القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
#181
|
||||
|
||||
( أ ) المجهود الذي بذلته الجامعة العربية في سبيل المصالحة: تحت ضغوطات مجتمعة من جانب الجمهورية العربية المتحدة و العربية السعودية، عينت الجامعة العربية في سبتمبر 1967، لجنة خاصة مؤلفة من خمسة أعضاء مهمتها درس الوسائل لتحقيق الوحدة الوطنية في اليمن الجنوبي. و أخذت اللجنة الوطنية على عاتقها الاستماع لكل الأحزاب و الفئات بما في ذلك الأمراء المخلوعين، و العمل بغية تشكيل حكومة اتحاد وطني. و بالطبع كانت العناصر المعتدلة و التقليدية التي تحميها العربية السعودية و التي كانت تقدم لها الجامعة العربية آخر خط في البقاء، هي أول من سافر إلى القاهرة. و اتخذت ( جبهة تحرير جنوب اليمن ) موقفاً تصالحيا و وافقت على الاشتراك في محادثات اللجنة الخاصة. و أما الجبهة القومية للتحرير فقد رفضت بتاتاً توسط الجامعة العربية الذي اعتبرته، بحق، مؤامرة موجهة لحرمانها من النصر. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت مستعدة كحد أقصى لمقابلة زعماء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، و لهذا السبب لم تحقق أعمال اللجنة الخاصة أدنى تقدم . ومن جهة أخرى أدى فتح باب المحادثات بين جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل و بين الجبهة القومية للتحرير إلى وقف تلك الأعمال. ( ب ) أفول نجم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل: كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل قد بدأت تفقد سرعتها و تطورها منذ يونيو 1967؛ فضعف الجمهورية العربية المتحدة الناجم عن الحرب العربية الإسرائيلية و التقدم الهام الذي حققته الجبهة القومية للتحرير في داخل البلد، وجها لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ضربة قاسية، و عبثاً حاولت جبهة التحرير أن تستعيد توازنها لأن الأوان قد فات. في الحقيقة كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تبحث عن الاستيلاء على الدول الأميرية غير المتحررة بعد. فاصطدمت بالجبهة القومية للتحرير في إمارات الضالع و لحج و توصلت فقط إلى نشر نفوذها على بعض القبائل العوذلية . و في سلطنتي الو احدي و ألكثيري أعلنت العناصر التقليدية حتى تكون في مأمن من هجمات الجبهة القومية للتحرير، انتمائها إلى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل دون أن تكون مع ذلك من الأنصار المقتنعين بهذه الأخيرة. و حصلت الاصطدامات الخطيرة في عدن و بالأخص في القرى و الضواحي. سقطت عدن الصغرى في أيدي الجبهة القومية و المنصورة تحت إشراف جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بينما كان الشيخ عثمان عرضة لتقسيم حقيقي بين المنظمتين. سببت هذه الاصطدامات الحزن المبرح العام و استاءت منها كل قطاعات السكان بالإجماع. و شرع رجال الدينون و العسكريون بمساعي عديدة لدى الزعماء الوطنيين و الرئيس جمال عبد الناصر لوقف التصادم الأخوي القاتل. و في هذه الظروف المأساوية وافقت المنظمتان على إجراء محادثات فيما بينهما. 7 ـ محادثات القاهرة: بعد أن فشلت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ( جبهة التحرير ) في تصحيح الوضع لصالحها، توجب عليها أن تلين مواقفها السابقة. فقد انقطعت عن اعتبار نفسها الممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي و تخلت عن مشروعها الرامي إلى تشكيل حكومة في المنفى. و عدا عن ذلك، ظهرت موافقة على بعثة هيئة الأمم المتحدة و على اللجنة الخاصة الموفدة من قبل الجامعة العربية. باختصار، أعطت عدة دلائل على ضعفها. إلا انه ظل بيدها عدد لا ينكر من المقومات أهمها: جهازها العسكري و نفوذها في عدن و تأييد الجمهورية العربية المتحدة و العطف الدولي من جهة أخرى. و هكذا كانت أوضاع الجبهتين غير متعادلة عشية بدء المحادثات في القاهرة. كان ميزان القوى يميل بكل وضوح لصالح الجبهة القومية للتحرير. أن حالة الدونية هذه التي كانت فيها جبهة التحرير ستضغط بثقل على المحادثات. ( أ ) ـ بدء المباحثات. بدأت المباحثات في أول أكتوبر بحضور عبد القوي مكاوي و قحطان الشعبي الأول رئيس وفد جبهة التحرير و الثاني رئيس وفد الجبهة القومية. و كانت النقاط التي ينبغي على الموفدين مناقشتها تدور حول: ـ تشكيل حكومة مؤقتة، ـ وضع دستور مؤقت أيضاً، ـ و وضع برنامج عمل. منذ البداية، أحيطت المحادثات بتكتم شديد. و كان يظن أنها ستكون قصيرة جداً و حاسمة بسبب استمرار التوتر المحلي. و خاب أمل الجميع، لأنهم ظلوا يتباحثون طيلة أسبوعين تقريباً بدون أية نتيجة مجدية. و خلال ذلك الوقت استولت الجبهة القومية على حضرموت و هددت إمارتي العولقي و الو احدي اللتين كانتا قد أعلنتا، مع ذلك، ولاء هما لجبهة التحرير. غير أن الجبهة القومية قررت تحريرا هذه الدول لأنها كانت تعتبرها كآخر بؤر مقاومة لدى الإقطاعيين. و في هذا الجو المتوتر أذاع الضباط المنتمون إلى جبهة التحرير بياناً شهيراً في 20 أكتوبر يتهمون فيه السلطات البريطانية و بعض رفاقهم في الجيش بمعاونة الجبهة القومية لخنق مقاومة أنصار جبهة التحرير. و بهذا التغير المفاجئ حصل ما لا يمكن إصلاحه. فالجيش الذي تعرض بذلك لتناقضات السياسة انقسم إلى كتلتين متخاصمتين. و شبت حرب بيانات تتهم الجبهة القومية و جبهة التحرير بعضيهما البعض بهجوميات و استثارت مقصودة، بينما كان زعماء الجبهتين في القاهرة يظهرون سكوتاً مدهشاً. و استمرت الوضعية الداخلية في التدهور. و كان من الضروري فرض قرار طارئ لتخفيف التوتر و للإجابة على المندوب السامي الذي يكاد إنذاره أن ينتهي. أعلنت لندن، لإخضاع الزعماء الوطنيين، أنها ستذيع بياناً هاماً جداً في 2 نوفمبر. و كانت ردة فعل الزعماء الوطنيين سريعة للغاية؛ فقد أعلنوا في 1 نوفمبر اتفاق أولي و لكنهم لم يعطوا أي توضيح بشأن محتواه. غير أن المحادثات دخلت في طورها الأخير؛ و قد استقبل الاتفاق في عدن بسرور عظيم. و في 2 نوفمبر أعلن وزير الخارجية في مجلس العموم أن حكومته قد قررت تقديم تاريخ استقلال اليمن الجنوبي هذا، إلى نهاية نوفمبر 1967 بدلاً من 9 يناير 1968. و أدى إعلان رحيل البريطانيين القريب إلى تصعيد التوتر من جديد. ( ب ) ـ تدهور الوضعية. في ليلة الثاني من نوفمبر عادت المنازعات بعنف في عدة أماكن من عدن و أدت إلى سقوط بضع عشرات من الضحايا. و هيمن الخوف و اليأس على العائلات في الشيخ عثمان، و بسرعة دب الهلع في باقي عدن حيث دارت معارك ضارية. و تدخل الجيش، دونما نجاح، للتوصل إلى توقف المعارك و أخيرا اضطر للأمر بوقف إطلاق النار على الفور و فرض منع التجول في المناطق المضطربة. و في 4 نوفمبر وجه زعماء الجبهة القومية و جبهة التحرير نداء مؤثراً من القاهرة إلى أنصارهم يدعونهم فيه إلى وقف الاقتتال. و بعد هدنة دامت بضع ساعات، عادت الصدامات إلى الظهور برعب، و كانت نتيجتها تسميم الجو أكثر مما كان عليه. و اتهمت الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار و طلبت من وفدها في القاهرة أن يوقف المباحثات و أن يعود إلى البلاد. على اثر هذه الأحداث الدامية، حمل الجيش جبهة التحرير مسؤولية الرجوع إلى المخاصمات. بناء على ذلك، قرر المندوب السامي في 6 نوفمبر الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي وحيد للشعب اليمني الجنوبي بينما كان يعتبر، قبل أسبوع فقط، الجبهة القومية و جبهة التحرير هما الممثلان للشعب. و في ذات الوقت طلب الجيش من الجبهة القومية و من الحكومة البريطانية أن تبدءا المحادثات في اقصر فترة. إن موقف الجيش قد حل الصراع بشكل نهائي لصالح الجبهة القومية و تسبب هكذا في إفشال مباحثات القاهرة التي أصبحت غير مجدية و متجاوزة. و بادرت جبهة التحرير إلى اتهام الجبهة القومية بالتآمر مع المملكة المتحدة و مع الجيش. خلف كل هذه الأحداث و الاصطدامات نجد بكل تأكيد الصراع من اجل السلطة في عدن و الرغبة في التباحث مع لندن بوضع قوي. و بالتالي، كان من الجلي أن المنظمتين كانتا تعتمدان قليلاً على مباحثات القاهرة و تعطيان أهمية رئيسية للاستيلاء على عدن. هيمنت الجبهة القومية على كل البلد تقريباً و وجدت أنه من غير الطبيعي أن تفلت عدن من نفوذها. و أما جبة التحرير فقد كانت عدن بالنسبة إليها ذات أهمية حياتية. فالإشراف على منطقة عدن كان أهم بكثير من السيطرة على مناطق البلد الداخلية. و هكذا كان الاستيلاء على عدن مسألة حياة أو موت بالنسبة لجبهة التحرير. و بعد عدة أيام من المعارك الطاحنة خسرت جبهة التحرير معركة عدن؛ و على الفور بدأت مطاردة أتباعها و منا ضليها . و تبع ذلك تطهير الجيش و الشرطة و الإدارة. 8 ـ سقوط النظام الاستعماري: إذن خرجت الجبهة القومية منتصرة من التصارع الدموي الذي دام من 1 إلى 6 نوفمبر؛ و بسقوط عدن صار البلد كله تقريباً تحت إشرافها؛ و سقط النظام الاستعماري كقلعة من الورق. إن وجود المندوب السامي و توقف الجيوش هما ظواهر السلطة الاستعمارية الوحيدة و الأخيرة. و أما الإدارة البريطانية فقد تلاشت بسرعة. بحثت الجبهة القومية، بسرعة، عن سد الفراغ و ذلك بحلولها محل السلطة الاتحادية في عدن و في داخل البلد. و لأول مرة في التاريخ الاستعماري تتخلى المملكة المتحدة عن القيام بمسؤولياتها. و في فلسطين بالذات كان ينبغي عليها أن تبقي سلطتها حتى يوم الرحيل النهائي. إن حلول سلطة الجبهة القومية مكان النظام الاستعماري تستحق أن يشار إليها بشدة. فلم تقبل السلطة الاستعمارية في أي مكان من العالم، بأن تقوم بتلاش و اختفاء مماثل قبل تسليم السلطة و إعلان الاستقلال. و مع ذلك هذا هو ما حدث في اليمن الجنوبي. و في هذه الظروف إذا كان للمباحثات بين الحكومة البريطانية من جهة و بين الجبهة القومية من جهة أخرى، المقررة في 20 نوفمبر في جنيف، لها معنى ما، فهو إناطة الدولة اليمنية الجنوبية بصلاحيات السيادة الخارجية و تحديدا مقدار المساعدة المالية البريطانية للدولة المستقلة الجديدة. و كل شيء يبدو مشيراً إلى أن البلد سيحصل في 30 نوفمبر على الاستقلال في الصفاء و الوحدة. مع ذلك، سيطرح الحصول على الاستقلال مشاكل بالغة التعقيد تستلزم وقتاً طويلاً لحلها. و لا يمكن لتغير و لو جزئي في ألبنا الموروثة من الماضي و لإنشاء بنى جديدة أن يتم دفعة واحدة نظراً لأن ظروف الانطلاق ستكون غير مواتية بصفة خاصة. حركة التحرر الوطني إن النضال المعادي للاستعمار، لم يأخذ شكله المنظم في اليمن الجنوبي إلا بعد الحرب العالمية الثانية. فقدا اشتعلت الحركة الوطنية بعد الحرب في أنحاء مختلفة ما تزال تحت السيطرة الاستعمارية. و هذه الفترة تقابل الفترة التي قامت فيها جامعة الدول العربية و ظهرت فيها ملامح اليقظة القومية في الوطن العربي ، وأصبحت فيها قوى المعسكر الاشتراكي في ازدياد . فعلى الصعيد المحلي، رافق نهضة عدن من الناحية الاقتصادية، اشتداد النشاط السياسي و الثقافي. و بدأت الأفكار الجديدة تغزو البلاد بسرعة كبيرة. و قد كان لهذه العوامل المختلفة أثر هائل على الوضع الاجتماعي و السياسي في اليمن الجنوبي و في اليمن. و قد كانت محاولة الانقلاب ضد الحكم المطلق الذي يتصدره الإمام يحيى في اليمن عام 1948 أول صدى لانعكاس الحوادث الخارجية على الوضع الداخلي في المنطقة. و على الرغم من فشل هذه المحاولة، فإنها اعتبرت أول مواجهة جدية بين الرجعية المسيطرة و بين النزعة القومية، و كان من نتائجها المباشرة تنبه الطليعة المثقفة في المستعمرة و شعورها بانتمائها إلى العائلة اليمنية الكبرى و إلى القومية العربية. و قد أكد هذا الشعور استقرار المحرض الأول على الانقلاب الفاشل ( حزب اليمن الحرة ) في عدن. و قد كانت السلطات البريطانية تأمل في أن تتخذ من هذه الحركة وسيلة لمحاربة الإمام الجديد و الضغط عليه. إلا أن هذه المنظمة خيبت أملها و لعبت على العكس دوراً رائداً في حركة تحرير اليمن الجنوبي، و ساهمت في تشكيل الخيرة الأولى للنزعة الوطنية المعادية للاستعمار. نشأة الحركة الوطنية: كانت ثورة الأمير ألكثيري المسلحة ابن عبدات (1) ضد السلطات المحلية و البريطانية أثناء الحرب العالمية إعلانا عن ولادة حركة وطنية في حضرموت. إلا انه على الرغم من كونه قد نجح في إثارة قسم من القبائل عام 1945، فقد أخذت حركته منذ البدء شكل تيار معزول و محدود النطاق. فقد كان للتكوين العشائري للمجتمع و لتخلف السكان أثرا هما في خنق آثار هذه الحركة و عدم شمول تأثيرها باقي أنحاء البلاد. يضاف إلى ذلك عدم وجود وسائل مواصلات و اتصال في ذلك الحين من شأنها أن تشجع انتشار الشعور الوطني بدلاً من العزلة و التقوقع و التجزئة. لذلك لم يحتاج الإنجليز في مثل هذه الشروط إلى بذل عناء كبير في سبيل خنق هذه الاندفاعات الوطنية في مهدها. و كان لا بد أن يأتي عام 1948 حتى تشتعل جذوة الوطنية من جديد في عدن هذه المرة. و الحقيقة أنه ما من شيء قبل ثورة اليمن، كان يدعو إلى التنبؤ بأن عدن سوف تصبح مركز الاندفاعات الوطنية. فمنذ تلك الحادثة الرئيسية التي هزت الجزيرة العربية، بدأت عدن تلعب دور قيادة الصراع المعادي للاستعمار و المعادي للإقطاع. و عندئذ ولدت حركة وطنية بكل ما في الكلمة من معنى في المنطقة. و استفادت من الانحسار الخجول للنظام الاستعماري بدءاً من عام 1947 و إنشاء المجلس التشريعي و سن القانون الذي اعترف بحرية التجمع و لعدة أسباب، منها سياسية و منها اقتصادية، انقسمت الحركة الوطنية منذ البدء إلى عدة اتجاهات تنتمي جميعها إلى القومية العربية. و قد لعب المثقفون دور المحرك الرئيسي للحركة الوطنية، و كانوا من وراء ذلك يهدفون إلى غايتين أساسيتين: 1 ـ تربية المواطنين العرب تربية سياسية و اجتماعية. 2 ـ تحرير البلاد. و كانوا في غالبيتهم صحفيين و أساتذة و خريجي جامعات، تلقوا تعليمهم في الخارج، و كانت الصحافة و النوادي و الجمعيات و الرابطات بمثابة منابر لهم . و عنها انبثقت الأحزاب و النقابات العمالية فيما بعد. و لقد ركزت الصحافة المحلية على العامل الاقتصادي بسبب النهضة التجارية في المنطقة. و قد مارست الصحف المتطرفة أمثال صحيفة النهضة و صحيفة الفضول، عملية تربية اجتماعية عن طريق نشر الموضوعات الخاصة بالعمال و بأرباب العمل. و ما لبثت الصحف المعتدلة الموالية للإنجليز أن سلكت نفس المسلك أمثال صحف فتاة الجزيرة، و القلم، و العدني. و قد استخدمت السلطات هذه الزمرة الأخيرة من الصحافة من اجل إجهاض الحركة والحيلولة دونها و دون التزام خط تقدمي. إلا أن خط الحركة الوطنية الصاعد لم يكن يقبل التراجع أو النكوص. و بفضل هذه الحركة الوطنية بدأ الوعي الاجتماعي و السياسي و الحس المدني و الحضاري ينمو بين سكان المدن. و قد بدأت حملة التوعية بقسم من المثقفين لتشكيل طليعة تتولى هي نفسها نشر الأفكار و الشعارات بين جماهير العمال الأميين بوجه عام. أما ما يتعلق بالعمل العمالي الصرف فقد كانت نوادي المثقفين و المغتربين العائدين إلى البلاد هي مراكز الانطلاق الرئيسية (2). إن ظهور النوادي و الجمعيات و ازدهارها، قد أعطى للحياة السياسية طعماً جديداً. فالطبقة المثقفة كانت تلتقي داخل المنظمات الرياضية و الثقافية و الفنية و في العديد من جمعيات الإحسان، لتناقش قضايا المنطقة و مصيرها في المستقبل. و كانت هذه المراكز تجمع بين أشخاص أتوا من شتى آفاق المعمورة و من مختلف الأوساط، تشغلهم جميعاً دراسة القضايا القومية و المسألة الوطنية. و أهم هذه المؤسسات في المستعمرة كانت: ـ النادي العدني، الجمعية الإسلامية، الجمعية العدنية، الاتحاد اليمني. أما في المحمية، فقد كانت: ـ جمعية الإحسان الحضرمية، النادي الشعبي في لحج.. الخ. و كان المغتربون يترددون بدورهم على هذه النوادي و الجمعيات و كانوا يتحدثون عن الأحداث التي عاشوهاء خلال اغترابهم، و كان بعضهم ممن أتوا من الشرق الأقصى قد شاركوا في الحركات الوطنية و الحركات الثورية في اندونيسيا و ماليزيا. و على سبيل المثال لعب المغتربون الحضرميون في جاوا دوراً سياسياً ذا طابع إصلاحي وحدوي (3). و قد كان ثمة مركزان من مراكز الاغتراب قد لعبا دوراً هاماً في تكوين الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي هما: اندونيسيا و انجلترا. ففي اندونيسيا كانت الجالية الحضرمية على احتكاك بالحزب الوطني الاندونيسي كما كانت على اتصال بالأحزاب اليسارية و بمختلف الأحزاب ذات الطابع الإسلامي. و كانت هذه الجالية تملك أفكاراً نيّرة متقدمة. إلا أنها ما لبثت أن كانت أول ضحايا الحركة الوطنية في اندونيسيا. فأضطر قسما كبير منهم إلى العودة إلى اليمن الجنوبي حيث شكلوا مجموعة نشيطة لها تأثير في الحركة الوطنية. ثم انضم إليهم المثقفون الذين تلقوا علومهم في جامعات البلاد العربية. أما في إنجلترا، فالمهاجرون كانوا يتمركزون بأعداد وفيرة في منطقة كرديف حيث كانوا يعملون بحارة أو عمالاً. و تبعاً لذلك نشأ احتكاك بينهم و بين الأوساط العمالية الإنجليزية أي مع حزب العمال و مع أفكاره السياسية ذات الطابع المعتدل و الليبرالي، و مع الحركة النقابية. و قد ساهم العائدون من هذه المراكز مع العائدين من الشاطئ الفرنسي للصومال ( جيبوتي )، في تكوين الحركة النقابية في اليمن الجنوبي التي بدأت تتبلور منذ عام 1946. و قد استمر تطورها على الصعيدين الاجتماعي و السياسي دون أن تصطدم بعقبة جديدة حتى عام 1952. فقد مرت بالوطن العربي حادثة رئيسية، هي قيام الثورة المصرية. و قد ترك نجاح هذه الثورة و انتشار تأثيرها في الخارج أثراً كبيراً على مجرى الأمور. فكان من النتائج المباشرة لهذا كله أن دخلت الحركة النقابية في منعطف حاد. فقد أخذ الوضع السياسي شكله الواضح في اليمن الجنوبي، و شهدت الموجة الوطنية تصدعاً حاسماً بين المحافظين و بين التقدميين. و منذ ذلك الحين أخذ كل تيار طريقه المعاكس للآخر. فعلى النقيض مما حصل في عدد كبير من المستعمرات في القديم حيث كانت وحدة القوى الوطنية مسيطرة طيلة مرحلة التحرير، نجد أن اختلاف الاتجاهات حال دون شعور التيارات المختلفة بالرابطة التي تجمعها على صعيد واحد و هي: وحدة الصراع ضد الاستعمار. لذلك اتصفت الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي بالانقسام و التشتت في الزمان و المكان. و كان ذلك سبباً من أسباب ضعفها. و يبدو في الظاهر إن تفسير هذه الظاهرة يمكن أن يتم بالرجوع إلى نقص الوعي السياسي لدى الجماهير و لدى القادة، أو بالخصومات الشخصية. إلا أن المسألة في الحقيقة هي أعقد من ذلك. فاختلاف الأصول الاجتماعية لرواد الحركة الوطنية و عناصرها هو العامل الرئيسي. فالاختلافات من جهة، كانت تدور حول مفهوم الصراع و وسائله. و من جهة أخرى كانت تدور حول الأهداف النهائية التي يسعى إليها كل فريق. فالبعض كانوا يقبلون بالتعاون مع السلطة الاستعمارية، و البعض الآخر يلتزم موقف الرفض الحاسم للتعاون و موقف النضال الدائم من أجل تحرير البلاد في أقصر فترة ممكنة. و بقي هذان الاتجاهان المتعارضان متلازمين في عدن، أما بالنسبة للمحمية، فقد بقي التياران بعيدين عنها بحكم عدم وجود ارتباط بين المستعمرة و المحمية يسهل عملية الانتشار تلك. و هكذا يبدو انه من المنطق أن نتكلم عن تيارات بدلاً من الكلام عن حركة واحدة منسجمة. و منذ عام 1952 – 1953، يمكن أن نميز من خلال ما كان يطرح من تعليقات في الصحافة العدنية، وجود تيارين للرأي العام: أحدوهما يطالب بالحكم الذاتي ، و الآخر يطالب بالتحرر الكامل . إن التيار الأول، أي التيار المعتدل الذي يعمل من أجل الحصول على الاستقلال الذاتي، هو في الواقع تيار الأقلية، لأنه يتشكل من الأجانب مواليد عدن، أي خليط من الأجناس، يشكل العنصر العربي الغالبية فيه، و تدعمه الجاليتان الهندية و الصومالية التي تتألف من حوالي عشرين ألف شخص. و كانت الرابطة العدنية التي أنشئت عام 1950 هي الوجه السياسي لهذا التيار. و كانت مطالبها تقتصر على الإصلاحات الاجتماعية، و على إنشاء مجلس تشريعي منتخب. و كانت تعتبر الاستقلال الذاتي مطلباً يجب أن يتم تحقيقه في عدن على مراحل و ضمن إطار الكومنولث. أما فيما يتعلق بالإطار العام للبلاد، فقد كانت تنادي بتعزيز الأواصر بين عدن و المحمية، إلا أنها كانت ترى بأن المحمية يجب أن تحتفظ بنظام الحماية. أن وجهات النظر الانفصالية التي كانت تبشر بها الرابطة العدنية، كانت تأتلف تماماً مع نظر الإدارة البريطانية خلال أعوام 1950 -1954. لذلك كانت تلقى منها تأييداً و مساعدة مالية. إلا أن هذا المفهوم الممالئ للإنجليز كان يشجب و يقاوم مقاومة عنيفة من قبل التيار المعاكس الذي كان يرفض مبدأ التطور البطيء لأنه يعتبره منطلقاً رجعياً و وسيلة لتثبيت النظام الاستعماري. كما كان يرى فيه عاملاً يهدد استمرار حركة التحرر الوطني و حيويتها. إن التيار الوطني التقدمي كان هو التيار المهيمن في أوساط الشعب العربي الذي يمثل ثلثي سكان المستعمرة. و كانت مطالبه عام 1952 تلخص فيما يلي: 1- إلغاء الوضع الخاص بعدن كمستعمرة تابعة للعرش، و جعلها عاصمة للمحمية. 2ـ توحيدا دول الأمراء. 3- إنشاء مجالس محلية منتخبة و مجلس اتحادي في عدن. 4 ـ الاستقلال الذاتي و دستور جديد للدولة الاتحادية الجديدة. 5 ـ الإصلاحات الاجتماعية. و عناصر هذا التيار تتألف من أعضاء الروابط و المنظمات القومية. و كان له صحيفتان تعبران عن مواقفه هما: النهضة و الفضول. و كان أنصار هذا التيار يُتهمون من قبل الإنجليز بالمشاغبين و المتطرفين. و كانت هذه الاتهامات مبرراً لملاحقتهم. و كان اعتقالهم يُبرر رسمياً بصيغة تقليدية: الإخلال بالأمن الداخلي للمحمية عن طريق نشر مقالات تمس الأمراء المناهضين لفكرة الاتحاد التي يطرحها الوطنيون. و الحقيقة هي أن السلطات الاستعمارية كانت تحاول أن تمنع فكرة دمج عدن بالمحمية من الانتشار، و تقوم باعتقال كل من يبشر بها في تلك الفترة. فحتى عام 1953 لم تكن سلطة الحماية تفكر بأكثر من توحيد الأمارات في ظل اتحاد فدرالي يستبعد عدن و يبقي عليها كمستعمرة. و كانت تأمل بطرح فكرة الاتحاد الفدرالي بالنسبة للأمارات، أن تستميل بعض العناصر الوطنية من جهة و أن تؤمن مستقبل الزعماء المحليين ثانية. و مع ذلك فقد فشل مخطط التجميع الذي رسمته لندن لأنه لم يكن يلبي شروط التيار التقدمي. و عندئذ أخذت السياسة الإنجليزية منحىً مكشوفاً في تأييد التيار المعتدل مع تصميم على تحطيم مقاومة خصومه. و منذ عام 1954 تأسست صحيفة جديدة سميت ( صحيفة الفجر ) و بدأت المرحلة الأولى من مخطط التيار التقدمي في مقاومة الاستعمار. (1) البكري ( حضرموت و المدن ) ص 168. (2) مجلة أفريقيا و آسيا، العدد 44، باريس 1958. (3) فإنسان مونتيل ( العرب )، باريس، 1959، ص 18. تابع الصفحة التالية مع تحيات اخوكم: أنا هو.
