الجنوب الحضرمي الهوية الثابتة

[أبو محمد]

الجنوب الحضرمي الهوية الثابتة.. من القوميين والاشتراكيين والإسلام السياسي


حضرموت / عنا / 7 يونيو حزيران 2010




كتب/ أحمد سالم بلفقيه:

لقد كنا حضارم منذ الأزل ولازلنا، ومنذ عهد التوثيق، ومنذ أكثر من ألف سنة مضت، تعرف بلدنا بحضرموت وببلاد الأحقاف (جمع حقف) والحقف هي الصحراء، وهو موجود في كثير من المصادر لسنا بصددها لمن أراد المعرفة، وفي مداخلتنا هذه سنحاول الدخول من العام للخاص لإثبات الهوية الحضرمية للجنوب الحضرمي.

1-حضرموت إبان العهد الاستعماري، وما قبل الاستعمار كانت مكونة في بعض عهودها من عدة سلاطين وسلطنات، وكذا من عدة شيوخ ومشيخات، حتى كانت في العهد الذي سبق الثورة في العام 1963م مكونة من المحميات والتي فاقت في عددها أكثر من 23 مشيخة وسلطنة، وهي إجمالي ما يحويه الجنوب العربي ككيان سياسي سبق الاستقلال والثورة.

2-إن حضرموت الصغرى، وادي عبدالله بن راشد، التي حدوده المعهودة من شعب نبي الله هود حتى العقاد قريب القطن المدينة التابعة حاليا لمديرية القطن، وقد حكم هذا الوادي كل من سلطنة الكثيري وسلطنة القعيطي وعدة مشيخات خاضعة لسلطة المقادمة (المقدم شيخ القبيلة بالمصطلح الحضرمي) ومنهم التميمي والمنهالي والعامري، كما تتداخل الحدود فيما بينها فقد تكون في منطقة تتخللها مناطق مغلقة لسلطنة أخرى، ولكن الولاء للانتماء القبلي والمناطقي، وللعهود والمواثيق المكتتبة، والجميع يطلق عليهم حضارم، وقد سبق وأن حكمت تريم (حاضرة الصحراء والوادي ومدينة حضرموت) على سبيل المثال من قبل ثلاثة حكام في فترة واحدة هم السلطان بن عبدالقادر و بن همام وبن غرامة وأصولهم من يافع، قبل العهد القعيطي وولادة سلطنته بحضرموت، فقد قبلت حضرموت يافع ولم ترفضها فثقافة يافع حضرمية، وهي حمير التماس والصدام والصراع الحضاري بمناطقها، وقد نطقت وتكلمت حضرموت المهرية في بعض نواحيها ومنها الشحر وبئر علي قديماً والعربية، ولكن تم للعربية الغلبة في مناطقها ماعدا محافظة المهرة إلى الوقت الحاضر.

3-أن حضرموت المحافظة الحالية، المحافظة الخامسة سابقاً، تختلف عن حضرموت المحميات الشرقية من حيث الحدود، ولكن الكل يجمع بأن حضرموت المحميات الشرقية ينتمون لهوية واحدة، ومنهاج ومذهب ديني وعادات وتقاليد واحدة، وبالتالي ثقافة واحدة، ويجمع الجميع دون خلاف بانتمائهم الحضرمي بالرغم من تعدد الولاءات لعدد ليس بالقليل من السلاطين والمشيخات، والتي قد تكثر من حيث العدد ويقل العدد في وقت آخر، كما أن الهوية الوطنية تتجلى في شموليتها ليس من خلال العرق والدم بل من خلال الانتماء للهوية، وللثقافة بمعناها الشمولي، ومن ثم الولاء (نقطة نظام،وفاصل) إن الحبوة والصباعية (المقطب) هي جزء من ثقافتنا الحضرمية الجنوبية، والقوقرة أم البلاستيك الربل أزارهم فقد لبسوه قريباَ، وجنبيهم المشهورة ليست لنا وكذلك برعهم ورقصتهم.

