضع ( التابع ) ويجعل العميد النوبة في وضع ( المتبوع ) في حين أن صيغة المعادلة الحقيقية هي الصورة المعاكسة للصيغة السابقة فالعميد ناصر علي النوبة هو في حقيقة الأمر ( تابع ) لمطالب الجماهير الذين يأتون في وضع ( المتبوع ) الذي يفرض على ( التابع ) أن يردد مطالب ( المتبوع ) بعد أن يجعل منه رمزاً له وأشبه ما يكون في وضع الناطق والمتحدث الرسمي ...

نتمنى من العميد ناصر علي النوبة أن يعود إلى سابق العهد المبرم بين الطرفين بدون وصاية وبدون إقصاء لجهة أو تفرد في القرارات التي يجب أن تؤخذ على طاولة مستديرة تجمع كل الأطياف الجنوبية وبدون الحديث عن حلول لن نقبلها مطلقاً ولسنا الآن ملزمين حتى بترديدها أو الإشارة إليها أو الترويج لها بمناسبة ومن دون مناسبة , أما الإصرار على الاعتقاد بالقدرة على إقناع الجنوبيين بما ترضى به صنعاء فهو قفز صريح من فوق حقائق المعادلة السابقة التي صاغت عقداً بين الطرفين المتعاقدين جعلت فيه من قيادة النوبة وتزعمه للحراك الجنوبي ( مشروطاً ) بتمسكه بمطالب الجماهير وهو ( الشرط ) الذي يجعل النوبة باقياً على سدة زعامة التمثيل الجنوبي القادم .. وانتفاء ( الشرط ) يستلزم انتفاء ( المشروط ) ... والله من وراء القصد ...