|
#182
|
||||
|
||||
الصراع المعادي للاستعمار!! لقد اشتد الصراع المعادي للاستعمار مع ظهور طبقات اجتماعية جديدة تتطلع إلى المزيد من الحرية و من المكتسبات الاجتماعية و الاقتصادية. فمقابل البرجوازية التجارية، قامت فئة من المثقفين المطبوعة بالأفكار التقدمية. و على الرغم من قلة عددهم فقد أرسوا دعائم التنظيمات السياسية في البلاد. و قد تلقوا دعم الطبقة العاملة الناشئة التي بدأت نواتها تتكون خلال الفترة ما بين عامي 1952 ـ 1954، مع إنشاء شركة مصفاة البترول البريطانية في عدن الصغرى. إن هذه الطبقة الجديدة التي كان عددها ما يزال محدوداً، استطاعت أن تفرض نفسها بسرعة، و أن تغدو خلال بضع سنوات قوة سياسية طليعية. و كانت تعرف سياسياً باسم ( مؤتمر نقابات عمال عدن ). و بفضل هذه المساندة التي لعبت دوراً حاسماً في السنوات التالية تعززت قوى التيار الوطني و تحول إلى حركة تحرير وطني بكل معنى الكلمة. و قد انظافت إلى قوة التيار الوطنية قوة أخرى تتمثل في القومية العربية التي تحرك بعمق كل طبقات الشعب. أن الفترة 1952 ـ 1954، تشكل مرحلة الانطلاق في هذا الصراع لسببين رئيسيين: 1 ـ فهي الفترة التي شهدت نشوء طلائع التنظيمات السياسية و النقابية. 2 ـ و هي الفترة التي تتفق و قيام حوادث الاصطدامات الكبرى بين الحركة الوطنية و بين الاستعمار البريطاني و حلفائه. و الواقع أن عدة تجمعات سياسية و أيدلوجية ولدت خلال هذه الفترة. و قد بقيت مشتتة مبعثرة طيلة مرحلة الانتقال من الإدارة المباشرة إلى الاستقلال الذاتي الداخلي. و قد عرفت السلطات الاستعمارية كيف تبقي على الانقسام بين القوى، و كيف توسع رقعة الخلاف و الشقة فيما بينها . و بتأثير تدخلها من جهة و تضافر الحوادث في الشرق الأوسط عام 1956 ( السويس ) و عام 1958 ( اتحاد سورية و مصر، و ثورة العراق ) فقد عرف التياران على السواء تطورات عميقة في داخلهما. فكلاهما اخذ يعمل على التكيف مع الظروف الجديدة حتى يكسب الشعب إلى جانبه. إلا أن هذا السباق الذي كان مصحوباً بالمزايدات و بالديماغوجية ، قد عرّض التيار المعتدل لنكسات قاسية ، رغم دعم السلطات له . و فد اندفع قسم من القادة الشبان إلى الانفصال عن الرابطة الإسلامية بعدما لاحظوه من جمودها و عدم فعاليتها، و أشأوا عام 1950 رابطة أبناء الجنوب العربي (1)، التي أصبحت تشكل مع الرابطة العدنية المنظمة الكبيرة الثانية في عدن. و أصبحت الرابطة على رأس الحركة الوطنية المعادية للاستعمار. و كانت تحظى بتأييد حزب اليمن الحرة، و عدة منظمات اجتماعية و ثقافية. و تحت إلحاحها و تحريضها، تشكلت عام 1953 أولى النقابات العمالية و نقابات المستخدمين. و لهذا السبب أخذت الحركة النقابية منذ البدء طابعاً سياسياً. و كلما ازدادت وطأت المطالب الوطنية وضوحاً و دقة، كلما أدرك الإنجليز أن اهتمامهم بتنفيذ مطالب التيار المعتدل يضع بين أيديهم كفة معادلة في وجه المتطرفين. و على هذا الأساس أيدوا ( الاتحاد العدني )، و كانوا يطمحون من وراء ذلك إلى إنشاء قاعدة ثابتة للتيار المعتدل و تحويل أنظار الشبيبة العدنية عن التيار التقدمي الذي أصبح قوة ذات شأن و خطر. أما القوى الوطنية فقد كانت تجمع النوادي و الروابط و النقابات. و هي عبارة عن مجموعات منظمة نشيطة تضيق ذرعاً بالنظام الاستعماري و تقف كتلة واحدة في وجهه. وتجدر الإشارة إلى أن برنامجها قد خضع لتبديلات عميقة، كما يبدو من خلال الصحف التقدمية ( الفجر، البعث، الجنوب، العربي ) و يتلخص هذا البرنامج على الشكل التالي: 1 ـ الدعوة الملحة إلى وحدة النوادي و التجمعات الوطنية. 2 ـ الدعاية لاتحاد اليمن الجنوبي كما تتصوره الحركة الوطنية، لدى زعماء القبائل. 3 ـ الدعوة إلى الوطنية و إلى القومية العربية و إلى التخلي عن الروح العشائرية. 4 ـ خلق حركات تعبئ الرأي العام للضغط على الإدارة البريطانية من أجل تطوير تعليم العربية و من اجل فرضها كلغة رسمية محل اللغة الإنجليزية ( على سبيل المثال: في عام 1955 هدد سائقي التاكسي بالإضراب إذا لم يصبح استعمال الحروف و الأرقام العربية إلزامياً على لوحات السيارات ). 5 ـ تمجيد القومية العربية في جميع أشكالها و خاصة مصر رائدة القومية العربية . إن إحدى المظاهر البارزة لهذه الدعاية التي لفتت نظر ( ت. برنيي ) (2) هي عدم وجود مكان بارز للدين فيها. و أنها تحمل اسم القومية العربية. إن التطور الذي حصل على الصعيد الفكري بين هذا البرنامج و بين برنامج عام 1952، تطور واضح و كبير. فقد أصبح التركيز على الوحدة، و على القومية العربية و على النزعة الوطنية المعادية للقبيلة و للاستعمار. و تجاوزت الحركة الوطنية الصراعات الحزبية و المحلية، و ارتفعت الأصوات المطالبة بالقضايا السياسية و الاجتماعية. و أصبحت الإدارة الاستعمارية تصطدم بضغط الجماهير و تجد نفسها أمام ( جبهة وطنية موحدة ) تجمع القوى الوطنية، لا أمام حزب معارض واحد. و قد كان تحالف تلك القوى و عدم توحيدها، عاملاً في ازدياد قوتها و بأسها. إلا انه في الوقت نفسه كان يشكل عامل ضعف بالنسبة إليها. الجبهة الوطنية الموحدة: لقد قامت هذه الجبهة في نوفمبر 1955 قُبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في 15 يناير, و قد نجحت هذه الجبهة في كسب التأييد المعنوي لقسم من التجار العرب في عدن، بالإضافة إلى الدعم المادي للتجمعات التقليدية. إلا أن العنصر الجديد حقاً هو دخول بعض الأمراء بشكل جزئي و خجول. و ذلك بفضل مشاركة بعض قادة ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) التي كانت تتمتع بسمعة عالية في الجبهة الوطنية الموحدة.و قد وضع هذا التحالف بين القوى الوطنية لنفسه برنامجاً مؤلفاً من النقاط الثلاث التالية: 1 ـ تفشيل انتخابات 1955 و مشروع الاتحادات. 2 ـ تشجيع المطالب العمالية. 3 ـ انتهاجا خط سياسي موحد. و الواقع أن الجبهة وقفت حائلاً دون نجاح سياسة ( السير نحو الحكم الذاتي ) و ذلك عن طريق تنظيم حملة لمقاطعة الانتخابات. و لم يبق في المعركة الانتخابية سوى الإدارة البريطانية و المرشحين الذين ينتسبون إلى الاتحاد العدني. و هكذا باءت الانتخابات بفشل ذريع.أما المشروع الاتحادي الذي طُرح من جديد عام 1956، فلم يكن حظه في النجاح أوفر من حظ مشروع 1954، و ذلك بسبب وعي و يقظة القوى الوطنية. و على صعيد المطالب العمالية، كانت النقابات تطالب بحق الإضراب و بضمان العمل و بصندوق للبطالة، و بالتقاعد و رفع الأجور، و تحديد حد أدنى مكفول للأجور. و كانوا يحتجون ضد التشريع الذي يشجع الهجرة إلى عدن في البلدان التابعة للكومنولث. و كانت السلطات البريطانية تدّعي من جهتها بأن تدفق الشغيله اليمنيين يشكل تهديداً للعدنيين الذين يسعون وراء العمل، ناسية باقي الفئات من المهاجرين المتدفقين على عدن من بلاد تحت إشراف الإدارة البريطانية. و قد دعمت الجبهة النقابات دعماً كلياً ضد إدخال الأيدي العاملة الأجنبية. و قد نظمت الجبهة بالاشتراك مع النقابات سلسلة من الاضرابات ذات طابع مهني و سياسي عام 1956، كانت الأولى من نوعها في تاريخ اليمن الجنوبي. و قد وجدت السلطات البريطانية نفسها تجاه شمول حركة الاحتجاجات مدفوعة إلى معالجة شكوى الطبقة العاملة بتفهم. و هكذا حصل عمال و مستخدمو الطيران المدني على زيادة في مرتباتهم. و اتخذت تدابير لحماية العمال العرب من تدفق العمال المهاجرين. و منع استيراد اليد العاملة الأجنبية. و سويت أجور المؤسسات الخاصة. و على وجه الأجمال فقد كانت حصيلة تجربة القوة جيدة و خصبة. و قد وضعت الجبهة الوطنية الموحدة لنفسها هدفاً نهائياً إنشاء جمهورية للساحل اليمني ذات طابع مركزي تتألف من المحميتين و من اليمن. و تكون عدن هي العاصمة مؤقتاً بانتظار سقوط الحكم الملكي في صنعاء. و كانت الجبهة تعتبر الطريق الموصلة لهذا الهدف تمرا بمراحل ثلاث: 1 ـ توحيد السلطنات في دولة واحدة تحكم من عدن من قبل مجلس منتخب بواسطة الاقتراع العام. 2 ـ تخلي الإنجليز عن المستعمرة. 3 ـ ضم اليمن فيما بعد و إعلان الجمهورية. غير أن الجبهة ما لبثت مع الأسف أن تصدعت بتأثير التنافس الشخصي و الخصومات قبل أن تحقق برنامجها. و الحقيقة هي أن الجبهة لم تتمكن من امتصاص التجمعات التي وحدتها في وقت ما. و مع ذلك استطاعت رغم كيانها المهدد أن تحقق انتصارات هامة جداً لمجرد كونها تحالفاً للقوى التقدمية. فقد كانت منظمة كفاح، و قد وصل تأثيرها حتى للمعتدلين الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على إعادة النظر في مواقفهم حتى لا يتهموا بالتخاذل و بالتخلي عن الشعب. كما كان من نتائج عملها اضطرار الإنجليز و إجبارهم على إعادة النظر في سياستهم. القوى المحافظة: يمكن اعتبار ( الرابطة العدنية ) و ( الاتحاد العدني ) لسان حال القوى المحافظة. و بقدر ما كانت الجبهة الوطنية المتحدة تجمعاً هجومياً غير متبلور التنظيم و الكيان، كانت الرابطة العدنية تجمعاً دفاعياً يمثل : 1 ـ البرجوازية العدنية و الطبقة التجارية الهامة المؤلفة بالدرجة الأولى من الآسيويين و الأوروبيين و بعض التجار العرب. 2- قسماً كبيراً من جهاز موظفي الدولة، و من الموظفين في المؤسسات الأجنبية . و دعم هاتين الفئتين للرابطة يعود إلى دوافع سياسية و اقتصادية. فعلى الصعيد السياسي لم يكن العدنيون غير العرب بوجه خاص، بمستعدين لوضع شؤون المستعمرة بين أيدي رجال الحركة الوطنية. و كانوا يتطلعون إلى نوع من الاستقلال الذاتي الداخلي داخل إطار العائلة البريطانية. أما على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي، و هو العامل الأشد تأثيراً، فقد كانت الطبقة التجارية مذعورة من اتساع نطاق المطالب العمالية و الاضرابات. فقد شل الإضراب العام الذي قادة اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 الحياة الاقتصادية في عدن خلال ستة اشهر. و كان عبئاً تحملت نتائجه البيوتات التجارية الكبرى. و أكثر من ذلك كانت أوساط الأعمال تربط مصير الاقتصاد بالوجود البريطاني. و بالتالي كانت ترغب في بقائه أطول مدة ممكنة لأن ذلك يتفق مع مصالحهم. و من جهة ثانية، كان الموظفون و المستخدمون في البيوتات الهندية و الأوروبية، و معظمهم من الأجانب، يخشون من فقدان وظائفهم إذا ما انتقلت السلطة إلى أيدي العناصر العربية. إن هذه المواقف النابعة من المصلحة الخاصة الأنانية التي لا تحسب حساباً لشيء آخر، كانت تخص الأوساط التي تهتم برفاهتها لا بتطور البلاد و تقدمها. و كان لا بد بطبيعة الأمر أن ينشأ تقارب بين الإدارة البريطانية و بين هؤلاء المعتدلين. و عندما شعر هؤلاء بأن الأحداث قد تجاوزتهم، حاولوا أن يُدخلوا في برنامجهم الإصلاحات الاجتماعية، و مشروع الاتحاد مع الاستقلال الذاتي الداخلي الذي ينادي به خصومهم. و لكن في حين أن خصومهم كانوا يعتبرون الاستقلال الذاتي خطوة أولى نحو الاستقلال الكامل، كانوا هم يعتبرونه الغاية النهائية. كما كان المحافظون يطالبون بالأمور التالية بصورة مستقلة بعضها عن بعض: ـ الحكم الذاتي بالنسبة إلى عدن، ـ وحدة المحمية، ـ جمع المستعمرة المستقلة ذاتياً مع المحميات داخل اتحاد، ـ إدخال الاتحاد ضمن الكومنولث. تلك هي الوحدة الممكنة في نظر هؤلاء. و بتعبير آخر، يمكن أن نقول بأن التقدميين كانوا يريدون وحدة مركزية، أما المعتدلون فكانوا يرغبون باتحاد فدرالي فقط. و كانت انجلترا تشاطر المعتدلين وجهة نظرهم. فقد تأثرت بما للجبهة الوطنية المتحدة من جماهيرية أي من صوت مسموع لدى الجماهير، لذلك لم تتردد في تبني البرنامج الإصلاحي و الفدرالي للرابطة العدنية. على أن ثمة خلافاً هاماً كان يقوم بين السلطات الإنجليزية و بين المحافظين المعتدلين، يتعلق بالأسباب العسكرية. فالسلطات البريطانية كانت تتمسك بالاحتفاظ بعدن نهائياً خارج الدولة الجديدة. الأمر الذي ما كان في وسع المحافظين الموافقة عليه خوفاً من الاتهام بالتخلي عن جزء من أرض الوطن.و قد استمر الإنجليز في التمسك بوجهة نظرهم، رغم أنها تضعف من جانب حلفائهم. و قد عوّض الإنجليز على هؤلاء الحلفاء بالمزيد من الدعم المعنوي و الدعم المالي. و قد دفع اضطرابات الأمور بسبب هذا التعنت إلى مجموعة من التدابير القمعية: كإعلان حالة الطوارئ و إصدار مجموعة من القوانين. (1) محمد الحفري ( حقائق عن جنوب الجزيرة العربية ) القاهرة 1956 ص 52 (2) مجلة أفريقيا و آسيا ، العدد 44 . و كان إعلان حالة الطوارئ بمثابة إعلان عن عزم السلطات الاستعمارية على القضاء على الجبهة الوطنية. و قد عبّرت السياسة التي طبقتها عن هذا الإصرار، أي سياسة إبعاد العناصر الوطنية و تعزيز جهاز المراقبة في سلطات البوليس. أما القوانين التي تم إصدارها نتيجة لإعلان حالة الطوارئ فتتعلق بمراقبة الصحافة و بتخويل السلطة صلاحية مصادرة و توقيف كل صحيفة. كما يتعلق بعضها الآخر بحرمان الجالية اليمنية من حق التصويت، بالإضافة إلى قوانين تحرّم تقديم أية مساعدة للجبهة الوطنية. و إلى جانب هذه السياسة العنيفة، عملت السلطات على دعم الرابطة العدنية دعماً متزايداً، كما أنها ضغطت على أرباب العمل لدفعهم إلى تلبية مطالب العمل قدر الإمكان. إلا أن النقطة الأهم في هذه المواجهة، هو طرح السلطات البريطانية لاحتمال انضمام اليمن إلى الدولة الاتحادية التي سيكون على رأسها ملك اليمن. و قد كانت السلطات البريطانية تهدف من وراء ذلك إلى إحداث انقسام داخل الجبهة الوطنية، لأن القسم الأعظم من الجبهة كان ضد هذا الاحتمال و يرفض أن تكون أسرة حميد الدين و السلالة الزيدية و لو على رأس دولة اتحادية تضم اليمن. هذا علماً بأن السلطات الإنجليزية لم تكن بشكل من الأشكال تقف موقفاً مشجعاً لمثل هذه الاحتمالات. و الخلاصة، فإن الأمر انتهى بحدوث انقسام داخل الجبهة بين الجناح اليساري الذي تدعمه النقابات و الذي استولى على قيادة الجبهة، و بين الجناح اليميني الذي أصبح ممثلاً برابطة أبناء الجنوب العربي و الذي انسحب من الجبهة. بهذا الانقسام دخلت الحركة الوطنية في أخطر أزمة عرفتها. و إذا كانت الحركة الوطنية قد احتفظت رغم ذلك بحيويتها و نشاطها، إلا أنها أخفقت في إعادة الالتحام إلى صفوفها. و كان ذلك طبعاً مبعث سرور لخصومها. أزمة الحركة الوطنية: لم يعمّر تحالف الجهات المعادية للاستعمار سوى أقل من ستة أشهر، أي تماماً الوقت اللازم لمجابهة الاستفتاء الذي نظمته السلطات الاستعمارية. فمنذ شهر مارس 1956، بدأت انقسامات خطيرة تظهر داخل الجبهة الوطنية الموحدة. فقد اتهمت النقابات ذات التابعية اليمنية، رابطة أبناء الجنوب العربي، بأنها تعمل على وضع النقابات تحت إشرافها المباشر و المطلق. كما اتهمت من قبل تجمعات يمنية أخرى بالعمل من أجل فصل عدن و محميتها و محميتها عن الوطن الأم في الشمال، و إنشاء جمهورية انفصالية في اليمن الجنوبي. و اتهمت الرابطة بدورها هؤلاء و أو لائك بأنهم يريدون أن يقسموا الحركة الوطنية و أن يدفعوا بها ضمن اتجاه موال لليمن.