وحدة مكافحة التكنولوجيا- جمال محمد الجعبي

[صوت الجنوب]

وحدة مكافحة التكنولوجيا- جمال محمد الجعبي

22/01/2006 نيوزيمن - خاص:


لم أكن اعتقد أن الدور سيصل عندي سريعاً هذه المرة، رغم أن الرقابة التلفونية قد كانت واضحة وفجة، ولم اكن أتوقع أن الرسالة ستكون ساذجة وسخيفة لهذه الدرجة، فمساء ليلة الأحد قبيل العيد يسرق تلفوني السيار ومن غرفة النوم، و اللافت أن اللص –طلال- يكف يده عن مبلغ عشرة ألف ريال وساعة اليد بجانب التلفون.
حسناً سأتراجع عن هذا الكلام حتى لا تسارع احدى صحف السلطة بالقول أن هذه حكاية ملفقة وان الهدف منها البحث عن الشهرة واتهام الأجهزة- السرية إياها- المكلفة بالحماية بممارسة أدوار أخرى.
لا لم يحدث شيء ولم يسرق تلفوني السيار ولا توجد رسالة صريحة بعد التلميحات التي وصلت بطرق مختلفة بالتوقف عن الكتابة المعارضة، ولا توجد وحدة لمكافحة التكنولوجيا تقوم بتوصيل هذا النوع من الرسائل.
ولكن طالما الحديث عن وحدة مكافحة التكنولوجيا، لماذا لا نتحدث عن آخر تقليعة شهدها الوسط الصحفي وهي التسجيلات التلفونية لمكالمات يتم مراقبتها وتسجيلها دون علم أو إرادة أصحابها ويجري إرسالها لزملاء آخرين أو لوسائل الأعلام التي يعمل بها هذا الصحفي أو ذاك.
ووسيلة كهذه لا تحتاج إلى متخصص في القانون لإدراك أنها تخالف الدستور والقانون، ولا إلى متخصص في وسائل الاتصال لإدراك أنها تكنولوجيا لا يملكها أفراد.
لكنها تدل على مدى الإفلاس الذي بلغته السلطة، والضيق الذي وصلت إليه بسبب عدم قدرتها على أحكام قبضتها على أقلام أو ضمائر الصحفيين الحرة، رغم استخدامها لوسائل كثيرة في سبيل ذلك بدءً من محاولة تفريغ العمل النقابي من مضمونه، ومحاربة الصحفيين في لقمة عيشهم واحتكار بعض وكالات الأنباء والمراسلين الصحفيين من المطيعين والمحسوبين عليها، مرورا بوسائل اكثر خشونة كالسجن وإغلاق الصحف (كأنها أوكار دعارة) والأحكام القاسية، والاعتداء الجسماني والاتهامات القذرة كتلك الملفقة للكاتب عبدالرحيم محسن، وفي أحوال أخرى التعرض بالأذى كالذي واجهه الصحفي الخلوق حافظ البكاري وزوجته رحمة حجيرة من صحيفة، وأخيراً إخراج حافظ البكاري من عكاظ، ثم ما تعرض له نبيل سبيع من ضرب ومحاولة قتل وتالياً تسجيل مكالمة تلفونية مع احدى الصحفييات الأجنبيات وارسالها إلى بعض الصحفيين.
والثابت أن هذه المحاولات صارت بالية وتحقق نتائج عكسية في الغالب، وكما قالت الصحفية رشيدة القيلي أن هذه السلطة لا تتورع عن استخدام ديون البقالات ضد الصحفيين وبالفعل جرى شيء مقارب لذلك مع الصحفي والناشط الحقوقي محمد صادق العديني الذي لم يتنازل قيادي كبير في الأمن بالتحقيق في شكوى العديني له بأن أحدهم يهدده, مدعياً انه في الأمن السياسي حتى وقع الاعتداء بالفعل وكان الأجدر بهذا المسئول أن يسأل عن المعتدي إذا كان فعلا موظفاً في الجهاز فيوقفه عند حدة وإذا كان منتحلاً للصفة فيتم مساءلته جنائياً، لكن الأمر لم يجري على هذا النحو ولم يتحرك جهازنا المبجل إلا بعد بيان لجنة حماية الصحفيين في نيويورك.
إن صحفي أو كاتب يمارس مهنته بأمانة أذكى من أن يرتكب خطأ يمكن أن يحسب عليه وهو يدرك أن الرقابة تطال كل شيء-حتى غرف النوم- وأما من يرتكب خطأ فإنه لا يستحق أن يقف أحد معه ويستنكر ما يتعرض له.
ولعل ماجرى أخيراً مع مراسل قناة الجزيرة الصحفي الملتزم والمحترف احمد الشلفي يؤكد أن هناك من لايتورع عن إستخدام الأقذر والابشع.
مع لفت الإنتباه أن هذا لاكيون إلا طرفا يعيش رعب وهستيريا من الكلمة الشجاعة الصادقة.
ورغم انه لا يوجد في سيرة الشلفي ما يدعو للخجل فإن السعي إلى هذا الأسلوب الرخيص الذي لم ينطلي على قناة محترمة كالجزيرة علماً بأن مضمون ما تم تسجيله وجرى إرساله بالبريد الإلكتروني لا يمثل سر يمكن أن يكون سبب للابتزاز أو التشهير بقائله خاصة إذا كان الحوار بين رجل وزوجته، وبالمثل التسجيلات الأخرى التي رصدت لبعض الصحفيين.
ودون شك أن الهدف الذي يسعى إليه من فكر وخطط ونفذ لهذه العمليات المضادة للتكنولوجيا، واضح وهو قطع الرزق أولا بالنسبة للصحفيين، ثم تدجين الأقلام والأصوات الشجاعة والمهنية, لكن بالتأكيد فإن نتائج العمليات السابقة تؤكد فشل ما يهدفون اليه، ويزداد من يتعرض لهذا النوع من العمليات إصرار على موقفه ويصير أكثر يقيناً من انه يسير في الطريق الصحيح، ومع كل ذلك فالأمر يحتاج لوقفه حازمة من الصحفيين تجاه هذا النوع من العمليات الممولة من جيوب أبناء هذا الوطن المنهوب والمنكوب بسلطته.
وبالنسبة لي شخصياً فإن سرقة تلفوني السيار يجعلني اكثر طمأنينة من أنني أسير بشكل سليم ولا يوجد لدي ما أخشى منه من سلوك مشين أو غير ذلك مما يمكن أن يستخدم لتشويه السمعة، فكان هذا الأسلوب هو السبيل الوحيد، فشكراً وهنيئاً لكم التلفون.