4-إن من يقول بعدم انتماء أحور عاصمة سلطنة العوالق العليا إلى منهاج وثقافة حضرموت فقد جاء شيء نكرا وشبوة الأرض متداخلة ومتشابكة المصالح وتوحد تاريخها والمصير ثابت مع حضرموت، وشبوة هي عاصمة حضرموت التاريخية، المدينة المندثرة في جوف الصحراء الأثرية، القريبة من منطقة العبر بلاد الصيعر، والمعروفة بملحها الصخري والتي يقطنها قبائل الكرب والمقدمة فيهم لآل بريك، ولم ينكر أحد يوماً من العوالق وسلاطينها العليا والسفلى انتمائهم لهوية حضرموت، ومسئولية حضرموت المنهجية والدينية والعلمية والتعليمية وبالتالي الثقافية بمعناها الشمولي، تجاه أحدى ضواحيها من خلال المساجد والزوايا العلمية وأربطتها سواء رباط الشقاع بالمحفد أو رباط أحور العاصمة والزائر يعلم من خلال الشكل العام للمدينة بأنه في ضاحية من ضواحي حضرموت، كما أن قبائل الباكازم الغالبية المكونة لهذه السلطنة هي حمير، وحمير هي من المكونات القبلية الأساسية لحضرموت، وأن العوالق سابقاً وفي العهد القعيطي هم من يضمنوا الأشقاء اليمنيين حتى خروجهم من حضرموت والمكلا خاصة إبان السلطنة القعيطية والشيوخ من كبار العمر يذكرون ذلك.

5-أن منطقة دثينة والعواذل وأبين العليا والسفلى، هي مسئولية تعليمية حضرمية ومنهاج حضرموت السائد، فآل هدار وآل مكنون وآل السقاف وآل باحسن جزء من التاريخ الثقافي النخبوي الحضرمي لتلك المناطق، وكذا (منطقة البيضاء) إمارة الرصاص سابقاً فقد تعرضت لمؤامرة كبيرة وهي من مناطق التماس والصدام الثقافي الحضرمي.

إن كل هذه المناطق مسئولية حضرموت التاريخية من حيث المنهاج المدرسي العلمي والمذهبي الديني وبالتالي ثقافتها ثقافة حضرمية صرفة ولم تكن يوماً على وئام مع ساكني الجبال اليمنية الطامحون في الفضاء الجنوبي عبر التاريخ، فأربطة حضرموت التعليمة منتشرة سواء من خلال السادة العلويين والمشايخ الذين حملوا الهم الرسولي والرسالي لسكان وقبائل تلك المناطق، فرباط باهرمز بلودر ورباط عنتر حوطة السلف بيافع (الحوطة تسمية حضرمية لازالت تستخدم وتستعمل في كل المحافظات الجنوبية فقط) كما أن ردفان والضالع هي ليافع وقد كان للحضارم الحضور من خلال سادتها ومشايخها ومعلميها الحضارم القدماء في الحضور والتواجد مثل آل سفيان وآل الزبيدي وآل بابلغيث وآل باعباد (العبادي) وآل العمودي وآل الجفري والسقاف وشيخهم العالم والعارف حسين بن الشيخ أبوبكر بن سالم صاحب عنتر ورباطها والفقيه العالم باجديد أبين وغيرهم من أعلام وأسر قديمة، فهم مكونات أساسية وأرقام ثابتة في تلك المناطق ولهم تأثير نخبوي فعال، كما كانت البعثات المرسلة من والي حضرموت، والجميع يتذكر ذلك ولازال العلم يؤخذ من حضرموت الماضي والحاضر.

6-إن لحج وعدن حضرميتها خير شاهد على مناطق ومدنها الحضرمية كالوهط وثعلبة والحمراء، فالسابقون من كبار العمر يقولون أن لحج لا تصلح إلا حين تصلح الوهط والوهط صلاحها بسادتها، وانكسار الوهط انكسار الغرب الحضرمي، والوهط القلب العلمي النابض للغرب الحضرمي بما فيها عدن ولحج والصبيحة، وعدن الجنوب مفتاح الجنوب الحضرمي، فشعب العيدروس المعهد العلمي ورباطها لازال عمره الممتد من التاريخ الذي يفوق الخمسمائة عاماً خير شاهد، وعلوي السمين (خرد) المسجد القديم والزاوية العلمية بجانب العيدروس كذلك الهاشمي وساحته المشهورة بساحة النضال كما إن الشيخ عثمان نفسه أحد أحفاد العيدروس إمام عدن، كذلك أوقاف الهدار بعدن الشهيرة بالمملاح هي لأحفاد الفقيه حسين بن الشيخ أبوبكر فقيه يافع، ويافع الطرف الحضرمي والتماس وحصن حضرموت عبر التاريخ فهي من ساندت حضرموت توحيدها في زمن بدربوطويرق، صهر الشيخ أبوبكر الأب لحسين الشيخ، شيخ يافع وعنتر وعاصمة يافع عينات تريم، وغيرهم من الأعلام المرتبطون بحضرموت التاريخ والحاضر.