و قد كانت لهذه الاختلافات نتائج ثقيلة الوطأة. و أخذ الخلاف طابعاً سياسياً عندما شكلت النقابات بتاريخ 3 مارس 1956 اتحاد نقابات العمال العدني، و أعطت لهذا الاتحاد النقابي الكبير طابعاً اجتماعياً و سياسياً و عندما صدر بتاريخ 22 مارس 1956 عن رابطة أبناء الجنوب العربي تصريح مطول يشدد على شخصية الجنوب و على حقه في الاستقلال.و كان ذلك بمثابة الطلاق بين القدوتين الوطنيتين، هذا الطلاق الذي انتهى فيما بعد إلى حل الرابطة بينهما بعد أن يئس كل فريق من امتصاص الفريق الآخر. و قد استطاع اتحاد النقابات بفضل تنظيمه و تماسكه أن يسيطر بسرعة على المسرح السياسي في المستعمرة. و أن تجتمع من حوله معظم القوى الوطنية عدا رابطة أبناء الجنوب العربي. و قد كان للاضطراب العام الذي بدأ في مارس و انتهى في نوفمبر من عام 1956 و للنجاح الكبير الذي انتهى إليه، فضل في اتساع شهرتها وازديادها. و كان من الطبيعي نظراً لفشل التشكيلات السياسية التقليدية و إفلاسها، أن تصبح الحركة النقابية محور النضال السياسي ضد الاستعمار. لقد كان انغمار الطبقة العاملة في العمل السياسي شيئاً نابعاً من طبيعة الأمور، و ليس فيه ما يدعو للدهشة. فالنقابات العمالية في كثير من البلاد المتخلفة تبدو و كأنها القوى الوحيدة التي تتمتع بسند شعبي ملحوظ و بتنظيم قوي فعال. و هذا الواقع ينطبق على عدن أكثر من أي بلد آخر. فالحركة العمالية كان لها النصيب الأكبر في الكفاح ضد الاستعمار. و في نفس الوقت الذي كان فيه اتحاد النقابات يشق طريق الصعود، كانت رابطة أبناء الجنوب العربي تعاني من أزمتها الحادة بسبب انسحاب قسم من إطاراتها العليا و تفكك قيادتها. و هكذا بعد أن كانت رابطة أبناء الجنوب العربي المحرك الرئيسي للحركة الوطنية و العنصر البارز في الجبهة الوطنية المتحدة، غرقت في تعقيدات ظروف التجزئة الإقليمية. و دفعتها شكوكها بشأن اليمن إلى تبني مواقف أعطيت صفة الانفصالية من قبل عدد كبير من قادتها أنفسهم. و بعض هؤلاء القادة استنكروا علناً ذلك و لجأرا إلى المنظمة المقابلة. و في عام 1958 لجأ رئيسها و أمينهاْ العام إلى القاهرة تاركين ورائهم في عدن منظمة هزيلة إلى درجة لم يعد الإنجليز يحسبون لها أي حساب. أما في الخارج فقد تحولت ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) إلى مجرد ( رابطة الجنوب العربي ). و عند إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة، ثم ( الدول العربية المتحدة )، حاولت الرابطة أن تعدل ميثاقها و أن تدخل فيه فقرات خاصة بالوحدة العربية و بالعلاقة بين جنوب و شمال الساحل اليمني، و أن ترفض القومية اليمنية. و عندما تقرر ضم عدن إلى الاتحاد، حاول الإنجليز جس نبض قادة الرابطة في المنفى للعودة و تشكيل الحكومة الاتحادية. إلا إنهم رفضوا هذا العرض و فضلوا الالتحاق بالمعارضة مع الإبقاء على مسافة ما بينها و بينهم. و بعد ثورة اليمن الجمهورية، حاولوا أيضاً تعديل برنامجهم و موقفهم الغامض إلا أن المحاولة جاءت متأخرة. فالرابطة على الرغم من أنها استعادت بعض نشاطها، إلا انه كان يلزمها وقت طويل و بذل جهد أكبر حتى تنهض من كبوتها و تحول الوضع إلى مصلحتها. الحركة النقابية: لقد قام اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 بعمل مزدوج: فمن جهة اهتم بالمسائل الاجتماعية التي تشغل العمال، و نجح في الحصول على اعتراف شرعي بالنقابات و بحقوقها. و من جهة ثانية أخذ الاتحاد اتجاهاً سياسياً مرناً و أصبحت الجبهة الوطنية الموحدة قاعدته الناطقة باسمه. و بعد فشل العدوان الثلاثي على السويس شددا مواقفها و كسبا الجو على حساب الرابطة العدنية التي تواطأت مع الإنجليز. و منذ عام 1957 أصبح الاتحاد اكبر منظمة شعبية في عدن. و أصبح له صحيفة ناطقة باسمه ( العامل ) كانت تنشر أسبوعياً مقالات مطولة حول الوضع الداخلي في الجنوب و الشمال. و قام الاتحاد بحملة عنيفة ضد الهجرة و ضد غلاء المعيشة عام 1958. و عندما قررت السلطات في أغسطس 1960 أن تسن تشريعاً جديداً يمنع الإضراب و يفرض التحكيم في خصومات العمل، شجبت صحيفة العامل بجرأة الرتيبات الجديدة. و على أثر الاضطدامات الدامية بين المضربين المتظاهرين و بين الشرطة، أُغلقت الصحيفة و لوحق جهاز التحرير المؤلف في غالبيته من النقابيين، بتهمة التحريض على مخالفة النظام. و بفضل انتساب المنظمة إلى اتحاد نقابات العمال العرب و الاتحاد الدولي، استفادت من تضامن المنظمات العمالية في آسيا و أفريقيا و أمريكا. و علقت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية ( النوفيل أو بسر فاتورة ) على تلك الحوادث في عددها بتاريخ 7 سبتمبر 1960 بقولها: ( في عدن، ينظم العمال اضطرابا عاماً للاحتجاج على التعديات على الحرية النقابية، مطالبين إنهاء الإدارة البريطانية و تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة ). و على الصعيد السياسي، ركز الاتحاد مع الجبهة جهود هما على إزالة الاستعمار في عدن و على تحرير اليمن من النظام الملكي. و كانت دعايتهم تطالب بدمج الجنوب مع الشمال. و بقدر ما كانت تلك الدعاية تحقر الإنجليز بقدر ما كانت تسبب القلق للسلالة الزيدية التي كانت تريد أن تجنب البلاد موجة الاضطرابات التي أثارها الوطنيون في المستعمرة. مع نهاية المعركة الانتخابية عام 1959، تصدع التحالف الواهي الذي كان يجمع القوى التقدمية. و أخذت الجبهة موقفاً يختلف عن موقف الاتحاد الذي انعطف انعطافاً واضحاً نحو اليسار عام 1960. و أصبح الاتحاد المركزي للنقابات في نظر الكثيرين من أبناء الجنوب المجسد الحقيقي ( للقومية اليمنية ). و من هذه الزاوية بدأ يتعرض للنقد الشديد.إلا أن الذي يجب أن يقال ، هو أن الاتحاد حاول عدة مرات أن يذيب مختلف الأحزاب الوطنية في بوتقة واحدة تحت رعايته ، إلا انه لم يصادف إلا نجاحاً جزئياً و خاصة لدى الروابط التي تهيمن عليها العناصر ذات الأصل اليمني . و ضمن هذا الاتجاه قاد عملية تشكيل الاتحاد الشعبي عام 1958 و الاتحاد الوطني اليمني عام 1959 و التجمع الوطني عام 1960 و تجمع المنظمات الوطنية و الشعبية عام 1961. و ساهم مساهمة فعالة في مؤتمر القاهرة الذي اجتمع عام 1961 و 1962 و ضم ممثلين عن (3): ـ النقابات العدنية، ـ حركة القوميون العرب، ـ الاتحاد اليمني، ـ حزب البعث العربي الاشتراكي ( فرع اليمن الجنوبي ). و قد حاول المؤتمرون أن يخلقوا جبهة وطنية جديدة إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك. لذلك قرر الاتحاد المركزي للنقابات عشية مؤتمرا لندن في يوليو 1962 تأسيس حزب جماهيري. و هكذا تم نشوء ( حزب الشعب الاشتراكي ). و خلال ذلك كانت الجبهة الوطنية الموحدة قد زالت و لم يبق لها وجود. و قد قام ( حزب الشعب الاشتراكي ) بحملة عنيفة ضد المشروع الاتحادي الذي طرحته السلطات. و على الرغم من التدابير القمعية، نجح في تعبئة الرأي العام الداخلي و الخارجي ضد السياسة الإنجليزية. إلا أنه فشل في تجميع قوى المعارضة من حوله، بل و زاد في خصومتها له. . تابع الصفحة التالية مع تحيات اخوكم:أنا هو.
التعديل الأخير تم بواسطة أنا هو ; 05-22-2006 الساعة 06:04 AM |
#183
|
||||
|
||||
الاتجاهات الراهنة: الخلاصة إننا نستطيع أن نميز على ضوء الاختلافات التي رافقت الكفاح الخصب الذي امتد على عشر سنوات ، الاتجاهات الخمسة التالية : 1 ـ الإقليمية الضيقة: التي يحرص عليها العدنيون المحافظون و غالبية الأمراء. و هي تقوم على المحافظة على التجزئة المحلية. و قد كانت السلطات الاستعمارية في البدء تشاطرهم وجهة نظرهم. إلا أن هذه السلطات بدأت تدرك مع تطور الوضع العربي خطر النزعة الانفصالية و التشتت. فأعادت النظر في سياستها و بدأت بتشجيع تجميع الإمارات داخل اتحاد فدرالي، ثم بتشجيع ضم عدن إلى الاتحاد من أجل إجهاض الاتجاهات الفكرية و تزوير الاندفاعات الوطنية. 2 ـ الإقليمية الواسعة: و قد كانت خلال فترة من العمل الوطني تتمتع بتأييد جميع القوى التقدمية. و هذه الإقليمية الواسعة تتجاوز حدود عدن و محميتها لتضم الساحل العربي بما في ذلك اليمن. و هي تعتمد في نظرتها على منطلقات جغرافية و تاريخية و بشرية عرقية. 3 ـ النزعة الوطنية اليمنية: التي كانت تجعل من اليمن محور العمل الوطني و تعترف له بالأولوية و بالقيادة. و كانت هذه النزعة تلقى تأييدا من قسم من العمال و من صغار التجار و من الطليعة المثقفة الذين ينحدرون من أصول يمنية. كما كان ( حزب الشعب الاشتراكي ) رائد هذه النزعة. الأمر الذي أثار شكوك العناصر الجنوبية التي كانت تمثلها رابطة الجنوب العربي، و التي كانت ترفض رفضاً قاطعاً إلحاق الجنوب باليمن، و تقول بالتقارب بينهما شرط رفع فكرة الإلحاق. و قد أعطت هذه العناصر المجال لنشوء حركة وطنية خاصة بالجنوب. 4 ـ النزعة الوطنية الجنوبية: و هي تعمل على جعل عدن و محميتها كياناً مستقلاً ذا سيادة. و قد كانت هذه النزعة تجد في رابطة الجنوب العربي حليفاً لها، كما كانت تعتمد على تأييد البرجوازية الوطنية الناشئة و على قسم من المثقفين و على السلاطين. و كانت انجلترا تدعم هذه النزعة سراً، و كانت تستعد لوضع السلطة في يدها يوماً ما ، لأنها كانت تتخذ منها وسيلة لمقاومة القومية اليمنية و القومية العربية . 5 ـ القومية العربية: إن شعب اليمن الجنوبي شديد الحساسية للقومية العربية. و باستثناء أصحاب النظرة الإقليمية الضيقة، تشكل القاسم المشترك لجميع الاتجاهات الأخرى بدرجات و نسب متفاوتة تتراوح بين رفع الشعار و بين الالتحام الكلي بحركة القومية العربية. إن لكل اتجاه من الاتجاهات السابقة أشياعه و جهاز دعايته الذي تتولاه الأحزاب السياسية. و هذه الأحزاب السياسية تنتشر بين الجماهير دون أن تعلن عن برامج محددة، و تطغى عليها اللفظية أي لغة الشعارات، و هي حسب التعبير الماركسي ( أحزاب البرجوازية الصغيرة ). (3) قحطان الشعبي ( الاستعمار البريطاني و معركتنا في الجنوب اليمني المحتل ) القاهرة 1962 الفصل السادس الأحزاب السياسية إن الأحزاب السياسية في الغرب تقوم بوجه عام بشكل رئيسي على المصالح المحددة تحديداً واضحاً للزمر الاجتماعية. و في معظم بلدان العالم الثالث، و في العالم العربي بوجه خاص، توجد مثل هذه الأحزاب، إلا أنها تبدو دونها تبلوراً. فالسياق التاريخي لهذه البلاد يجعل مفهوم الحزب القائم على أساس الطبقات الاجتماعية المتميزة شيئاً لا يتفق مع الواقع الداخلي لهذه البلاد، لا يسما في اليمن الجنوبي . فقد لاحظنا من خلال الفصول السابقة أن الرأي العام في اليمن الجنوبي ينقسم إلى اتجاهات و زمر غير مستقرة و غير ثابتة. لأن الشعب في غالبيته ما يزال يعيش ضمن وسط عشائري تتشكل على هامشه الطبقات الاجتماعية الجديدة التي لم تأخذ بعد طابعاً محدداً. بالإضافة إلى ذلك، فان الشعب تنقصه التربية السياسية و المدنية. فالفئات الهامشية المتمركزة في المدن و خاصة في مستعمرة عدن وحدها تملك ثقافة أولية من هذا النوع بفضل تعميم التعليم و بفضل الصحافة و المذياع و الدعاية الوطنية فلا مجال إذن إلى القول بأن هناك وعياً طبقياً أو حساً سياسياً متطوراً لدى الشعب و خاصة في المحمية. صحيح أننا نعثر في عدن على منظمة عمالية نشيطة كانت مصدر نشوء تنظيم سياسي عل صورة قاعدته الاجتماعية التي لا شك في أنها بروليتارية و فلاحية، إلا أنها دوماً ذات أصول قبلية عشائرية. كما كان لظروف الكفاح المعادي للاستعمار أكثر مما كان لوجود وعي طبقي حقيقي الفضل في حدوث تلك التغيرات المفاجئة. و هذه الملاحظة تصح أيضاً على باقي التنظيمات التي تهيمن على المسرح السياسي. فداخل الأحزاب السياسية لا نعثر على عنصر اجتماعي خاص، بل نجد أنفسنا أمام عدة فئات اجتماعية داخل الحزب الواحد. فالنضال من اجل الاستقلال لا يمكن أن يكون من صنع طبقة اجتماعية واحدة. بل هو من صنع شعب بأكمله.و هكذا يمكن أن نتساءل فيما إذا كانت توجد أحزاب بالمعنى الصحيح في اليمن الجنوبي ؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار المقياس الأوروبي، أي الصيغة التقليدية للأحزاب في البلاد الديمقراطية الرأسمالية، وجدنا أن اليمن الجنوبي يعيش مرحلة ما قبل نشوء الأحزاب. أما إذا نظرنا إلى الوسط الاجتماعي الخاص باليمن الجنوبي و نظرنا نظرة اشمل إلى الواقع العربي بشكل عام، كان جوابنا إيجابياً. و هذا لا يمنع من القول بأن عدن و محميتها ما تزال في المرحلة الأولى من مراحل التطور، و أن الخط الفاصل بين المجموعات المنظمة و الأحزاب السياسية بالمعنى الدقيق للكلمة، ما يزال فيها سابقاً لأوانه. فالمعيار الرئيسي الذي يميز بينهما هو وجود ( المنظمة ). فالحقيقة أن أي تشكيل مزود بجهاز سياسي منظم و ببرنامج، يستطيع أن يعتبر نفسه قائماً كحزب. و في اليمن الجنوبي توجد عدة تجمعات تطالب بهذا الحق. و هي تطلق على نفسها صفة الحزبية و تعمل على أساس أنها أحزاب. و سنقف من هذه الأحزاب على أربعة تعتبر أهمها. لأن ما تبقى هي في الحقيقة تجمعات صغيرة، أما فيما يتعلق بالبرنامج، فهناك خطوط عامة و ليس هناك برامج محددة و متناسقة. أما فيما يتعلق بالتركيبات الاجتماعية، فهناك إلى جانب البرجوازية الوطنية و الأجنبية، الموظفون الوطنيون، و المثقفون، و العمال و القبائل. حزب المؤتمر الشعبي: لقد نشأ هذا الحزب عن الرابطة العدنية، و هو يعتبر نفسه الوريث الطبيعي لها. و هو يتميز بطابعه ( العائلي ) بحكم سيطرة عائلة ( لقمان ) عليه. و هذه الأسرة ( التي تعتبر مؤسسة لهذا الحزب ) تملك صحفاً ثلاثاً: ( فتاة الجزيرة )، ( القلم العدني )، و ( يوميات عدنية ). و قد حمل هذا الحزب لواء الدفاع عن ( الكيان العدني ). أما برنامجه، فقد عرض عرضاً غامضاً في نشرة للدعاية تحت عنوان: ( أهذا كتاب أبيض ). و كاتب هذه النشرة (1)، و هو احد قادة الحزب، يعتبر نفسه ناطقاً باسم شعب عدن. و يتحدث عن التقدم الذي حصل في المستعمرة و عن تأخر محميتها، و عن التمييز السياسي بين شطري البلاد، و عن عدم التكافؤ في التطور الاقتصادي فيما بينهما. ثم يشجب باسم الوحدة الإقليمية لعدن، عملية انتزاع جزر البريم و كوريا موريا. و ينتقد الطريقة التحكمية التي تمت بواسطتها عملية إدخال عدن في اتحاد الجنوب العربي. و لا يمنعه ذلك من استخلاص نتيجة تؤكد على ضرورة مساعدة عدن الفنية لمحميتها الفقيرة. و هكذا فإن برنامج حزب المؤتمر الشعبي يعارض الحل الفدرالي لأنه في زعمه ينتزع من العدنيين حقوقهم و يعيق سيرهم نحو الديمقراطية، و لأنه يخشى أن يعطل الحل الفدرالي فرص حصول عدن على استقلالها. لذلك فإن حزب المؤتمر الشعبي يطالب بما يلي: 1 ـ بانتخابات تشريعية عامة تقتصر على المستعمرة. 2 ـ تشكيل حكومة وطنية عدنية مسئولة أمام المجلس التشريعي المنتخب. 3 ـ بحصر مهمة هذه الحكومة في نقطتين رئيسيتين: تطبيق حق تقرير المصير و إعلان الاستقلال. و بكلمة أخرى، يطالب الحزب بدولة عدنية تتمتع بالسيادة الكاملة تصبح عضواً في الكومنولث. و شعاره المألوف ( عدن للعدنيين ) أما موضوع الاتحاد فلا يأتي إلا بعد أن يتحقق هذا الهدف، و عندئذ تفاوض عدن المستقلة الاتحاد الذي يكون بدوره قد استكمل سيادته من اجل الاندماج ضمن صيغة مرنة كون فدرالية. أن حزب المؤتمر الشعبي ينطلق من إطار التجزئة، لذلك فهو يلقى دعماً من عناصر الأقلية العدنية ذات الأصول الأجنبية التي تخشى من طغيان العناصر العربية، و التي تتجمع في عدة منظمات و جمعيات لتأمين حماية مصالحها. و هي مدعومة من البيوتات التجارية الأوروبية و الهندية التي تمول نشاطها من أجل إعاقة نشاط البرجوازية الوطنية التي تحاول استبعاد الرأسمال الأجنبي. و قد بقيت السلطات الإنجليزية تساند نشاط الأقلية حتى عام 1961، حيث تبين لها أن التجزئة التي تعمل الأقلية على تثبيتها، لم تعد شعاراً واقعياً. ثم جاءت الضرورات الإستراتيجية و مقتضيات السياسة العليا الخارجية، لتحدث تحولاً في موقف هذه السلطات. و كان الحزب الوطني الاتحادي الوليد الثاني للرابطة العدنية و المستفيد الأكبر من هذا التحول. الحزب الوطني الاتحادي: أمام اللغط الذي كان يصدر عن العناصر العدنية المعادية لدمج عدن، لم تتردد السلطات البريطانية في خلق حزب جديد مؤيد للسياسة البريطانية. و قد كانت ولادة الحزب الوطني الاتحادي في الحقيقة تعبيراً عن رغبة الإنجليزية في إسباغ مظهر شرعي على الدمج. و قد كان زعماء هذا الحزب هم الذين وقعوا اتفاقيات لندن، و شكلوا أول حكومة مستقلة في دولة عدن. كان برنامج الحزب الوطني الاتحادي يتطابق تماماً مع برنامج وزارة المستعمرات. فقدا نادى بتعاون وثيق مع الأمراء و بالمحافظة على المصالح الاقتصادية و الحربية لبريطانيا العظمى. إلا أنه كان خلال المفاوضات مركز على التفاوت الاقتصادي بين عدن و المحمية، و يعتبر التفاوت نتيجة لتمايز التطور الدستوري بينهما. و هكذا استطاع أن يحمل الأمراء على قبول مبدأ اعتبار عدن كياناً خاصاً داخل إطار اليمن الجنوبي السياسي و الاقتصادي الذي يشكل مجالاً حيوياً أكثر اتساعاً. كما انه طالب بتطمين العدنيين الأجانب بحيث أن يكون الدمج مصحوب بشروط تضمن لهم حقوقهم. و حصل لعدن على تمثيل قوي داخل المؤسسات الفدرالية. و على عكس حزب المؤتمر، رفض الحزب الوطني الاتحادي ان يتبنى فكرة حصول المستعمرة على الاستقلال. و كان يرد على أصحاب هذه الفكرة بأن عدن ما تزال دون مستوى القدرة على تشكيل دولة ذات سيادة. و يضيف إلى ذلك بأن هذه الدولة لن تصمد طويلاً أمام هجمات القوى الوطنية، و أن اتحاد الجنوب العربي بدون عدن، لا بد أن يتفكك سريعاً. فلإنقاذ عدن و الاتحاد معاً من الوطنية المتطرفة لا بد من دمجهما. و هنا تظهر المطابقة بين دعوى الحزب و بين المخطط البريطاني. إن الحزب الوطني الاتحادي منظمة ممالئة للإدارة الاستعمارية، و هو إلى جانب الدعم المالي الضخم الذي يأتيه من قبل السلطات يحظى بدعم رجال الأعمال الطامحين إلى الحصول على عقود تجارية مع الحكومة الاتحادية و مع الزعماء المحليين. و كذلك بتأييد قسم من جهاز الموظفين الرسميين و قسم من العدنيين العرب. و بصورة عامة، يمكن تصنيف الحزب الوطني الاتحادي مع حزب المؤتمر الشعبي، كممثلين للقطاع المؤيد للملكة المتحدة رغم اختلاف موقفهما نسبياً. فالحقيقة أن تخلي السلطة عن حزب المؤتمر ليس إلا ظاهرياً. فالعالم كله يعرف بأن السلطة تدعمه بصورة خفية، و بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم له مساعدة كبيرة. فالانجلو ساكسون يريدون أن يجعلوا من هذا الحزب أداة للضغط على الوطنيين لإرغامهم على التسليم بموضوع القواعد. ربما أن الأحزاب التقدمية لا مقاعد لها في المجلس، فإن حزبي المؤتمر و الوطني الاتحادي، كانا يمنيان النفس بأن يلعبا دور حزب السلطة و حزب المعارضة. و كان البريطانيون يغتبطون و يعتزون برؤية صورة مصغرة لمجلس العموم تتجسد في المجلس التشريعي، و يعتبرون ذلك دليلاً على نجاح سياستهم في إنهاء الاستعمار. و الغريب في الأمر، أن قسماً كبيراً من الرأي العام الإنجليزي كان يعتقد على ما يبدو بهذه الأسطورة ـ المهزلة ـ و أقل ما يمكن أن يقال بهذا الشأن هو أن هذا الجانب من الرأي العام كان ضحية دعاية فارغة موغلة في الادعاء. و يكفي للدلالة على ذلك التذكير بأن المجلس التشريعي قد تم انتخابه من قبل 26 في المئة فقط من مجموع الناخبين. و أنه ليس من المنطق في شيء أن يُعترف له بأي صفة تمثيلية، طالما أن 74 في المئة من الناخبين قد امتنعوا عن التصويت من اجل شجب هذه الصفة التمثيلية. و هنا تكمن قوة الأحزاب الوطنية ( رابطة الجنوب العربي و حزب الشعب الاشتراكي ) الذي حاول الإنجليز أن يكتمون أصواتها بواسطة التدابير القمعية البوليسية القاسية. و لكن على الرغم من ذلك، نجحت الأحزاب الوطنية في أن تشل القوى الممالئة للإنجليز. و هذا هو السر الذي جعل بريطانيا تعتمد على الأمراء المحليين الرجعيين الذين جعلتهم يشكلون جبهة في محاولتها تحطيم المقاومة الوطنية أكثر من اعتمادها على منظمات قيد التلاشي السريع كحزب المؤتمر و الحزب الوطني الاتحادي. رابطة الجنوب العربي: لقد عارضت رابطة الجنوب العربي المشروع الاتحادي البريطاني و الكيان العدني منذ البدء، و حرضت عام 1957 ـ 1958 سلطان لحج و نقيب يافع السفلى، على رفض المخطط الذي رسمته وزارة المستعمرات لتجميع الإمارات. و كان من نتائج ذلك إبعاد قيادة الرابطة و إزاحة الأمراء المتصلبين في موقفهم عن مناصبهم. و قد حاولت الرابطة في نوفمبر 1958 أن تنشئ حكومة في المنفى بمساعدة البلاد الشقيقة. إلا أن المحاولة باءت بالفشل نظراً لمعارضة اليمن (2). لقد أخذت رابطة الجنوب العربي على اتحاد الجنوب العربي طابعه المعادي للقومية العربية و كونه لم يأت نتيجة استشارات. فهو في نظر الرابطة مناورة هدفها الإبقاء على السيطرة البريطانية و على حالة التجزئة المصطنعة في البلاد و هي تعتبر مؤسسي الدولة الاتحادية مجرد موظفين مأجورين للسلطات البريطانية و بالتالي فإنها لا تعترف لهم بأي أهلية حقوقية تخولهم صلاحية عقد معاهدات تحدد مصير البلاد. و الخلاصة، فإن اتفاقيات 1959 و 1962 ليست لها صفة شرعية في نظر الرابطة، لا أن المفاوضين لم يكونوا ممثلين، و لأن تكافؤ القوى كان مفقوداً. أما برنامج الرابطة فينص على اعتبار عدن و محميتها تشكلان كياناً واحداً غير قابل للقسمة. كما ينص مقابل الدولة الاتحادية التي لا تقوم على أسس صحيحة، على إنشاء دولة مركزية موحدة. و قد أوضحت وجهة نظرها في مذكرة قدمها إلى هيئة الأمم المتحدة في نهاية عام 1962، حيث تقترح: 1 ـ بوضع اليمن الجنوبي لمدة سنتين تحت وصاية لجنة دولية مؤلفة من ممثلين عن البلاد غير المنحازة. 2 ـ بتحويل الإدارة إلى الوطنيين تحت إشراف لجنة دولية. 3 ـ بالاعتراف بحق شعب اليمن الجنوبي في تقرير مصيره و بضمان تطبيقه على كل أنحاء البلاد. 4 ـ و أخيرا بإنشاء مجلس تأسيسي منتخب بالاقتراع العام المباشر تكون مهمته الأساسية وضع دستور للبلاد و إعلان استقلالها. إلا أن هذا الحل لم يكن يملك أسباب النجاح. فالهيئة الدولية نظراً للصعوبات التي تواجهها في مناطق أخرى حساسة أيضاً، لم تكن تميل إلى تحمل مثل هذا العبء الجديد. و من جهة أخرى، فإن الحكومة البريطانية و الحكومة اليمنية و حزب الشعب الاشتراكي، و هي الهيئات التي لا يمكن حل المشكلة بدون اتفاقها، لم تكن موافقة على التدخل الدولي. و كانت رابطة الجنوب العربي ترفض كل مطلب و كل مسعى لإلحاق اليمن الجنوبي باليمن. إلا أنها لم تكن ترفض فكرة التقارب مع اليمن عندما يحصل اليمن الجنوبي على سيادته كاملة. و كانت تتطلع إلى اتحاد حر بين الدولتين يتم نتيجة مفاوضات متبادلة. أما المهمة العاجلة فهي في رأيها التحرر من السيطرة البريطانية، و عندما يتم الحصول على الاستقلال، يمكن توثيق الارتباط ما بين الشمال و الجنوب على ثلاث مراحل: 1 ـ تدعيم الدولة الوطنية في اليمن الجنوبي. 2 ـ توحيد الساحل العربي ضمن إطار واسع. 3 ـ تشجيع دمج و توحيد الشمال و الجنوب ضمن مجموع أكبر على غرار الجمهورية العربية المتحدة. و في حالة استمرار اليمن في معارضة انبثاق دولة متحررة في الجنوب، فأن رابطة الجنوب العربي تطالب باستفتاء الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة. ثمة ملاحظتان تجدر الإشارة اليهماء بصدد موقف رابطة الجنوب العربي، سواء بالنسبة إلى الاستعمار أو بالنسبة للحركة الوطنية في اليمن. الملاحظة الأولى، تتلخص في أن برنامج الرابطة يتفق في عدة نقاط مع مخطط وزارة المستعمرات. فقد تبين لنا أن المملكة المتحدة قد سبق أن باشرت عملية تجميع دول الأمراء و عدن من اجل إنشاء دولة اتحادية تمنحها الاستقلال. فالفرق بين وجهة نظر الرابطة و وجهة النظر البريطانية يتلخص في أن بريطانيا ترفض: 1 ـ فكرة انتخابات مسبقة، 2 ـ الاعتراف بحق تقرير المصير، 3 ـ المعاهدات و الاتفاقيات التي تؤدي إلى إزالة القواعد و جلاء القوات البريطانية. ما عدا ذلك فإن وجهتي نظر الرابطة و السلطة الاستعمارية تتفقان في الهدف النهائي الذي هو حصول البلاد على سيادتها الدولية. أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بموقف الرابطة من اليمن، ذاك الموقف الذي يعتمد على التمنيات. فهي لا تتصور وحدة الجنوب و الشمال إلا بعد الاستقلال. و تعتبر كل محاولة قبل ذلك أمرا لا يجوز التفكير به. فهناك مرحلة انتقالية طويلة الأمد لا بد منها في رأيها، تتم خلالها عملية القضاء على عقبات الوحدة قبل الوصول إليها. إن هذا الموقف قد جعل رابطة الجنوب العربي تتعرض لتهجمات عنيفة من قبل الحكومة اليمنية و خاصة من قبل حزب الشعب الاشتراكي. و اتهمت بأنها تلعب لعبة الاستعمار و التجزئة. إن رابطة الجنوب العربي هي أقدم منظمة في عدن و محميتها. و قد شهدت في البدء ازدهارا كبيراً. إلا أنها تعرضت منذ عام 1956 إلى هزات و أزمات متلاحقة أدت إلى عدة انقسامات ذات طابع يساري في قيادتها. و قد نالت الانسحابات التي شملت قسماً من جهاز الرابطة القيادي، من قوة الرابطة. و قد انظاف إلى هذا الخلل الذي لحق بتكوين الرابطة، تهديم السلطات لما تبقى من جهازها، و مصادرة صحيفتها الناطقة باسمها بعد إبعاد قادتها الرئيسيين. و على الرغم من هذه النكسة، فإن الرابطة ما تزال تتمتع بشعبية لدى الأوساط الوطنية التقليدية، و لدى بعض القبائل ، و كذلك لدى سكان الريف في المحمية ، و خاصة لدى البرجوازية الوطنية الناشئة . فقد اقتربت هذه الطبقة من الرابطة لأنها وجدت الأفكار الاشتراكية لدى حزب الشعب الاشتراكي فعالية في الثورية، و تثير القلق. حزب الشعب الاشتراكي: إن حزب الشعب الاشتراكي هو دون شك أهم المنظمات، لا في عدن فحسب، بل في الجزيرة العربية بوجه عام. فهو الوريث الشرعي للجبهة الوطنية الموحدة. و قد تأسس عام 1962 من اجل مقاومة المشاريع البريطانية. أما مؤسس هذا الحزب فهو اتحاد نقابات عمال عدن، الذي حاول أن يتجنب أخطاء الحركات الأخرى بشكل جعله مركزاً حزبياً لجميع الذين انشقوا عن المنظمات المتنافسة. إن حزب الشعب الاشتراكي يدين الوجود البريطاني في اليمن الجنوبي، و يدين الاتحاد الذي يجد فيه محاولة موجهة لفصل الجنوب نهائياً عن الشمال. و يطالب بإرجاعه إلى الوطن الأم. و كل حركة تحاول بشكل أو بآخر أن تقف عقبة في وجه هذه العودة، تعتبر حركة انفصالية. و هذا ما حصل بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي و للحزب الوطني الاتحادي، و إلى حد ما لرابطة الجنوب العربي. إلا أن هذه الأحزاب ترد التهمة و خاصة الرابطة التي تحمّل حزب الشعب الاشتراكي مسؤولية شطر الحركة الوطنية. أما برنامج الحزب فيدعو إلى أفكار وحدوية متقدمة كثيراً، إلا انه مطبوعة بطابع يمني واضح و صريح يتهمه خصومه بأنه طابع توسعي. و يتضمن برنامج الحزب النقاط الأساسية الثلاثة التالية: 1 ـ زوال الاستعمار بشكل كلّي و فوري، و كذلك القواعد المرتكزة على المعاهدات غير المتكافئة. 2 ـ رفض تكوين كيان خاص باليمن الجنوبي. 3 ـ التعجيل في إعادة ربط الجنوب المحتل بالشمال المتحرر. إن هذا البرنامج يقلل من أهمية الصفة الوطنية لليمن الجنوبي، و يصطدم تحقيقه من جهة أخرى بعدة عقبات أهمها: 1 ـ عداء الأمراء، و الأحزاب العدنية المدعومة من السلطة الاستعمارية. 2 ـ معارضة رابطة الجنوب العربي. 3 ـ تأرجح الموقف الشعبي. و الحقيقة انه، لا الأمراء، و لا حلفائهم الإنجليز، عازمون على تقديم عدن و محميتها إلى اليمن على طبق. أما العدنيون، فعواطفهم الانفصالية معروفة منذ زمن طويل. كذلك فإن رابطة الجنوب العربي ترتاب في موقف حزب الشعب الاشتراكي و تخشى أن يجعل من القومية اليمنية شعاراً للمزايدة يفرضه على شعب اليمن الجنوبي رغم أنفه، و أن يتجاهل التطلعات الحقيقية لهذا الشعب. كما أنها تعتبر تصلب حزب الشعب الاشتراكي عاملاً في تقوية النزعات الانفصالية على حساب الوحدة الوطنية. و هذه الحجج صحيحة إلى حد بعيد. ذلك لأن الإقليمية هي دوماً مغروسة في أذهان الناس و لأن الناس ما يزالون غير مالكين لصورة المستقبل بشكل محدد، لسبب بسيط و هو أنهم لم يُسألوا عن رأيهم بعد حول مستقبل البلاد. لذلك كان مجال عمل الحركة المؤيدة للدمج العضوي مع اليمن التي يبعثها حزب الشعب الاشتراكي، مقتصراً على عدن. فلا يكفي أن يقال بأن شعب اليمن الجنوبي في أكثريته الساحقة يرغب الدمج. بل يجب أن تعطى له الفرصة ليعبر بوضوح عن رأيه و عندئذ يُعرف رأيه. و ليس غير اللجوء إلى الاستفتاء يمكن أن يقرر شيئاً حاسماً بالنسبة إلى المستقبل. تابع الصفحة التالية مع تحياتي أخوكم: أنا هو.