7-أن المحميات الغربية كانت ولازالت تتحمل العبء الأكبر بالنيابة عن الشرق الحضرمي في الصراع الثقافي والحضاري مع الشمال اليمني، فتلك مناطق التماس مع اليمنيين الطامعين، فقد كانت الهوية الحضرمية ذات الثقافة العريقة والمتأصلة خير مدافع وملهم للانتصار، ومن ثم لجم الأطماع لليمنيين والثقافة اليمنية، فاليمن بها من المذاهب والمدارس الدينية الكثير مثل الزيدية وهي متعددة كالهادوية والجارودية بصعدة وغيرها وكذا الإسماعيلية والكثير من الطرق الصوفية السنية كالشاذلية والأحمدية والبنعلوانية، وقد اندثر منها الكثير في السنوات القليلة الماضية ولازال بعضها في مناطق اليمن الأسفل حتى يومنا هذا (اليمن الأسفل مصطلح يمني يطلق على المناطق الجنوبية من اليمن وعدن ولحج ليست ضمنها) فلم تؤثر تلك المدارس من قريب أو بعيد في ثقافة جنوبنا الحضرمي الصامد، ولو كنا فرعاً أو امتداداً لهم لكنا نسخة وصورة من الأصل، بل نحن من باب المندب حتى عمان وحدة منهجية وثقافية، وهي القوة الملهمة في صراعنا الماضي والحاضر ضد اليمن ويمننته، إن هذا صراع على الهوية الجنوبية الحضرمية ومنها وإليها مصدر قوتنا وإلهامنا في الماضي والحاضر وهي المنصورة في الخارج فكيف في الداخل وهو القلب والجسد.

8-أن وحدوية الثقافة الجنوبية الحضرمية ليست وليدة مصطلح الجنوب العربي الحديث النشء، بل موغل في القدم، قدم حمير وحضرموت وبدر بوطويرق، والمنهاج الجنوبي الحضرمي العالمي، فالهوية الحضرمية هي السائدة وقد قاوم المغرب الحضرمي اليمننة بل قد حقق اختراقاً في الجدار اليمني لخلق جدار عازل لليمننة وثقافتها اليمنية.

9-أن الضعف والأنكسار الذي حدث لثقافة حضرموت وهويتها قد بدأ إبان الصراع مع المحتل البريطاني وخلال المد القومي والمد الشيوعي الأممي، فقد كان الحضارم المثقفون في ذلك الوقت قد تجاوزوا تلك الهوية الحضرمية إلى القومية والأممية، وهو ما جرى حوله الحديث مع عبدالناصر زعيم العرب حين سأل عبدالناصر الوفد الجنوبي حول تسمية اليمن الجنوبي وموقف حضرموت، وبها ومنها صار النكسة، ولكن لا انكسار للشعوب وثقافاتها الحية والسائدة.

10-بعد فشل الفكر القومي والأممي تحمل بعض المنتمين للفكر الإسلامي السياسي الإرث من القوميين والأمميين وتبنوا الفكر الأممي الإسلامي متجاوزين القاعدة الخطأ لبنائهم الخاطيء، فقد أقحموا أنفسهم في خطأ تاريخي، محملين الجنوب الحضرمي نتائج وخيمة لجهلهم بالواقع النظري والتطبيقي الديني، فاليمن ليست بالدولة الحمدانية أو الأيوبية ولا تمثل صيغ من صيغ الماضي المشرق، بل حاضر صيغته الإخفاق والفشل مهددين بالانهيار في أي لحظة، وأن القوة ليست في التوحد الاندماجي فالصيغ العالمية الناجحة من خلال المؤسسات الدولية والتجمعات الاقتصادية والتجارية وهي الناجحة في وقتنا الحالي والله الموفق والمعين.


*كاتب وناشط سياسي.