التعديل الأخير تم بواسطة أنا هو ; 05-22-2006 الساعة 06:03 AM |
#184
|
||||
|
||||
إلى جانب الحركة المؤيدة لليمن، توجد في حضرموت حركة موالية لوحدة المنطقة الشرقية و استقلالها، و مناهضة لمبدأ الالتحاق باليمن. و الحقيقة انه منذ اكتشاف البترول في المنطقة الشرقية، أصبحت فكرة المناداة بحضرموت دولة مستقلة، ذات إغراء كبير بالنسبة إلى السلاطين، يؤيدهم في ذلك معظم سكان المنطقة، كما يلقون تشجيعاً على هذه الفكرة من الإنجليز بشكل خفي. و يكفي أن تأتيهم الفرصة السانحة حتى يعلنوا استقلالهم. و هكذا فإن خصوم حزب الشعب الاشتراكي و معارضيه يملكون أسلحة متعددة لمحاربة مشروعاته، و يطمحون إلى قلب الوضع لمصلحة اليمن الجنوبي. و عندئذ ينتصر المخطط البريطاني الذي يسعى قبل أن تنسحب انجلترا من المنطقة، إلى تكريس الانفصال النهائي بين الشمال و الجنوب. و يبدو أن حزب الشعب الاشتراكي قد أدرك ذلك، لذلك تحول عن موقفه الأول، و أعلن استعداده للموافقة على استقلال عدن و المحمية. و يطالب بحق تقريرا المصير. و يبدو من خلال ما كتبته صحيفة أسبوعية في الكويت ( 2 ) ، إن الحزب قد عقد اتفاقاً مبدئياً مع حزب العمال البريطاني بموجبه يلتزم هذا الأخير بحق شعب اليمن الجنوبي بتقرير مصيره بنفسه عندما يصبح في السلطة . و بالمقابل يقبل حزب الشعب الاشتراكي بمبدأ تأجير قاعدة عدن للبريطانيين لمدة محددة. و يعتبر ذلك تراجعاً هاماً بالنسبة لمواقف الحزب السابقة. إلا أن حزب الشعب الاشتراكي لا يتوقف رغم ذلك عن متابعة حملته من أجل الرجوع إلى الوطن الأم. و هو يعتمد من أجل كسب الرأي العام في الداخل بوجهة نظره، على جهاز دعايته الذي نجح في كسب الرأي العام في عدن. و هو يظهر واقعية سياسية كانت أول نتائجها الطبيعية، التقارب بينه و بين رابطة الجنوب العربي. فقد قرر الطرفان (3) إنشاء جبهة موحدة ضد السلطتين الاستعمارية و الاتحادية. و عندما تقوى هذه الجبهة لا بد أن يكون لها تأثير ايجابي على ازدهار الحركة الوطنية. إن حزب الشعب الاشتراكي يملك في عدن قاعدة شعبية ضخمة. و تتألف جماهير الحزب من طبقة العمال و من فئات المستخدمين و صغار الموظفي و التجار و الشبيبة المثقفة. إلا أن دعامته الأساسية دوماً في اتحاد نقابات عدن. كما أن لحزب الشعب الاشتراكي تأثيراً كبيراً في أوساط المهاجرين اليمنيين الذين يعيشون في عدن. و هو يشكل مع رابطة الجنوب العربي المعارضة الوطنية التي عبرت عن نفسها من خلال الانفجاريات الشعبية و من خلال الثورة المسلحة. و في عدن نفسها عمت الاضطرابات و المظاهرات الجماهيرية و العصيان المدني ، و أعلن اتحاد العمال عن عزمه على مقاومة السياسة البريطانية لحكومة المحافظين بكل الوسائل الممكنة ، بما فيها الاغتيالات التي تعددت و اشتدت. و قد تسربت الاضطرابات إلى الداخل بسرعة حيث نجحت جبهة التحرير القومية (4) في إثارة القبائل ضد الإنجليز و الأمراء في ( ردفان ) ( إمارة الضالع ) و في يافع. و قد تصدت السلطات بعنف لموجة الهجوم هذه، و بذلت جهداً كبيراً من أجل القضاء على المعارضة و تحطيم أداتها. و اشتركت القوات الاتحادية و الإنجليزية في إخماد ثورة القبائل. و أصبح استخدام الطائرات المطاردة و قاذفات القنابل شيئاً مألوفاً. و قد جرى قذف و تدمير عدد كبير من القرى. و كان الطيران الملكي يطارد الثوار اللاجئين إلى الجبال أو في المناطق المتاخمة لليمن. و بحجة تدخل اليمن في الشؤون الداخلية للاتحاد، قامت وحدات الطيران بغارات على الجبهة اليمنية في حريب، و توجهت تعزيزات من انجلترا و ألمانيا إلى إمارة الضالع لدعم الجيش الاتحادي. و رغم ذلك فإنها لم تتمكن من القضاء على الثورة . و على وجه الأجمال، فإن العمل المركز الذي قام به الوطنيون الذين حققوا فيما بينهم مصالحة جزئية في المستعمرة، و الثورة في الداخل، قد هزت بعنف ركائز الدولة الاتحادية و أزعجت الإنجليز كثيراً. و أصبح موضوع تعميم العمل المسلح على جميع أنحاء البلاد هو مركز الاهتمام. إلا أن جدوى هذه الخطوة الشاملة بدت رهناً باتفاق المنظمتين الرئيسيتين سلفاً من أجل تنظيم و دعم مشترك لهذه الحملة. لأنه على الرغم من أن حزب الشعب الاشتراكي و رابطة الجنوب العربي هما هيئتان معاديتان للاستعمار و وطنيتان، إلا أنهما تصدران على صعيد المبادئ عن وجهتي نظر متقابلتين و متباعدتين. علماً بأنهما على صعيد الموقف العملي يجمعاهما هدف توحيد الشمال و الجنوب. و بكلمة واحدة فإن خلافاتهما سطحية و تتناول الوسائل لا الغايات. و على الرغم من اختلاف مواقف الأحزاب، فهي بوجه عام تتفق على إدانة الاستعمار و في هدف تحرير البلاد. فالأحزاب الليبرالية ( حزب المؤتمر الشعبي و الحزب الوطني الموحد ) كانت تفهم الاستقلال من خلال مفهوم التعاون المتبادل مع الإنجليز، و لا ترى ضرورة لأن يكون الاستقلال مصحوباً بقطيعة مع بريطانيا. فهو يمكن أن يكون المحطة الأخيرة في مراحل انحسار الاستعمار. و قد كان الأمراء يؤيدون وجهة النظر هذه. أما الأحزاب الوطنية فقد كانت تتطلع حسب تعبيرها إلى تخليص المنطقة من النفوذ الإنجليزي مرة واحدة بواسطة العنف. إن مفهوم التحرير بالنسبة ( للجنوبيين ) يعني تحرراً كاملاً يؤكد شخصية الجنوب دون أن يؤدي ذلك إلى استبعاد إقامة علاقة وثيقة مع اليمن بعد الحصول على الاستقلال. و هم يعتبرون مفهومهم هذا نموذجاً صالحاً للتطبيق في نطاق الوحدة العربية. فالوحدة تتوقف على حصول كل بلد عربي على استقلاله السياسي و الاقتصادي. أما ( الشماليين ) فيعتبرون التحرير مرحلة ضرورية و كافية لتحقيق الوحدة غير المشروطة مع اليمن. و يعتبر حزب الشعب الاشتراكي لسانهم الناطق باسمهم.و هكذا فإن نشاط الأحزاب السياسية لا ينصرف إلى الكفاح ضد الاستعمار فحسب، بل إن قسماً هاماً من هذا الكفاح يتركز على الهدف المباشر بعد الاستقلال. لذلك فإن نهاية مرحلة النضال ضد الاستعمار ترافق بداية مرحلة الصراع الأيدلوجي بين الأحزاب السياسية. الخصائص الرئيسية للأحزاب يتميز الوضع الحزبي في اليمن الجنوبي بالملامح الأساسية الثلاثة الآتية: 1 ـ التمركز في المدينة. 2 ـ عدم وجود حزب يجسّد الصفة الوطنية. 3 ـ غياب الأيدلوجية. هناك خصائص أخرى دون شك إلا أنها ذات قيمة ثانوية، و أبرزها كون قيادات الأحزاب تمثل قيادة النخبة المحدودة العدد، فالقيادات هي بالفعل أشبه بعصبة من القادة. حتى حزب الشعب الاشتراكي الذي هو منظمة جماهيرية، لم تأخذ القيادة فيه طابعاً آخر مختلفاً عن هذا الطابع العصبوي ( الأولغاركي ). التمركز في المدينة: ما يزال الانتظام داخلا الأحزاب محدوداً في المكان. فالأحزاب الوطنية ليس لها وجود خارج مراكز المدن في عدن و في الداخل. و التجمعات السياسية الموالية للإنجليز يقتصر وجودها على المستعمرة. و جميع الأحزاب تتخذ من عدن مركزاً لقيادتها. و فيها يتجمع القسم الأكبر من مؤيديها. و قلما يساهم سكان الريف و رجال البدو في النشاط الحزبي. لذلك لا يوجد حزب يجسد الصفة الوطنية. و سبب ذلك يرجع إلى زمرتين من الصعوبات: 1 ـ الأولى تتعلق بالتكوين الاجتماعي: ففي المحمية، تبدو ظاهرة الحزبية غريبة عن الوسط التقليدي. لأنها تصطدم بنوع من العطالة في التركيب الاجتماعي الذي تشكل القبيلة الخلية الحية فيه. ففي الحالة الراهنة للاقتصاد يبدو المجتمع القبلي من جميع الوجوه حالة من التوازن الطبقي توصل إليها مجتمع لا يعرف تقدماً أو تقهقراًً اقتصادياً إلا في حالات استثنائية. إذن لا بد من تغيير العامل الاقتصادي لحالة التوازن الساكن حتى يتوفر المجال لتطور العامل الاجتماعي أو لحدوث طفرة فيه (5). ضمن هذه الشروط لم تجد ظاهرة الحزبية سوى المدينة مستقراً لها. و قد دفع الشعور بأهمية هذه المشكلة قادة رابطة الجنوب العربي و قادة الجبهة الوطنية الموحدة ثم حزب الشعب الاشتراكي، إلى التصدي لها، و إلى محاولة التسرب إلى داخل القبائل. بيد أن حالة الانقسام و التجزئة التي تعم البلاد جعلت مصيرا كل تدخل مباشر خارجي الفشل نظراً للروح السلبية التي تقابل بها القبائل كل محاولة صادرة عن مراكز المدن. و ذلك يفسر السبب الذي دفع الأحزاب لأن تتخذ خلال فترة من الزمن من المدن التي تعبر فيها القبائل ( المكلا و سيئون ) أو من المراكز التجارية المشتركة لمجموعة من القبائل ( تريم ) أو من المناطق القريبة من عدن ( لحج و جعار و زنجبار )، مراكز لدعايتها. إن طابع الانتشار في المدن لم يكن نتيجة لطبيعة التركيب الاجتماعي فحسب، بل كان أيضا نتيجة لوجود عوائق تتعلق بمجمل الأوضاع و الظروف. 2 ـ الزمرة الثانية من الصعوبات: إذا كان وجود الأحزاب أمراً تحتمله السلطات في المستعمرة، إلا أنها تحظره في المحمية. و قد تم إغلاق مراكز الدعاية منذ عدة سنوات من قبل السلطات المحلية التي اعتبرتها أداة للاضطرابات.و هكذا فإننا لا نعثر داخل البلاد على أي أثر لحياة حزبية. و الحياة السياسية تجري على منوال واحد. فهي عبارة عن حوار بين الأمراء و بين المقيمين البريطانيين. و لم يكن في وسع أحد الطرفين أن يتصور أن طرفاً ثالثاً يمكن أن يتدخل في هذه العلاقة الثقافية المحاطة بمنتهى السرية في معظم الأحيان. لذلك فإن منع الحياة الحزبية يدفع بالأحزاب إلى التزام السرية في نشاطها. و على سبيل المثال نجد ( الحزب الوطني القعيطي ) يتأسس عام 1948 في المكلا ( حضرموت )، و بعد قيام الاضطرابات عام 1949 ـ 1950، يجري حله، و يحال قادته الرئيسيين أمام محكمة خاصة. و منذ ذلك الحين لم تقم محاولة جدية لتأسيس حزب بصورة رسمية، إلا أننا نلاحظ خلال الفترة التي شهدت منع الأحزاب 1950 ـ 1954، نشوء نواد و جمعيات على غرار عدن عرفت ازدهاراً كبيراً، و لعبت عملياً دور التوعية السياسية. و قد تركز نشاطها الذي ترددت أصداؤه في الصحف المحلية على تحرير الإمارات من النظم ذات الطابع الفردي. و على وجه العموم، نلاحظ أنه فيما عدا الاهتمام الذي يبديه سكان حضرموت ( الرابطة الحضرمية ) و لحج بالشؤون العامة، فإن ما تبقى من الشعب في المحمية يظهر إعراضاً عن الاهتمام بالأمور السياسية. و لا شك أن الانغلاق و الجهل هما السبب في هذا التخلف. إلا أن الأحزاب نفسها تتحمل بعض المسؤولية أيضا من حيث أن جهودها تفتقر إلى عنصر الترابط. فطالما أن المنظمات ذات الصفة التمثيلية الحقيقية، و التي تملك سمعة لدى الشعب، لا توحّد نشاطها و تجمع جهودها ضمن تيار مشترك من شأنه أن يقوم بعملية التوعية الجماهيرية و التربية السياسية، فإنها ستبقى بعيدة عن القدرة على التغلب على النزعة القبلية بسهولة. و البلاد ما تزال تحتاج إلى تشكيل سياسي يملك تنظيماً يمكنه: 1 ـ من الوصول إلى ابسط قرية، 2 ـ المساهمة في إيقاظ وعي قوي حقيقي، 3 ـ من إقامة نظام مركزي قوي يستطيع أن يضع حلولاً سريعة و حاسمة لمختلف مشاكل البلاد. عدم وجود حزب يجسد الصفة الوطنية: يوجد في عدن حوالي عشرة أحزاب، في داخل كل منها يمكن أن نلاحظ اتجاهات مختلفة. إن تعدد التيارات الذي كان شائعاً في الماضي، قد أفسح المجال أمام الانقسامات و التجزئة، التي ولدت بدورها تيارات مركزية و متطرفة. إلا إن هذا التعدد في الأحزاب لم ينتج عنه أي تجمع سياسي قادر على تمثيل دور المفاوض مع المملكة المتحدة. أن السيمياء العامة لتنظيم الأحزاب الرئيسية، تتجلى جملة على النحو التالي: ـ التيار المعتدل، في الماضي كان ممثلاً في ( الرابطة العدنية ) و في الحاضر يمثله:حزب المؤتمر الشعبي، الحزب الحر الديمقراطي، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الاتحادي. ـ التيار الوطني، في الماضي كان ممثلاُ في ( الجبهة الوطنية الموحدة ) و في الحاضر يمثله:رابطة الجنوب العربي، حزب الشعب الاشتراكي، الاتحاد الديمقراطي الشعبي. أما عن الصيغة العامة للتطور التاريخي للحياة الحزبية، فيمكن أن نشير إلى أن تطور القوى السياسية في عدن قد تميز خلال السنوات العشر السابقة بسيطرة عاملين: العامل الأول يتعلق بتصدع الأحزاب القديمة التي كانت تفتقر إلى التمايز، و حلول أحزاب متميزة و مستقلة محلها. و قد مس هذا التصدع الأحزاب المعتدلة. فانقسمت الرابطة العدنية إلى عدة تيارات محافظة كما يظهر مما سبق. و يرجع هذا التفكك إلى التغير الذي طرأ على اتجاه السياسة الإنجليزية منذ عام 1961. أما العامل الثاني فيتعلق بالاستقرار النسبي في وضع الأحزاب التقدمية. صحيح أنها شهدت بدورها انقسامات، إلا أنها بقيت ضمن حدود غير منظورة، لذلك نجد التجمعات الأولية السابقة نفسها سواء بتسمياتها الأصلية ( رابطة الجنوب العربي ) أو بأسمائها الجديدة ( حزب الشعب الاشتراكي ). فالتحول في زمرة الأحزاب التقدمية كان على صعيد الأفكار. فقد قامت في وجه التقدمية الليبرالية، تقدمية إصلاحية ن بل اشتراكية ثورية ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ). أما عن درجة التمثيل للشعب التي تتوفر في أحزاب الجنوب العربي، فهي حسب تقدير مجلة الرائد العربية في نهاية 1962، كما يلي (6): 90 % من العرب في المستعمرة يؤيدون الأحزاب التقدمية، 7 % من السكان يؤيدون الحزب الوطني الاتحادي، 3 % فقط يناصرون حزبا المؤتمر الشعبي. إلا أن الوضع قد تبدل بعد ذلك التاريخ، فقد نجح حزب الشعب الاشتراكي في تدمير مواقع الحزب الوطني الاتحادي و حزب المؤتمر الشعبي. و هو يتمتع بتأييد مجموع السكان العرب في المستعمرة تقريباً. و هم يشكلون ثلاثة أرباع مجموع السكان. و قد كشفت الأحداث عن صحة ذلك، كما كشفت عن العزلة الصارخة التي يعيش فيها المعتدلون. فقد تفجرت أزمة داخلية خطيرة بين صفوف الأحزاب المعتدلة عقب ثورة اليمن ( 26 سبتمبر 1962 ). فقد قدم عدد من الوزراء، و هم أعضاء في الحزب الوطني الاتحادي الحاكم، استقالته احتجاجاً على رفض الحكومة البريطانية تأجيل تنفيذ مشروع دمج المستعمرة في اتحاد الجنوب العربي. و قد كان هذا الانسحاب ضربة قاصمة للحزب الوطني الاتحادي. و رغم كل ما قيل، فإن درجة تمثيل الأحزاب على مستوى مجموع البلاد، ما تزال ضعيفة مهما حملت من شعارات. و السبب يعود إلى أن الهوة السياسية ما تزال متمركزة في عدن، كما يرجع أيضاً إلى التعدد غير المعقول في عدد الأحزاب. و على كل حال، فإنه ليس من المغالاة في شيء القول بأنه ليس من المتوقع ضمن خط السير الذي تسير فيه حالياً حركة التحرير، أن يظهر حزب يمثل في أعين الشعب ضمانة للمصير الوطني. فالحقيقة هي أن الظروف التي سوف تحيط بالاستقلال قد لا تسمح لأيه منظمة سياسية مهما كانت تفوق المنظمات الأخرى في شعبيتها، بأن تكتسب حق التفاوض مع المستعمر، و بأن تنتزع أمام أعين الجماهير نعمة الاستقلال و السيادة. فالقوى السياسية هي على حال من الضعف و التشتت بشكل لا تستطيع واحدة منها أن تتوصل إلى إزاحة الآخرين المنافسين و أن تفرض نفسها. و الإنجليز أنفسهم لم يعملوا على تشجيع حزب للاستقلال يقوده الأمراء، كما فعلت في ماليزيا حيث لعب حزب الاتحاد هذا الدور. في مثل هذه الشروط التي لا أمل فيها بظهور حزب موحد، يشكل تعدد الأحزاب نقطة ضعف خطيرة في جدار الوحدة السياسية للبلاد. كما يشكل عاملاً في الافتقار إلى برامج هادفة تتطلع إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، و في جهل الشروط الموضوعية الداخلية. فالأحزاب لم تلجأ بعد إلى تحليل معمق أو حتى إلى تحليل جزئي لتلك الشروط. و مرد ذلك إلى عدم وجود الأيدلوجية المحددة. فجميع أحزاب الجنوب العربي هي في الواقع بدون أيدلوجية تقريباً. و من هنا كان الخطر في أن تصبح الديماغوجية هي القاعدة العامة. غياب الأيدلوجية السياسية المحددة: هناك خطأن أيدلوجيان كبيران يتقاسمان العالم اليوم، كل منهما يناقض الآخر في جميع المجالات. إن هذا التعارض بين النظرية الماركسية و بين الفلسفة الليبرالية يضم بصورة خاصة بلاد العالم الثالث التي تفتش عن الطريق الذي يسمح لها بالتغلب على التخلف بصورة عامة. و معظم هذه البلاد يستبعد النظرية الرأسمالية لسببين رئيسيين: 1 ـ لأنها تبدو ملازمة للنزعة الاستعمارية و للإمبريالية، 2 ـ لأنها لا تعرف إمكانيات تحقيق تطور منسجم و سريع. إن هذا الرفض للديمقراطية الليبرالية من شأنه أن يوجه الأنظار باتجاه المفهوم الماركسي للتطور الاجتماعي الجدلي، لأنه يستجيب استجابة أفضل لمتطلبات النضال ضد التخلف. إن مثال بلدان أوروبا الوسطاء و آسيا، قد برهن برهاناً قاطعاً على نجوع الطريق الاشتراكي العلمي الأصيل. فقد أناح لهم هذا الطريق المجال لتلافي التخلف الاقتصادي و الاجتماعي خلال فترة قصيرة. إلا أن عدداً كبيراً من بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية، قد استبعدت طريق الماركسية كما استبعدت طريق الديمقراطية الليبرالية. و خاصة بعض العالم العربي الذي يبدو بأنه اختار طريقاً وسطاً بين الأيدلوجيتين، هو طريق الاشتراكية العربية الذي ينكر وجود طبقات اجتماعية متصارعة، و يطمح في تنظيم الجماهير داخل حزب واحد ليس له محتوى بروليتاري. أما بالنسبة لليمن الجنوبي، فقد كان العامل الحاسم هو التطور الفكري الذي حصل في مصر خلال الفترة بين عام 1958 ـ 1961. فقد كان لاختيار الجمهورية العربية طريق الاشتراكية العربية وقع كبير لدى القادة الوطنيين في اليمن الجنوبي. و قد أنضاف إلى هذا التأثير، تأثيران آخران يتمثل أحدهم في حزب البعث العربي الاشتراكي و الآخر في حزب العمال البريطاني. و يمكن حصر العوامل التي دفعت إلى رفض الماركسية باسم نزعة مثالية طوباوية و اشتراكية ذات طابع إصلاحي يكتنفه الغموض، في عاملين رئيسيين: الوسط الاجتماعي و الدين. أما العامل الاقتصادي فيشكل عضواً ثانوياً و لا يتدخل مع الأسف إلا بصفته عاملاً ثانوياً. الوسط الاجتماعي: إن غالبية الموجهين و القادة يفكرون بأن مجتمع اليمن الجنوبي هو مجتمع لا توجد فيه طبقات مختلفة محددة. إنهم يسلمون بوجود عدة فئات اجتماعية كالقبائل و الفلاحين و التجار و العمال و المستخدمين.. الخ، إلا أنهم سريعاً ما يقولون بأن هذه الفئات الاجتماعية المختلفة ليست بالضرورة في حالة صراع دائم ، لأنها كما يقولون ليست منتظمة على شكل طبقات مسيطرة و طبقات واقعة تحت السيطرة . و هم يستندون إلى القول بأن البلاد ما تزال غير مُصنعة. و بأن مستوى التقنيات لم يخلق بعض نظام الطبقات. و أخيرا يؤكدون على ان التمايز الاجتماعي هو في أدنى مستوياته، و يتخذون من ذلك كله حجة نظرية لدحض المبدأ الماركسي الذي يعتبر الخصومات السياسية محصلة للتركيبات الاجتماعية و الاقتصادية. و بكلمة واحدة، فان الصراع الطبقي ظاهرة غير معترفا به و مجهولة. و يعارضه مفهوم جمع الشعب ضمن حركة اتحاد قومي. و هذا التحالف يشكل في نظر بعض القادة و المثقفين الوسيلة الوحيدة للتغلب على الفردية البرجوازية و لتعزيز الاندفاعات الجماعية. و هم على غرار الكثيرين من القادة الإفريقيين و الآسيويين يعلنون تفضيلهم للطرق التي تمت بموجبها التنمية الاقتصادية و التحول الاجتماعي في البلدان ذات النظم الاشتراكية، دون انتساب إلى نظرية ماركس. و بتعبير آخر يستبعدون إقامة دكتاتورية انتقالية للبروليتاريا مع تأكيدهم على اتجاههم في تشجيع تملك الدولة للوسائل الرئيسية للإنتاج و التبادل، و في تعميم الطابع الجماعي بشكل طوعي على الحياة الزراعية. أن هذا المفهوم الجديد للاشتراكية هو السائد حالياً في اليمن الجنوبي، كما هو في كل مكان حيث يجتاز المجتمع مرحلة الانتقال بين اضمحلال النظام الاستعماري و بزوغ فجر الاستقلال. فالقادة التقدميون يعتبرون أنفسهم ممثلين لطبقة العاملة في طورها ألجنيني أو للطبقات المتوسطة فحسب، بل لجميع المواطنين مهما كان انتماؤهم الاجتماعي. فهم يؤلفون بين الاشتراكية و بين القومية. في حين أن القومية في اليمن الجنوبي مطبوعة بطابع العقائد الدينية . الدين: يلعب الدين في اليمن الجنوبي و في العالم العربي بوجه عام دوراً كبيراً. فالإسلام يملك في هذه البقعة طابعاً قومياً عميقاً. فهو يشكل جزءاً لا يتجزأ من حركة الكفاح ضد الاستعمار في اليمن الجنوبي، و يمتزج بأهدافه في المقاومة و التحرير. و التعلق بالإسلام هو في الوقت نفسه تعلق بالقضية القومية (7). و هذا ما يفسر السبب الذي يدفع قسماً كبيراً من القادة العرب، باستثناء الشيوعيين طبعاً، إلى التأكيد على أهمية الدين في كل منحى أيدلوجي، لأن الإسلام يمثل قوة مسيطرة. و هو الذي يشكل عاملاً قوياً في مقاومة الماركسية الملحدة. إلا أن الإسلام يأخذ في أذهان رجال السياسة، و بصورة خاصة المثقفين، شكلاً متجدداً. فهم يرون أن الدين الإسلامي هو في جوهره بسيط واضح و عادل. و هو يأتلف مع جميع أنماط المجتمعات، أكثرها تقدماً ( مصر، تونس ) حتى أكثرها تخلفاً ( الجزيرة العربية ) . فهم بتعبير آخر، يحاولون أن يسترجعوا للإسلام . وجهه التقدمي ( مؤتمر جبهة التحرير الوطني الجزائري ). أي إن يستشفوا طابع الحياة المشتركة الجماعية الكامن فيه، و أن يلائموا بين تعاليمه و بين متطلبات القرن العشرين.ضمن هذه الشروط، و تحت تأثير العاملين السابقين، قامت نزعة إسلامية إصلاحية، و نزعة اشتراكية اختبارية، اعتبرها قادتها و قدموها على أنها تتلاءم مع أوضاع اليمن الجنوبي على أفضل شكل. تابع الصفحة التالية مع تحيات أخوكم: أنا هو.
|
#185
|
||||
|
||||
النزعة الإصلاحية و النزعة الاشتراكية: إن الأحزاب الوطنية هي التي أبدت اهتماماً بالمسألة الأيدلوجية، لأن المحافظين لم يكونوا يشغلون أنفسهم بذلك، فاختيارهم كان قد استقر منذ زمن طويل على الليبرالية الغربية: الاقتصاد الحر و النظام البرلماني. ففضلاً عن أن كل تصنيف للاتجاهات العقائدية يبدو تعسفياً واهياً، فإن كل منظمة قومية تقدمية تحتفظ بطابع خاص متفرد و رغم ذلك يمكن أن تميز تيارين عقائديين: ـ تيار إصلاحي، تمثله رابطة الجنوب العربي. ـ تيار يميل إلى الاشتراكية، يمثله حزب الشعب الاشتراكي، إلا أن هذا التصنيف يبقى نظرياً طالما أن كلا التيارين لم يوضعا بعد موضع التطبيق. النزعة الإصلاحية الإسلامية: إن هذا التيار يستمد منابعه إلى حد بعيد من التجربة المصرية في الفترة 1952 ـ 1961، أي المرحلة التي تقابل الفترة الانتقالية الاختبارية في تلك التجربة.فقد احتاجت مصر ( الناصرية ) إلى عشر سنوات تقريباً قبل إن تقف إلى صف الاشتراكية. و كانت خلال تلك الفترة تركز على بناء نظام سياسي قوي، و اقتصاد مختلط. و كان العسكريون يكرسون جهودهم للتوفيق بين التعاليم الدينية و بين أيدلوجيتهم. و من هنا كانت إقامة الإسلام كدين للدولة. و قد أُعجب قادة رابطة الجنوب العربي الذين عاشوا التجربة المصرية بهذا الموقف الفكري، و أصبح موقفهم بالتبني، فهم يطمحون إلى بناء دولة إسلامية ديمقراطية قائمة على أساس العدالة الاجتماعية و على أساس الإسلام و العروبة (8). و هم يقصدون بالعدالة الاجتماعية رفع مستوى معيشة الشعب و تحسينا الشروط الاجتماعية و الثقافية. لذلك فان حدود وجهة النظر هذه واضحة: فهي لا تتطلع إلى إحداث تحول جذري في العلاقات الاجتماعية، و لا إلى تغيير التركيب الاقتصادي. و مهما ادّعى قادة هذا التيار إنهم اشتراكيون، فإنهم يبقون في الواقع ضمن إطار مفهوم الاقتصاد المختلط. و هم يلوذون بالقومية العربية لا لنهم يعرفون بأن الوحدة هي أعز هدف لدى الجماهير، و أن مصير اليمن الجنوبي مرتبط بمصير الأمة العربية. و ينسون بأن الوحدة هدف بعيد يتطلب تحقيقه فكراً ناضجاً. و الخلاصة، فإننا نجد أنفسنا تجاه نزعة إصلاحية من النوع التقليدي، تجد مشقة في الانحياز إلى الاشتراكية في الجمهورية العربية المتحدة القائمة على امتلاك الدولة و إدارتها للاقتصاد الوطني. و رابطة الجنوب العربي ترغب في أن تجمع كل فئات الشعب في عملية بناء الدولة الإسلامية التي تشكل البرجوازية الوطنية عهودها الفقري. الاشتراكية الاختبارية: أن حزب الشعب الاشتراكي يشايع هذه النزعة. و هو يقدم نفسه كممثل للجناح اليساري في حركة التحرير الوطني. إلا انه لا يأخذ بالماركسية، و يدفع عن نفسه تهمة مشاركة الشيوعيين وجهات نظرهم. هؤلاء الشيوعيون الذين يشكلون منذ عام 1961 ديسمبر ( الاتحاد الديمقراطي الشعبي ) الذي يدعو للاشتراكية العلمية التي ما يزال الوسط الاجتماعي و النخبة على حد سواء بعيدين عن التأثر بها. إن اتحاد نقابات العمال ثم حزب الشعب الاشتراكي، قد تأثر كل منهما بحزب العمال البريطاني و بالجمهورية العربية المتحدة و بحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية. و هذا هو السبب في وجود تناقضان داخلية في كل منهما. إن قيام حزب العمال البريطاني بتأهيل الإطارات النقابية، و بإرسال المختصين بالتنظيم و بالعمل النقابي إلى عدن، و الدعم السياسي الذي كان يشد به أزر اتحاد النقابات في عدن، قد ترك تأثيره المعتدل على قاعدة حزب الشعب الاشتراكي الجماهيرية. كما نجح حزب العمال فترة من الزمن في توجيه النقابات وجهة المطالبة بالقضايا العمالية و تحديد نشاطها ضمن هذا الإطار، و إبقاءها داخل فلك الغرب ( الانضمام إلى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ). إلا أن اتحاد النقابات و الجبهة الوطنية المتحدة بادئ ذي بدء ن ثم حزب الشعب الاشتراكي بعدهما، بدأت منذ عام 1958 تتحرر من هذه الوصاية دون أن تقطع صلاتها مع حزب العمال البريطاني أو تترك الاتحاد الدولي للنقابات الحرة. لأن الحركة الاشتراكية بدأت تقوى في العراق و سورية و الجمهورية العربية المتحدة. و في عام 1960 يصرح اتحاد النقابات في عدن، بأنه سوف يعمل بعد الآن من أجل تحقيق مجتمع عربي اشتراكي (9). و حددت أهدافها بتحرير البلاد من الاستعمار و إعادة وحدة الشمال و اليمن الجنوبي و النضال ضد السلطة الاستعمارية و الإقطاعية. و في ميثاق حزب الشعب الاشتراكي، نجد انه يعلن عن عزمه على بناء مجتمع ديمقراطي و اشتراكي تسوده العدالة الاجتماعية. و في الوقت نفسه يعلن ولاءه للقومية العربية. و هو فيما يتعلق بالنقطة الأولى يميل إلى الإنجازات الاشتراكية التي تحققت في مصر منذ عام 1961 على شكل تأميمات سريعة للقطاعات الرئيسية و تدعيم للقطاع العام. أما على صعيد إدارة الاقتصاد، فهو يريد أن يشجع منذ البدء المشاركة الواسعة للعمال في قرارات الدولة عكس ما جرى في الجمهورية العربية المتحدة في الأصل. و إذا كان حزب الشعب الاشتراكي قد رفض حتى الآن صيغة الاتحاد القومي ذات الطابع البرجوازي، فهو لا يستبعد التعاون مع البرجوازية الوطنية شريطة أن لا يحول ذلك دون متابعته للنضال من اجل أهدافه الثورية. و هو من جهة ثانية لا يكتم آرائه في الكفاح ضد الإقطاعية و الإقطاعيين. إن نقطة الضعف في هذا كله تتلخص في أمرين: 1ـ أن التعاون بين حزب الشعب الاشتراكي الذي انبثق عن النقابات، و بين البرجوازية، هو ضرب من النظرية الطوباوية، على الأقل على المدى البعيد، بحكم تناقض مصالحها. 2 ـ أن النضال ضد الإقطاعية يتضمن تحديداً لموقف أو لسياسة تجاه طبقة الفلاحين لم يعلن عنها حزب الشعب الاشتراكي بعد، نظراً لعدم وجود ركائز له في أوساط الريف، و لأنه يجهل كل شيء عن قضاياه. يبقى موضوع القومية العربية. فحزب الشعب الاشتراكي شأن رابطة الجنوب العربي، اتجهت نظرته إلى أوساط المدينة وحدها. و مع ذلك فهو يريد أن يكون أول من يحمل شعار القومية العربية، لأن هذا الشعار قد أصبح مركز الحزب في الضواحي. و الخلاصة فان المسافة بين نزعة رابطة الجنوب العربي الإصلاحية و بين اتجاه حزب الشعب الاشتراكي، ليست كبيرة. على كل حال هناك فرق ملحوظ في مفهوماهما فيما يخص الشكل الذي يجب إن تأخذه دولة اليمن الجنوبي في المستقبل. فرابطة الجنوب العربي تريدها دولة إسلامية، و حزب الشعب الاشتراكي يريدها دولة اشتراكية. و نحن لا نعرف بعد شيئاً عن موقف هذا الأخير من المسألة الدينية. و المؤكد على كل حال، هو أنه لن يجرؤ على التصدي إليها بشكل مكشوف. و ثمة فرق آخر يتعلق بتحرر المرآة لا يمكن تجاهله. ففي حين أن رابطة الجنوب العربي تلتزم الصمت حول هذه النقطة مداراة لرجال الدين، يجعل حزب الشعب الاشتراكي من تحرر المرآة مسألة سياسية من الدرجة الأولى. و أخيرا نقطة مشتركة بينهما، و هي التزام مبدأ الحياد و عدم الانحياز، المبدأ الذي يتعارض مع رغبة الأوساط المعتدلة التي تريد أن تسلك سياسة خارجية قائمة على محاربة الشيوعية بصورة عمياء. و بصورة عامة فإن الأحزاب السياسية بدون استثناء، تتجنب القضايا التي سوف تطرحها المرحلة اللاحقة بالمرحلة الاستعمارية، و البلاد على أهبة الحصول على الاستقلال. و أشد خطورة من ذلك هو الغياب الكلي تقريباً للاهتمامات الاقتصادية و الاجتماعية الجدية. أما السبب فيجب التماسه في القادة أنفسهم الذين لا يملكون معرفة جيدة بسياق الأوضاع في اليمن الجنوبي، و لا رؤيا واضحة للعقبات الاقتصادية و الاجتماعية التي سوف يواجهونها في القريب العاجل. فهم يركزون جهودهم كلها على تغيير الأوضاع و على استلام السلطة. و برامجهم لا تتعدى النطاق السياسي، و تطغى على تفكيرهم الاهتمامات المباشرة و الانتهازية. و هم يدورون حول بعض الشعارات: ـ طرد الإمبريالية. ـ القضاء على عملاء الاستعمار و على الإقطاعيين. ـ الاستقلال و الديمقراطية. ـ الوحدة العربية و الاشتراكية العربية. إن الأحزاب السياسية تردد هذه الشعارات دون أن تبذل أي جهد لتحديد محتواها، أو الإشارة إلى الوسائل التي بواسطتها ستحول تلك الشعارات إلى أفعال، أو التحليل المعمق للوضع، لسبب بسيط هو عدم وجود مناضلين محترفين و إطارات مؤهلة. و بالنتيجة، فأن التقدميين قد تبنوا كل ما ورد في بنود الميثاق الوطني الذي قدمه الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر القوى الشعبية عام 1962. هذا الميثاق الذي يربط الوحدة العربية بتطور الاشتراكية العربية داخل كل بلد، و يدعو الشعب لبناء هذه الاشتراكية، و يشدّد على وحدة الهدف ( الحرية الاشتراكية و الوحدة ) . و يجعل من مصر نموذجاً للتطور الاشتراكي ( الاشتراكية الديمقراطية التعاونية ). أما الإدارة السياسية لهذه الاشتراكية فهي الحزب الواحد ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) (10). إن قادة حزب الشعب الاشتراكي يرغبون في احتذاء مثال الجمهورية العربية المتحدة، و يتبنون دون مناقشة الأفكار السابقة، و دون أن يتساءلوا فيما إذا كانت تنطبق فعلاً على التكوين الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للبلاد. فهمهم الأكبر هو مع الأسف التفتيش عن الدعم الجماهيري عن طريق استخدام شعارات ديماغوجية لا واعية. أن الوحدة العربية على أساس اشتراكي هو غاية المنى. إلا أن تحقيق وحدة صلبة راسخة يتطلب قبل كل شيء أخذ الأوضاع الخاصة بعين الاعتبار و إدراك أهمية العوامل الاقتصادية. (1) عبده العضال. ( أهذا كتاب أبيض ) القاهرة 1962، ص 17 . (2) الطليعة، العدد 72، تاريخ 11 مارس 1964. (3) لوموند، 28 ديسمبر 1963. (4) عند كتابة هذه الصفحات، لم يكن المؤلف يملك معلومات مفصلة عن هذه المنظمة التي أنشئت حديثاً بمؤازرة حركة القوميين العرب ( المترجم ). (5) مجلة أفريقيا و آسيا، العدد 44. (6) الرائد ( المكلا ) العدد 96، سبتمبر 1962. (7) ارنولت، ص 243 (8) وثيقة نُشرت في القاهرة في مايو 1959. (9) مجلة الشرق الأوسط ( و ت ) الجزء 16، العدد 4، نيويورك 1962. (10) كولات، ص 174. نهاية الفصل السادس . الفصل السابع القضايا الخارجية لـ (( إتحاد الجنوب العربي )) تعود المشكلات التي واجهها الاتحاد بعد نشوئه، إلى زمن بعيد سابق لنشوئه. فهي ملازمة للتركيب الاجتماعي و الاقتصادي، و الإنجليز يتحملون القسط الأوفر من المسؤولية في خلق هذه المشكلات، لأن سياستهم بدلاً من أن تشجع على إصلاح البنية الاجتماعية و الاقتصادية لليمن الجنوبي في مجموعه، و تعمل على تهدئة الخواطر ، عمدت على العكس ، إلى إغراق البلاد في أوضاع التأزم . و تتركز تلك المشكلات حول استمرار الصراع الإنجليزي ـ اليمني، و حول وجود الدولة الاتحادية نفسها و اتساعها. فالاتحاد الذي لم يفعل أكثر من شحذ العواطف المعادية للإنجليز لدى الشعب، اعتبره الشعب صنيعة الإمبريالية البريطانية. فتواطؤ القائمون على هذا الاتحاد مع الإنجليز، و عجزهم عن انتهاج سياسة اقتصادية تقدمية و سياسة مفتوحة على العالم الخارجي و على الوطن العربي بوجه خاص.. كل ذلك شجع على تغذية الدعاية المعادية للاتحاد، و دعم حجج خصومه. و هذا ما يفسر اتساعا حركة التحرير الوطنية المعادية بالأصل للمشروع البريطاني. فقد قامت هذه الحركة بتنظيم الاضرابات و المظاهرات ثم عمدت إلى النضال المسلح مستهدفة إرغام انجلترا على إعادة النظر في سياستها، و جذب انتباه الرأي العام الدولي. و بفضل هذا النضال و هذا النشاط، وجدت مشكلة اليمن الجنوبي طريقها إلى المؤسسات العربية و الدولية. الصراع الإنجليزي ـ اليمني تمتد أصول النزاع الإنجليزي ـ اليمني إلى مطلع هذا القرن. و كان استمراره طيلة هذه الفترة عاملاً في إثارة القلاقل في المنطقة، و كذلك في تعكير العلاقة بين بريطانيا و اليمن. و من الطبيعي أن يرث اتحاد الجنوب العربي هذه المشكلة التي هي في الأصل مشكلة خلاف على ( الكيان ). إلا أن تجاهل اليمن لوجود الدولة الاتحادية و شجبها لإنشائها، قد زاد المشكلة تعقيداً، و أصبح من الصعوبة بمكان تطويق هذه المشكلة التي أصبحت أيضاً مشكلة خلاف على ( السيادة ). فصنعاء تعتبر عدن و محمياتها جزءاً لا يتجزأ من التراب اليمني و تطالب بعودتها. و لندن ترفض بدورها هذا المطلب كلياً. و ما كان للأمر أن يأخذ كل هذه الأهمية، لولا اعتبارات سياسية و دينية و اقتصادية تتدخل فيه. ففي عهد الإمامة اعترض الإمام الشيعي ( الزيدي ) على توحيد الإمارات في ظل إمام ( شافعي )، لأنه يخشى قيام حركة انفصالية لصالح الاتحاد (1)، لوجود عناصر شافعية ذات شأن في اليمن. و من جهة أخرى، فإن اكتشاف البترول على مقربة من اليمن، أثار أطماع الإمام كما أثار شهية الشركات الإنجليزية و الأمريكية. و كان من نتيجة ذلك كله تأزم الوضع تأزما خطيراً على طول الحدود. لقد نجحت حكومة صنعاء أكثر من مرة في إعاقة السياسة الإنجليزية في القسم الغربي من المحمية بفضل الدعم المالي و المادي الذي كانت تقدمه للعناصر المتمردة ضد السلطات المحلية. إلا أنها لم تتوصل إلى حد إشعال ثورة شاملة. لذلك فإن مصير الاتحاد، هذا المولود البريطاني الجديد، يتوقف على الحل الذي يمكن أن يوضع لإنهاء الخلاف اليمني ـ الإنجليزي . و لكي ندرك طبيعة هذا الخلاف نعود إلى عام 1918. ففي هذا العام استقلت اليمن. و منذ ذلك الحين و هي تطالب بحق التصرف الكامل بما تعتبره جزءاً من ترابها الوطني. فالوحدة الجغرافية و البشرية تتطلب وحدة الانتماء السياسي. و منذ خمسين عاماً، و هذا المطلب يصطدم بمعارضة بريطانيا التي تحتل اليمن الجنوبي. و التي ترفض أن تتخلى عن هذا الجزء، و التي تعتبر اليمن المستقل الوريث الطبيعي للإمبراطورية العثمانية، و بالتالي تعتبره مرتبطا بالمعاهدة التركية ـ البريطانية لعام 1914، و يمكن تلخيص الوضع الحقوقي لكلا الطرفين على النحو التالي: تابع الصفحة التالية مع تحيات أخوكم: أنا هو.
|
#186
|
||||
|
||||
اليمن: تركز مطالبها على حقوقها المكتسبة قبل الاحتلال البريطاني. المملكة المتحدة: تستند على معاهدات الحماية المعقودة مع زعماء المنطقة المتنازع عليها، التي توكل إليها مهمة الدفاع عن الدويلات الصغيرة. و تضيف إلى ذلك قولها بأن اليمن لم تكن له أية سلطة على هذه المنطقة منذ قرنين و الخلاصة، فإن الأراضي المتاخمة للمحمية تعتبر بالنسبة إلى اليمن ( منطقة حدود ) خاضعة للسيادة اليمنية. و الإنجليز بدورهم يعتبرون حدود الإمارات أو القبائل المرتبطة باتفاقيات مع التاج البريطاني ( حدوداً ) فاصلة بين المحمية و بين اليمن (2). من الناحية التاريخية، بقيت اليمن حتى أوائل القرن الثامن عشر تمارس نوعاً من الإشراف على هذه المنطقة، باستثناء حضرموت التي انفصلت منذ زمن طويل، و كانت تحكمها السلالة ( الكثيرية ). و في عام 1728 استولى السلطان العبد لي على لحج و عدن، و أعلن الاستقلال الذاتي و الانفصال عن السلطة المركزية في صنعاء. و هكذا فقد تلاشت سيطرة صنعاء تدريجياً على هذه المنطقة، حتى كادت تزول تماماً قبل أن تقوم شركة الهند في عدن عام 1839. و قد كان وصول المحتلين الإنجليز إليها بمثابة حكم قطعي على زوال تلك السيطرة. و على الرغم من تلاشي السلطة اليمنية، فإن سكان المنطقة بقوا تحت ظل السيطرة الروحية للإمام و خلال فترة من الزمن ، كان الإنجليز أنفسهم يعترفون بالسلطة الدينية للإمام على القبائل في الإمارات التسع . و أكثر من ذلك ، فإن خضوع اليمن الجنوبي للسيطرة البريطانية لم يمنع اليمن من التأثير على الحياة السياسية الداخلية فيه . إن بريطانيا تتسلح بمعاهدات الحماية كلما أصبح وجودها بالمنطقة موضوع بحث. إلا أن الموقف البريطاني لا يستند إلى حجج ذات قيمة جدية من الناحية الحقوقية. لأن تلك المعاهدات قد تم توقيعها في ظل التهديد و التزوير، و لأنها بالإضافة إلى ذلك ذات مظهر مخادع و مزاجي. و هذا النوع من الاتفاقيات لا يمكن أن يكون مقبولاً في عصرنا، لأنه مخالف لطبيعة الأشياء. لذلك فان العودة إلى هذه المعاهدات لا تجدي كثيراً. لقد حاولت لندن، في خلافها مع صنعاء أن تعمد منذ البدء إلى تصوير الخلاف في شكله البدائي، أي على شكل ( مسألة نزاع على الحدود )، حتى تبرر الاحتلال و تقلص أهمية النزاع. في حين أن اليمن كان يتهم انجلترا باحتلال جزء من التراب الوطني، أطلقت عليه اسم ( الجنوب المحتل ). و قد حاولت انجلترا أن تستغل الصعوبات الداخلية لحكم الإمامة في اليمن ( الغزو التركي، الحرب الأهلية، أزمة خلاف الأئمة ) من اجل فرض حل لهذا الخلاف. إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. محاولات التسوية من وجهة نظر الحقوق الدولية، يمكن أن نميز الخطوات الثلاث التالية: ـ اتفاقية عام 1914 ـ معاهدة 1934 ـ اتفاقا عام 1951 اتفاقية 1914: طالب الأتراك بعد احتلالهم الجديد لليمن عاما 1872، بالمقاطعات التسع التي أصبحت تحت الحماية البريطانية. و قد كانت هذه المطالبة خيالية، لأن الأتراك كانوا قد وافقوا بصورة ضمنية من حيث المبدأ على المعاهدات التي وقعها الأمراء المحليون. و تحت ضغط الجيوش الإنجليزية و الهندية التي أرسلت إلى اليمن الجنوبي لوضع حد لخلافات الحدود ، قبلت تركيا الدخول في مفاوضات من أجل تحديد الخط الفاصل بين السيطرة التركية و السيطرة البريطانية . و قد أنشئت لجنة إنجليزية ـ تركية من اجل هذا الغرض عام 1902 (3)، انتهت إلى وضع معاهدة لندن عام 1914. إلا أن خط الحدود بقي غير محدد تحديداً دقيقاً. و هكذا فإن الاتفاقية لم تحل المشكلة. خلال الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 قام الأتراك بغزو المحمية من عدة جهات، و هددوا عدن. ثم انسحبوا عند نهاية الحرب بعد توقيع اتفاقية وقف القتال في مود روس بتاريخ 30 أكتوبر 1918 . و هكذا استعاد اليمن استقلاله، و كان أول بلد عربي يتمتع بسيادته. و لم يلبث الإمام يحيى الذي لم يعترف أبداً بالاتفاقية الإنجليزية ـ التركية عام 1914 أن طرح مجدداً مسألة الوجود البريطاني في اليمن الجنوبي. و أعلن ( بأن اليمن لا تعترف بشرعية الوجود البريطاني، و بأن الأرض التي يطلق عليها اسم محمية عدن هي القسم البحري لليمن في حدوده التاريخية ) (4). و عبثاً حاول إعادة بسط نفوذه و سيطرته على هذه المنطقة خلال عامي 1920 و 1928، لأن ميزان القوى لم يكن لصالحه. و قد حاولت حكومة صاحبة الجلالة أن تقدم له خلال هذه الفترة عرضاً هاماً. ففي عام 1923 تقدمت بعرض تعترف بموجبه للإمام بسيادته على سلطنة لحج، و كذلك على حضرموت لقاء ميثاق صداقة يعترف لانجلترا بمركز ممتاز من ناحية العقود و المشاريع التجارية (5). و قد اندفع الإمام إلى رفض هذا العرض. و في عام 1926 عقد معاهدة تجارة و صداقة مع ايطاليا تحت حكم موسيليني، بغية تحطيم العزلة الدبلوماسية و الحصول على السلاح. إلا أن الإنجليز الذين اعتبروا تلك الخطوة بمثابة إنذار بتسرب النفوذ الفاشستي إلى المنطقة، جردوا حملة واسعة ضد قوات الإمام. و قد استطاعت القوات البريطانية بما تملكه من تجهيزات و من دعم سلاح الجو الملكي الذي اتخذ من المنطقة قاعدة له، أن تجلي قوات الإمام عن إمارة العوذلي عام 1928، و أن تضع يدها على مناطق جديدة. و على أثر ذلك عقد الإمام اتفاقاُ تجارياً مع الاتحاد السوفيتي عام 1929. و كان هذا الانفتاح الخارجي مصدر قلق جديد للإنجليز، فحاولوا من جديد التفاهم معه. و قد قدمت لهم أحداث السنوات الثلاث التي تلت خدمات جلية. فقد ظهر خلاف جديد في شمال اليمن، و قد قاد هذا الخلاف اليمني ـ السعودي إلى إعلان الحرب بين البلدين خلال أعوام 1933 ـ 1934، و انتهى بفقدان اليمن لإمارة عسير لمصلحة العربية السعودية. فقد استغلت بريطانيا هذا الحادث من اجل عقد معاهدة عام 1934 مع الإمام. معاهدة صنعاء عام 1934: في الحادي عشر من فبراير 1934 وقعت في صنعاء معاهدة صداقة و تعاون مشترك بين المملكة المتحدة و اليمن. و بموجب نصوص هذا الاتفاق تتعهد الأطراف المتعاقدة بالحفاظ على الوضع الراهن لمدة أربعين سنة. أي حتى نهاية 1974. فاليمن لا تستطيع قبل هذا التاريخ أن تطلب فتح مفاوضات جديدة مع بريطانيا بشأن اليمن الجنوبي. و بمقابل هذه التنازلات الكبيرة، تعترف حكومة صاحبة الجلالة البريطانية بالإمام ملكاً على اليمن ، و تعترف بالاستقلال الكامل و المطلق لبلاده . و كان ذلك نصراً دبلوماسياً هاماً جداً بالنسبة لبريطانيا، لأنها نجحت بذلك في حملها الإمام بصورة غير مباشرة على القبول بالأمر الواقع. فهذا اعتراف ( بالأمر الواقع ) باليمن الجنوبي تحت الإدارة البريطانية. إن معاهدة صنعاء 1934 كانت بالنسبة إلى الانجليز مفتاحاً لتحقيق خطة سياسية طويلة الأمد. فهم كانوا يهدفون إلى جعل اليمن الجنوبي دولة مستقلة قبل انتهاء المعاهدة، يمكن أن يختار بين الدمج مع الشمال و بين البقاء ضمن إطار الكومنولث. و ما كادت تمضي خمس و عشرون سنة حتى تحقق هذا الحساب الدقيق في خطوطه الكبرى. و قد ظلت المعاهدة محترمة من الطرفين إلى حد ما حتى انقلاب 1948 الذي أطاح بالإمام يحيى. فقد اتهم خلف الإمام يحيى الإنجليز بمحاولة عرقلة الانقلاب، و اظهر جفاءه لهم. و قد زاد في هذا الجفاء سبب آخر، هو قرار فرع شركة البترول العراقية عام 1949 بإرسال فريق من الخبراء للتنقيب في منطقة شبوة (6) التي كانت تطالب بها اليمن. إلا أن الإمام أحمد ما لبث بعد فترة قصيرة من توليه عرش اليمن أن عقد مع الإنجليز اتفاق عام 1951. اتفاق لندن 1951: و هو عبارة عن رسائل متبادلة، تشكل بمجوعها مصدراً إضافياً و مرجعاً يعتمد على المعاهدة السابقة. إن نص هذا الاتفاق ينطوي على كل حال على عنصرين جديدين: 1 ـ الأول يتعلق بإقامة الروابط الدبلوماسية بين المملكتين. 2 ـ و الثاني يختص بتعيين لجنة تحكيم بين الجهتين مهمتها تحديد وضع كل من الطرفين و إيجاد الحلول للقضايا المعلقة. و حتى تبدأ هذه اللجنة عملها ينبغي في حالة تجدد النزاع أن يلجأ الطرفان إلى الأمم المتحدة طبقاً للمادة 33 من ميثاق سان فرانسيسكو. و قد بقيت هذه الالتزامات حبراً على ورق لأنها لم تنتقل إلى حيز التطبيق. يمكن إذن القول بأنها لم تحل شيئاً، لا معاهدة 1934 و لا اتفاق الطاولة المستديرة عام 1951. و أنها اقتصرت على إقرار واقع راهن مؤقت و على رسم طريقة لحل النزاعات لم تستخدم عملياً (7). و هكذا بقيت المشكلة برمتها. إلا أن الظرف الدولي بدا أكثر ملاءمة لليمن منه قبل الحرب. لأن العلاقة بين الاستعمار و الشعوب المستعمرة تعرضت لتحولات غير قابلة للنكوص. كما أن صنعاء بدأت تحس بأنها أقل عزلة على الصعيد الدبلوماسي منها في الماضي. و أنها أصبحت أقدر على المطالبة بحقوقها المشروعة في ( الجنوب المحتل ). و قد بدا لها أن التطور الذي دخلت فيه القضية العربية منذ عام 1952 هو في صالح دعم مطلبها. و قد تأيد ذلك خاصة بعد مؤتمر باندونغ. إلا أن السلالة الزيدية لم تستغل هذا الوضع، نظرا لعجز نظامها الأوتوقراطي عن جذب عطف الشعب اليمني و دعم الرأي العام الدولي. و قد أدرك الإنجليز بسرعة هذا الخلل، فقرروا أن يستغلوا ذلك عن طريق تطوير قاعدتهم في عدن و ذلك بإنشاء مصفاة ضخمة للبترول و زيادة احتياطها العسكري. تطور الخلاف حتى سقوط الملكية: يعتبر سورن سون في كتابه (8)، أن الإمام كان على وشك الاستعداد عام 1957 لإجراء مفاوضات مع بريطانيا من أجل حل الخلاف، و ذلك خلال زيارة ولي العهد للندن. أما صيغة الحل فهي تستند إلى واحد من الاحتمالين الآتيين: 1 ـ تعترف المملكة المتحدة بمشروعية المطالب اليمنية فيما يتعلق بعدن و المحمية و تقبل بأن تردها إلى اليمن في موعد يتفق عليه. و بالمقابل تقبل اليمن بتأجير قاعدة عدن أو بإبقاء الوضع الراهن ريثما تسوي قضية القاعدة. 2 ـ تشترك اليمن و بريطانيا في إدارة المحمية، و يتفقان على تسوية خاصة تحدد مستقبل المستعمرة. و يقدر مؤلف الكتاب بأن لندن ما كانت لتقبل بأحد هذين الحلين، و بأنها على العكس كانت ستأخذ موقف الدفاع عن الأمراء حسب المنطق الآتي: 1 ـ إن الزعماء المحليين لا يرغبون بأي حال من الأحوال في أن يروا مناطقهم ملحقة باليمن، و يرفضون الخضوع لسيطرة الإمام . 2 ـ إن حكومة صاحبة الجلالة تلتزم من جهتها بالالتزامات التي تنص عليها معاهدات الحماية و التشاور. 3 ـ إنها لا تنوي أبداً أن تتخلى عن المنطقة قبل أن تأخذ بعين الاعتبار رغبة السكان و المصالح البريطانية. 4 ـ إنها تنوي متابعة سياسة التخلي عن استعمار المنطقة بنفس الشروط المطبقة في معظم الممتلكات البريطانية. و على أثر رفض الإنجليز للمقترحات التي كانت حكومة اليمن على وشك عرضها، تأزم الوضع على الحدود، و زاد الوضع تدهوراً عندما أعلنت لندن عن رغبتها في وضع حد لتشتت الإمارات. و على خلاف بعض المعلومات التي نشرتها الصحف، فأن اليمن عملت ما في وسعها لتجنب التأزم و كانت تدرك مخاطر استفحال الخلاف، و لم تسلك سياسة عدوانية دائمة (9). فقد احتجت على مشروع تجميع الإمارات، و أشارت إلى أن هذا المشروع لا يتفق و أحكام معاهدة عام 1934. إلا أن الوزير المفوض البريطاني في القاهرة أعلن في 12 يناير 1957، بأن ( معاهدات 1934 و 1951 يجب أن تعتبر ملغاة ).في ربيع 1958 بلغت الأزمة الأوج، على أثر إعلان ( اتحاد إمارات الجنوب العربي ) و يعتبر هذا التاريخ هاماً لسببين: 1 ـ فهو يتفق مع بدء مرحلة جديدة من السياسة الاستعمارية تتميز بعزم الحكومة البريطانية على تعزيز وضعها على شاطئ البحر الأحمر. 2 ـ ثم هو يرافق انضمام اليمن إلى الدول العربية المتحدة الذي كانت له على الصعيد الداخلي نتائج لم تكن في الحسبان. فحتى ذلك الوقت، لم يكن شعب عدن و المحمية الغربية في الواقع، لتغريه فكرة الوحدة مع النظام إلا انه منذ بدأ اليمن يساهم في توحيد الأمة العربية، خفت حدة الخصومة التي كان محاطاً بها. كما اشتد ساعد حركة التحرر الوطنية. عادت الأزمة بين اليمن و السلطات البريطانية بين عام 1958 و عام 1962 إلى التوتر. و قد قامت محاولة نهائية لتسوية الأزمة في يوليو 1958 خلال اللقاء الإنجليزي ـ اليمني الذي تم في إثيوبيا ( ديريداوا ) (10). إلا أن المحاولة لم تنجح. و قد أثار توسيعا الاتحاد لغطاً كثيراً في الداخل و الخارج. فوجّه النظام الملكي في آخر مرحلة من احتضاره مذكرة إلى وزارة المستعمرات بتاريخ 17 أغسطس 1962 يحتج على اتفاق إدخال عدن في الدولة الاتحادية، و يؤكد من جديد بأن هذا العمل مخالف لمعاهدة صنعاء. و قد أجابت انجلترا على المذكرة بعبارة جافة تقول فيها ( إن هذا الانظمام لا يلغي المعاهدة المذكورة التي تبقى سارية المفعول ). و قد استمر حوار الطرشان حتى انقلاب سبتمبر الذي أطاح بأسرة حميد الدين. و منذ ذلك الحين أخذت الأحداث مجرى جديداً. فقد كان خوف المملكة المتحدة على قاعدتها البحرية ـ الجوية و حرصها على حماية الاتحاد، يدفعها إلى بذل كل جهودها للحيلولة دون اشتعال الثورة. 1 ـ السير توم هيكينبوتام . ص 176. 2 ـ ( دفاتر الجمهورية ) رقم 8 يوليو ـ أغسطس، باريس 1957. 3 ـ السير توم هيكينبوتام ، ص 55 . 4 ـ ( دفاتر الجمهورية ) العدد 8 يوليو ـ أغسطس، باريس 1957. 5 ـ الوثائق الفرنسية: ملاحظات و دراسات وثائقية، رقم 2186، باريس 1956. 6 ـ السر برنار ريللي ( عدن اليمن ) ص 30. 7 ـ مجلة الاوريان العدد 7 باريس 1958 8 ـ ( عدن و المحمية و اليمن ) ص 23 ـ 24، لندن 1961. 9 ـ مجلة الاوريان، العدد 7. 10 ـ السر برنار ريالي، ص 57. في ظل النظام الجمهوري: إن ثورة 26 سبتمبر 1962 التي لم تكن على غرار المحاولات الانقلابية السابقة التي كان يغذيها الإنجليز، و التي تمت هذه المرة دون علمهم.. إن هذه الثورة تشكل مرحلة حاسمة في تاريخ شبه الجزيرة العربية. فقد أحدثت تبدلاً أساسياً في الخارطة السياسية للمنطقة، حيث انبثق من قلب الحكم المطلق الذي كان يهيمن على المنطقة منذ ألوف السنين، نظام تقدمي يهدف إلى تحويل اليمن من بلد يعيش في ظل عقلية و حياة القرون الوسطى، إلى بلد حديث. إن هذه الثورة تعني بالنسبة لأمراء اليمن الجنوبي و للإقطاعية العربية بصورة عامة، نهاية لدولتهم. فإذا وطدت الجمهورية أقدامها، فإنها لن تلبث أن تحدث تأثيراً كبيراً على سكان المناطق المجاورة و تصبح مركز جذب لهم ، و بالتالي دافعاً لهم للقضاء على الأنظمة الرجعية . كما أن بريطانيا و الولايات المتحدة تخشى أن تمتد آثارها إلى إمتيازاتها و مصالحها البترولية ( شركة النفط العراقية و الآرامكو )، لذلك عملت بريطانيا و السعودية و ما تزالان تعملان على القضاء على هذا النظام الجديد حتى يتخلصا من نتائجه المهددة لمصالحهما. أما الجمهوريون فإنهم لم يسارعوا عشية استلامهم للسلطة في طرح مطالبهم باسترجاع المناطق التي يدور حولها الخلاف اليمني ـ البريطاني. و كان ذلك من قبيل الحذر، و نوعاً من الخطة الرامية إلى إظهار الرغبة في التعايش مع الجوار و لو مؤقتاً. إلا أن حرب الإذاعات ( الإنجليزية مساعدتها للقوات الملكية المعادية للجمهوريين الثوريين. إلا أنهم من جهة ثانية بذلوا كل ما في وسعهم حتى لا يكون في موقف اليمن تجاه اليمن الجنوبي ما يثير مخاوف الوطنيين الذين لا يرغبون في إلحاق الجنوب بالشمال، أو ما يصدم الرأي العام العالمي. كما أن عدم سيطرتهم على الوضع الداخلي كانت تملي بدورها هذه المواقف المرنة. فالحكومة الجمهورية لا تطالب بعودة الجنوب بدون قيد أو شرط. و هي تحرص على استشارة السكان، كما يستنتج من تصريح مندوبها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها عام 1963. فقد صرح ممثلها بأن ( حكومته تطالب بإعطاء شعب اليمن الجنوبي حقه في تقرير المصير و في الاستقلال و في انتخابات حرة ). أما رغبة سكانه، و هؤلاء لا يملكون أية رغبة في الاتحاد مع اليمن ) . ثمة ملاحظتين تستدعياهما المواقف: 1 ـ التحول الهام من جانب حكومة صنعاء التي يبدو أنها تخلت عن المطالبة بالمناطق المتنازع عليها. و قبلت بأن تترك المسألة للرأي العام الشعبي. 2 ـ التراجع الواضح من جانب الحكومة البريطانية التي كانت تطالب بالاستفتاء الشعبي أيام الحكم الملكي، و التي لم تعد تقبل به في ظل الحكم الجمهوري في اليمن. و على الرغم من توصيات لجنة مكافحة الاستعمار في الأمم المتحدة المتكررة، التي كانت تؤيد الاستفتاء الشعبي حتى تسمح للسكان بتقرير مصير بلادهم، فإن انجلترا انفردت بإعلان استقلال ( الاتحاد ) . وجهة النظر البريطانية: لقد بقيت انجلترا خلال فترة طويلة تسوق حجتين لتبرير معارضتها لفكرة توحيد المناطق التي تسيطر عليها مع اليمن. فهي أولاً كانت تدعي بأن اليمن الجنوبي متطور سياسياً أكثر من الشمال الخاضع للحكم الاستبدادي اللا إنساني. و هي من جهة ثانية كانت تلح على التطور الاقتصادي و الاجتماعي الذي حققه الجنوب بالنسبة للتخلف الشامل في الشمال. و في مثل هذه الشروط، كانت تعتبر توحيد الشمال و الجنوب عملاً فيه غبن لشعب اليمن الجنوبي المشمول بحمايتها. و إذا وضعنا عدن جانباً، بدت لنا المزاعم البريطانية منافية للحقائق التاريخية و يمكن دحضها بسهولة، فمن الخطأ القول بأن الإمارات تتمتع بأجهزة سياسية و إدارية متقدمة على اليمن الملكية، بل العكس هو الصحيح في غالبية الحالات. فقد لاحظنا في الفصلين الأول و الثاني، بأن الإمارات في مجملها تشهد تبدلات كبيرة، و أن السلطة تتجسد فيها دوماً في شخص زعيم إقطاعي، و أن معظمها لا يستحق فعلاً اسم ( دولة ) لأنها لا تعدو كونها في الواقع وحدات صغيرة لا شأن لها. أما الدولة اليمنية فتتميز عن ملحقاتها القديمة بطابعها المركزي القوي الموحد، و هي تملك جيشاً و حكومة و جهازاً دبلوماسياً. و على الرغم من طابعها الرجعي، فقد كانت كاملة السيادة، في حين أن جاراتها لا تعدو كونها إمارات صغيرة خاضعة عملياً لحكم المستشارين البريطانيين الذين كانوا يمسكون بأيديهم زمام السلطة. أما فيما يتعلق بالتقدم الاقتصادي و الاجتماعي المزعوم، فإذا ما استثنينا بعض الإنجازات الزراعية في أبين و لحج، فإن التخلف عام في الإمارات. و أحد المراقبين الإنجليز يقول هو نفسه (1) : إن التناقض بين المحمية و المستعمرة أمر يدعو إلى الحيرة . فالحياة في القسم الأعظم من دول المحمية تبدو و كأنها لم تلمس لا من غريب و لا من بعيد التقدم الحضاري في الغرب ). فعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي لا مجال للتمييز في المستوى بين المحمية و بين اليمن، فكلاهما متخلف عن العصر بما يعادل قرناً من الزمن. و حتى لو سلمنا بأن ثمة تطوراً سياسياً و اقتصادياً قد تحقق في اليمن الجنوبي، و أن تخلف اليمن في ظل الملكية تخلف كامل، فلا بد من التسليم بأن هذا الوضع قد شهد تبدلاً عنيفاً بعد حلول النظام الجمهوري محل أكثر الأنظمة مدعاة إلى الكراهية في العالم. هذا من جهة، و من جهة أخرى، فإن المزايا الاقتصادية التي تتمتع بها عدن لم تحل، رغم أهميتها، بين السكان و بين تطلعهم إلى الاستقلال و الوحدة. إلا أن بريطانيا لا تريد أن تأخذ هذا العامل بعين الاعتبار. و قد بذل الإنجليز جهدهم بعد قيام الثورة لمساومة الزعماء الجمهوريين في السر أولاً ثم في العلن، من أجل القبول باتحاد الجنوب العربي لقاء الاعتراف بنظامهم الجمهوري. إلا أن سياسة الأمر الواقع هذه لم يكتب لها النجاح. بل عادت على أعداء الثورة بالنفع. فقد تعهد الملكيون بالاعتراف بالدولة الاتحادية بمجرد عودة الملكية، و ذلك لقاء الحصول على مساعدات مالية و عسكرية ضخمة. الأمر الذي يكشف عن الدور الذي تلعبه السلطات الاستعمارية في الحملة ضد النظام الجمهوري في اليمن. إن لندن لم تغفر للنظام الجديد استعانته بالرئيس عبد الناصر، لأن دخول الجمهورية العربية المتحدة إلى مسرح المنطقة التي تعتبرها إنجلترا منطقة نفوذ غربي، عمل يثير مخاوف الإنجليز . و هذا هو السبب الذي دفع بريطانيا إلى مساندة الملكيين من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية و البترولية. إن صحيفة ( ومند ) في عددها ( 7 ـ 5 – 964 ) تذكر بهذا الصدد بأن اليمن ( بحكم كونه بلداً ذا تكوين قبلي ، فإن من السهل في نظر وزارة المستعمرات ، أن تعبأ مقاومة جدية للسلطة المركزية . و هكذا فإن أموالاً و أسلحة و مؤونة، قد دخلت سراً إلى اليمن بمساعدة شريف بيحان الزعيم القبلي المؤيد تأييداً كاملاً لوجهة النظر الإنجليزية في اليمن الجنوبي. و قد حققت هذه العملية نجاحاً جزئياً لأنها عززت قوى الملكيين، إلا أنها من جهة ثانية أشعلت المقاومة المسلحة المدعومة من الجمهوريين في قلب الاتحاد نفسه. و هكذا ظهر الغرب أمام الرأي العام العربي بمظهر الدفاع عن الأنظمة البالية، و أصبحت الإمبريالية مدانة على ألسنة القادة العرب. فالبيان الذي صدر عن مؤتمر القمة الأول الذي صدر في القاهرة في يناير عام 1964 يؤكد بقوة ( إيمان الرؤساء و الملوك العرب بمشروعية النضال العربي و بضرورة دعم هذا النضال ضد الإمبريالية في المنطقة المحتلة من اليمن الجنوبي و عمان ). و الخلاصة، فإن كل شيء ينبئ بأن الأمور تتجه نحو أزمة دولية جدية إذا لم تتحقق تسوية سريعة للخلاف الإنجليزي ـ اليمني. أن وجهة النظر البريطانية تتجه نحو طلب تعيين لجنة تحكيم من قبل الأمم المتحدة، مكلفة بتحديد الحدود و المنطقة المجردة من السلاح، و وضع مراقبين دوليين في هذه المنطقة إذا اقتضى الأمر. كما أن انجلترا تتطلع إلى تحكيم محكمة العدل الدولية في لاهاي في القضية. إلا أن الأمل ضعيف في أن يحظى أحد هذين الحلين بموافقة اليمن التي تدين الوضع الراهن نفسه و لا تقف عند مشكلة الحدود، كما أنه ما من شرير يسمح بالقول بأن الأطراف المتنازعة يمكن أن تقبل فعلاً حكماً غير متحيز. لأن المصالح و الحساسيات التي تدخل في هذه المشكلة، تجعل الوساطة أمراً مستحيلاً و التحكيم في غاية الصعوبة. و يمكن أن نستنتج من ذلك مدى صعوبة المسألة. فانجلترا تبدو واثقة من نجاح سياستها، و هي تعتمد على ولاء الأمراء و على وجود فواتها، لقطع دابر المحاولات الانقلابية و الاضطرابات. إلا أن موجة التحرر في المنطقة، و استقطاب الجمهورية اليمنية لأنظار الجماهير العمالية و المثقفين في المستعمرة، باتا يهددان مستقبل الأمراء و مستقبل الوجود البريطاني نفسه تهديداً جدياً و هكذا فإن الخلاف اليمني ـ البريطاني القديم هو في طريقه لأن يأخذ شكل حركة شاملة تطالب بالوحدة و بالنضال ضد الإمبريالية البريطانية و الزعامة القبلية . تابع الصفحة التالية مع تحيات أخوكم: أنا هو.
التعديل الأخير تم بواسطة أنا هو ; 05-23-2006 الساعة 07:04 PM |
#187
|
||||
|
||||
قضية اليمن الجنوبي أمام الهيئات الدولية: منذ مؤتمر باندونغ بدأت تطرح قضية الممتلكات البريطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل منتظم، في العديد من المؤتمرات التي نظمتها بلدان آسيوية و إفريقية، أو على صعيد المؤتمرات العربية بوجه خاص. و قد اتخذت مقررات عديدة حول هذه القضية، أعطت الحق تارة لليمن و تارة لإشباع فكرة ( الكيان الخاص بالجنوب العربي ). و جرياً على العادة، فقد بقيت هذه المقترحات أفلاطونية إلى حد بعيد و دون نتائج عملية. و انجلترا لم تعط ذلك أية أهمية طالما أن الأطراف المعنية لم تسو خلافاتها و لم تتقدم بوجهة نظر موحدة. و قد استمدت السياسة البريطانية قوتها من الانقسام القائم بينها. بيد أن انتباه العالم ما لبث أن انجذب إلى الموجة العارمة من النضال المعادي للاستعمار، و إلى الأحداث التي بدأت تجتاح المنطقة من جراء اتساع حملات القمع للمعارضة الوطنية. فقد كتبت الاوبزرفر بهذا الصدد قائلة (2): ( إن القوة لا يمكن أن تعزل إلى الأبد هذه المناطق ( عدن و المحمية ) عن التيارات العربية العامة. فإذا تصرفنا على هذا الأساس كان عملنا غبياً فضلاً عن كونه لا أخلاقياً و مخالف للديمقراطية. إن الزمن لا يسمح حتى في الشرق الأوسط بتصريف الأمور و معالجتها بحد السيف ). تدخل الجامعة العربية: بقيت عدن و محميتها 125 عاماً تحت السيطرة البريطانية معزولة عن كل تدخل خارجي آخر. لقد حاولت الدول العربية دوماً أن تفتح قنصليات في المستعمرة و في الإمارات الهامة على الأقل. إلا أن السلطات البريطانية كانت ترفض السماح بإنشاء مثل تلك المراكز، بحجة أن نشاطها من شأنه أن يشجع الحركة المعادية للإنجليز. و كانت تبرر موقفها بالقول إن المنطقة يجب أن تصل قريباً إلى مرحلة الاستقلال، و بأنها لا ينبغي أن تتخذ منذ الآن مواقف خاصة بالعلاقات الخارجية من شأنها أن تقيد نشاطها الدبلوماسي في المستقبل (3). و أقل ما يمكن أن يقال بهذا الصدد هو أن هذا العذر غير مقنع، لأن سلطات غربية عديدة ( الولايات المتحدة، فرنسا، ايطاليا ) و إفريقيا ( إثيوبيا و الصومال ) و آسيوية ( الهند و لباكستان ) كان لها دوائر قنصلية و تجارية في عدن. و قد كان لرفض السلطات البريطانية مفعول عكسي. فقد اشتدت الحملات الإذاعية المعادية لبريطانيا. كما قد استغلت اليمن الفرصة من اجل التشدد و الإلحاح في مطالبها. و منذ عام 1954 لجأت اليمن على الجامعة العربية طالبة دعمها، و خاصة فيما يتعلق بالصراعات الدائرة حول قضية شبوة و حول تغيير الوضع الراهن بشكل عام. فاليمن تؤكد بأن شبوة حيث اكتشف البترول حديثاً تشكل من الناحيتين التاريخية و الجغرافية جزءاً لا يتجزأ من ارض اليمن. أما بريطانيا فتدًعي على العكس بأن تلك المنطقة تشكل جزءاً من حضرموت. و قد أصبحت بموجب اتفاق عام 1951 منطقة مجردة من السلاح، بعد سلسلة طويلة من الاشتباكات العنيفة بين القوى اليمنية و القوى المحلية الخاضعة للنفوذ البريطاني. إن اهتمام السلطات البريطانية في عدن بالبترول، دفعها إلى احتلال المنطقة المتنازع عليه من جديد بغية استثمارها. و قد احتجت صنعاء و طرحت المسألة لدى الجامعة العربية، و لفتت أنظارها إلى النوايا التي تبييتها وزارة المستعمرات حول تجميع الإمارات في دولة اتحادية تعتبرها اليمن بمثابة تهديد مباشر لسيادتها. و لم تتأخر الجامعة العربية طبعاً عن تأييد وجهة النظر اليمنية. و قد صرح الأمين العام في فبراير 1959 بأن ( جميع الدول الأعضاء سوف يتعاونون على تفشيل المخطط البريطاني الرامي إلى أنشاء اتحاد لدويلات جنوب الجزيرة العربية ) ثم أردف في النهاية قائلاً: ( إن بريطانيا سوف لن تتمكن من تدعيم أوضاعها في هذا الجزء من العالم ) . و قد وعدت المنظمة العربية من ناحية أخرى ببذل قصارى جهدها لدى الدول الصديقة من أجل أن تمارس ضغطاً قوياً على إنجلترا من أجل حملها على إعادة النظر في قرارها. كما أنها قامت بحملة دعائية و إعلامية بهذا الصدد. إلا أنها تجنبت أن تتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة، لأنها كانت تدرك سلفاً بأن هذا المسعى سوف يفشل، فلم يكن بالا مكان أن تدعم الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية مطالب النظام الملكي، لأن جل استعدادها ينحصر في دعم المساعي الهادفة إلى تحرير اليمن الجنوبي من ربقة الاستعمار. و هذا هو السبب الذي جعل الجامعة العربية توكل هذه المبادرة إلى اليمن و على البلاد الشقيقة. إن اليمن كانت تدرك ما يدور في خلد البلدان الأفريقية ـ الآسيوية، لذلك فهي لم تجرؤ على طرح القضية بشكل مكشوف. أما البلدان الشقيقة فإن عواطفها كانت تتجه إلى رجال الحركة الوطنية، و بصورة خاصة مصر التي تبنت سياسة التوازن، و شهدت بحكم تبدل الأوضاع تحولات متعددة. فقد بقيت مصر حتى قيام الجمهورية العربية المتحدة تتبنى تجاه القضية اليمنية موقفاً متأرجحاً. تارة تدعم رابطة الجنوب العربي ضد انجلترا و ضد النظام الملكي المتخلف، و تارة تتقرب من الأخير ضد انجلترا. و قد كان هذا لتأرجح طابع العلاقات فيما بين الدول العربية نفسها التي كانت تتراوح صعوداً و هبوطاً، تبعاً لتطور الأوضاع في الشرق الأوسط. إلا أن دخول اليمن في إطار ( الدول العربية المتحدة ) بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة و اتحاد سوريا و مصر، قد جعل الجمهورية العربية المتحدة تتبنى القضية اليمنية نهائياً. إلا أن هذا الارتباط قد حل بعد انفصال سوريا عن مصر. و بعد حل ( الدول العربية المتحدة ) في ديسمبر 1961. و عندئذ عادت مصر إلى سياستها التقليدية. و مع وصول الجمهوريين إلى الحكم اندفعت مصر إلى دعم النظام الجديد مادياً و دبلوماسياً، و إلى إهمال رابطة الجنوب العربي من جديد. و قد كان لتدخلها العسكري إلى جانب القوات الجمهورية أثر في زيادة رصيدها، لأن ذلك أظهرها أمام الجماهير العربية بمظهر المدافع الحقيقي عن القومية العربية. و تجدر الإشارة إلى أن الدول العربية الأخرى لم تكن تشارك الجمهورية العربية المتحدة في وجهة نظرها. فبعضها لم يكن يتبنى المطالب اليمنية و كان يشجب الاستعمار في الأمم المتحدة و ينضاف إلى الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية في المطالبة بجلاء الإنجليز عن اليمن الجنوبي دون أن يطالب بضمه إلى اليمن. التوجه إلى الأمم المتحدة: إذا كان تدهور الوضع الداخلي، و على الحدود من جهة، و الشعور بالتضامن مع اليمن من جهة أخرى، هما السبب الذي دفع إلى اللجوء إلى الجامعة العربية، فإن التوجه إلى الأمم المتحدة هو نتيجة لهذا التدهور. و منذ أصبح طرح هذه القضية في الأمم المتحدة طرحاً منتظماً، أصبح تدخل الهيئة الدولية متزايداً و ملحاً. و أصبحت انجلترا يوماً بعد يوم تجد نفسها في موقف حرج إلى درجة رفضت معها التعاون مع اللجنة الفرعية التي جرى تعيينها لاستقصاء الرغبات الحقيقية للسكان. لقد جر الانفجار الشعبي في عدن السلطات الاستعمارية إلى اتخاذ تدابير عنيفة. كما أنها أحالت إلى المحاكم القادة السياسيين و النقابيين و بعض الشبان و الفتيات الذين جرى توقيفهم خلال المظاهرات. و قد نقلت وكالات الأنباء أصداء تلك الحوادث، و عبر الرأي العام العالمي عن استنكاره لتلك التدابير التي لجأت إليها السلطات الاستعمارية. و قد كان رد الفعل الأقوى هو موقف الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية التي قدمت عريضة إلى الأمم المتحدة بتاريخ 4 يونيو 1963 تعلن بأن الوضع في ( اتحاد الجنوب العربي ) يشكل خطراً على السلام و الأمن، و تقترح إرسال بعثة من قبل لجنة تصفية الاستعمار لزيارة المنطقة. و قد سبق أن قدمت استراليا و الدانمرك و الولايات المتحدة و ايطاليا مشروع قرار إلى لجنة تصفية الاستعمار ( المعروف بلجنة الأربعة و العشرين ) يعترف بحق سكان عدن و المحمية بحق تقرير المصير و بالاستقلال. و يطالب عدا عن ذلك بإتاحة المجال لهم في المستقبل القريب، بتقرير مصيرهم بحرية. و قد تبنت اللجنة أيضا المشروع الآسيوي ـ الإفريقي القاضي بإرسال لجنة فرعية تتولى التحقيق و الاستقصاء على الطبيعة، و ذلك بأكثرية 18 صوتاً ضد خمسة أصوات ( و هي أصوات القوى الغربية الأربع مضافا إليها صوت بريطانيا ) . و قبل أن يجري التصويت أعلن مندوب بريطانيا بأن حكومته لن تسمح لأعضاء البعثة بزيارة عدن. و كان يزعم بأن عمل البعثة يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية البريطانية لا بد أن يعيق الجهود التي تبذلها بلاده من أجل الأخذ بيد الاتحاد نحو الاستقلال. لذلك جاء في نص الاقتراح الذي تبنته لجنة تصفية الاستعمار، بأن البعثة مخولة باللجوء إلى البلدان المجاورة إذا اقتضى الأمر من اجل استطلاع رأي السكان و بصورة خاصة رأي ممثلي و قادة الأحزاب، و عقد مباحثات مع السلطة الإدارية (4). إن منع دخول اللجنة عدن، دعا اللجنة إلى الاتجاه نحو المملكة العربية السعودية من أجل إنجاز مهمتها. و هكذا استطاعت أن تستطلع رغبات شعب اليمن الجنوبي عن طريق سماع وجهات نظر مختلف الوفود التي أرسلت من المستعمرة و من القاهرة للتحدث إلى ممثلي الأمم المتحدة. و قد طلبت البعثة في تقريرها تنظيم انتخابات حرة. و تمت الموافقة على توصيات البعثة في 11 ديسمبر 1963، ثم تم التصويت على قرار جديد يدعو بريطانيا إلى تنظيم هذه الانتخابات. و قد قوبلت تلك التوصيات بارتياح و حماس من قبل غالبية التشكيلات السياسية المحلية، بما فيها حزب الشعب الاشتراكي. و لكنها رُفضت من طرف الأمراء الذين كانوا يصرون دوماً على معارضة إدخال مبدأ الانتخاب في مناطق نفوذهم و على حرمان أتباعهم من حق أولي أقره ميثاق الأمم المتحدة. أما بالنسبة للسلطة الاستعمارية، فقد كان رد فعلها معتدلاً. لأن القرار ينطبق في جوهرة مع المشروع البريطاني الأولي باستثناء شرط الانتخابات المسبقة في المحمية. أما بالنسبة للمستعمرة، فيمكن تذليل هذه الصعوبة. فقد سبق للمفوض السامي أن أعد نظاماً انتخابياً جديداً على هواه يجري تطبيقه عام 1964 و يستبعد فيه اليمنيين القاطنين في عدن من قائمة الناخبين و يعتبرهم أجانب، بالإضافة إلى اعتبارهم مخربين و مشاغبين. الأمر الذي أثار موجة جديدة من الاحتجاجات ضد هذا التمييز السياسي. و في إنجلترا نفسها قامت بعض الصحف بتسجيل أسفها لأن ثلث السكان في المستعمرة قد حرموا من حق التصويت. حتى أن صحيفة الفاننشل تايمز في عددها بتاريخ 5 ـ 5 ـ 1964 تشير إلى الثمانين ألف يمنياً في قولها: ( إنهم يشكلون فريسة جاهزة لدعاية عبد الناصر. فما على بريطانيا إلا أن تدفع المشايخ في الاتحاد نحو المزيد من الديمقراطية و عدم الحيلولة دون تطور عدن ) . و الخلاصة، فان المشاعر العدائية التي أظهرها الشعب نحو الاتحاد، إنما تنجم عن كون الاتحاد لا يعدو كونه نوعاً من أنواع ( النوادي الخاصة ) التي يتم اختيار أعضائها بدقة من خلال الشخصيات المرتبطة اشد الارتباط ببريطانيا. و لن تتوقف تلك الكراهية إلا عندما يتبدد ذلك الانطباع عن الاتحاد. أما الوعود فأنها محاطة بالشكوك، و لا يمكن أن تهدئ من روع الشعب. و إزالة حالة التوتر تتوقف على شرط وحيد، و هو الدخول في مفاوضات مع رجال الحركة الوطنية الذين لا يريدون أن يخدعوا بالوعود. إن مجموعة من الدلائل أتت حديثاً تؤكد تفاقم الاضطرابات: إلقاء القنابل، إغلاق الحدود، إعلان حالة الطوارئ، و تزايد الأعمال الفدائية. و من ثم أعمال التوقيف و الملاحقة و النفي و الاعتقال و الطرد بالمئات (5).إن تدهور الوضع بشكل دائم دعا مجلس الأمن إلى التصويت بتاريخ 14 ـ 12 ـ 1963 على قرار يدين هذه التجاوزات، و يطالب بوقف أعمال العنف البوليسية مباشرة. و قد قررت ( اللجنة الخاصة ) بإنهاء الاستعمار تشكيل لجنة فرعية مؤلفة من خمسة أعضاء لمراقبة تطور الوضع و إعداد الزيارات لهذه المنطقة. و على أثر القصف الجوي البريطاني للقوات اليمنية في حريب تبنت ( اللجنة الخاصة ) بتاريخ 9 ابريل 1964 قراراً جديداً تعتبر اللجنة بموجبه الجلاء عن القاعدة البريطانية أمراً مستحسناً، و تطلب إلى المملكة المتحدة أن تلغي حالة الطوارئ و التدابير التي من شأنها أن تحد من الحريات و أن توقف قصف القرى (6). و رغم ذلك كله، فقد استمر الوضع في التدهور و أصبح يهدد مصير الاتحاد و السلام في المنطقة. فقد امتد تمرد قبائل ردفان و الأميري التي كانت الإذاعات المجاورة تزيد في اشتعاله، و شمل مناطق أخرى. و بات هم القوات الاتحادية و البريطانية القضاء على مهد الثورة و الحيلولة دون انتشارها، لأن لهيب الثورة إذا ما امتد إلى عدن فإنه يصبح عندئذ بمثابة تهديد جدي للمصالح البريطانية. و قد لفت الهجوم الضاري الذي تقوم به السلطات الاستعمارية على القبائل المتمردة، انتباه لجنة تصفية الاستعمار، فطلبت وقف العمليات التأديبية ضد سكان الاتحاد و شجبت التدخل الإنجليزي، و اعتبرت الإجراءات العسكرية التي اتخذتها بريطانيا في المنطقة تتنافى مع التصريح بمنح الاستقلال للبلدان و للشعوب المستعمرة. إن بريطانيا ترى في حمى التمرد يد الجمهورية العربية اليمنية، و هي تتخذ من هذا الاتهام تبريراً لأعمال القمع. و هي من جهة ثانية تنكر بشدة مساعدتها للعناصر الملكية لتقويض النظام الجمهوري. و ذلك في الحقيقة مخالف للواقع. إن الشرط الأول للسلام هو التوقف عن التدخل في الشؤون الخارجية لليمن. فبدون ذلك لا بد أن يستمر النزاع حول الأراضي، و أن يؤدي ذلك إلى تسميم العلاقة بين اليمن و بين الاتحاد. فالاتحاد لا يمكن أن يفرض نفسه في الداخل و الخارج إلا إذا توصل إلى تعايش سلمي مع الدولة الجارة. كما أن بقاء الاتحاد يتوقف على المهارة التي يجب أن تتجلى في مواقف قادة الاتحاد و أصدقائهم الإنجليز. (1) صحيفة التايمس تاريخ 9 ـ 10 ـ 1961. (2) الاوبزرفر في 27 ابريل 1958. (3) لوم وند في 17 ـ 1 ـ 1961. (4) لوموند، عدد 5 ـ 6 مايو 1963. (5) حسب تقرير صحيفة الطليعة الكويتية في عددها رقم 74 تاريخ 25 ـ 3 ـ 1964، هناك حوالي 993 طُردوا من عدن منذ 19 يناير 1963 تابع الصفحة التالية مع تحيات أخوكم: أنا هو. [/U][/B]
التعديل الأخير تم بواسطة أنا هو ; 05-23-2006 الساعة 07:06 PM |
#188
|
||||
|
||||
قضية اليمن الجنوبي أمام الهيئات الدولية: منذ مؤتمر باندونغ بدأت تطرح قضية الممتلكات البريطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل منتظم، في العديد من المؤتمرات التي نظمتها بلدان آسيوية و إفريقية، أو على صعيد المؤتمرات العربية بوجه خاص. و قد اتخذت مقررات عديدة حول هذه القضية، أعطت الحق تارة لليمن و تارة لإشباع فكرة ( الكيان الخاص بالجنوب العربي ). و جرياً على العادة، فقد بقيت هذه المقترحات أفلاطونية إلى حد بعيد و دون نتائج عملية. و انجلترا لم تعط ذلك أية أهمية طالما أن الأطراف المعنية لم تسو خلافاتها و لم تتقدم بوجهة نظر موحدة. و قد استمدت السياسة البريطانية قوتها من الانقسام القائم بينها. بيد أن انتباه العالم ما لبث أن انجذب إلى الموجة العارمة من النضال المعادي للاستعمار، و إلى الأحداث التي بدأت تجتاح المنطقة من جراء اتساع حملات القمع للمعارضة الوطنية. فقد كتبت الاوبزرفر بهذا الصدد قائلة (2): ( إن القوة لا يمكن أن تعزل إلى الأبد هذه المناطق ( عدن و المحمية ) عن التيارات العربية العامة. فإذا تصرفنا على هذا الأساس كان عملنا غبياً فضلاً عن كونه لا أخلاقياً و مخالف للديمقراطية. إن الزمن لا يسمح حتى في الشرق الأوسط بتصريف الأمور و معالجتها بحد السيف ). تدخل الجامعة العربية: بقيت عدن و محميتها 125 عاماً تحت السيطرة البريطانية معزولة عن كل تدخل خارجي آخر. لقد حاولت الدول العربية دوماً أن تفتح قنصليات في المستعمرة و في الإمارات الهامة على الأقل. إلا أن السلطات البريطانية كانت ترفض السماح بإنشاء مثل تلك المراكز، بحجة أن نشاطها من شأنه أن يشجع الحركة المعادية للإنجليز. و كانت تبرر موقفها بالقول إن المنطقة يجب أن تصل قريباً إلى مرحلة الاستقلال، و بأنها لا ينبغي أن تتخذ منذ الآن مواقف خاصة بالعلاقات الخارجية من شأنها أن تقيد نشاطها الدبلوماسي في المستقبل (3). و أقل ما يمكن أن يقال بهذا الصدد هو أن هذا العذر غير مقنع، لأن سلطات غربية عديدة ( الولايات المتحدة، فرنسا، ايطاليا ) و إفريقيا ( إثيوبيا و الصومال ) و آسيوية ( الهند و لباكستان ) كان لها دوائر قنصلية و تجارية في عدن. و قد كان لرفض السلطات البريطانية مفعول عكسي. فقد اشتدت الحملات الإذاعية المعادية لبريطانيا. كما قد استغلت اليمن الفرصة من اجل التشدد و الإلحاح في مطالبها. و منذ عام 1954 لجأت اليمن على الجامعة العربية طالبة دعمها، و خاصة فيما يتعلق بالصراعات الدائرة حول قضية شبوة و حول تغيير الوضع الراهن بشكل عام. فاليمن تؤكد بأن شبوة حيث اكتشف البترول حديثاً تشكل من الناحيتين التاريخية و الجغرافية جزءاً لا يتجزأ من ارض اليمن. أما بريطانيا فتدًعي على العكس بأن تلك المنطقة تشكل جزءاً من حضرموت. و قد أصبحت بموجب اتفاق عام 1951 منطقة مجردة من السلاح، بعد سلسلة طويلة من الاشتباكات العنيفة بين القوى اليمنية و القوى المحلية الخاضعة للنفوذ البريطاني. إن اهتمام السلطات البريطانية في عدن بالبترول، دفعها إلى احتلال المنطقة المتنازع عليه من جديد بغية استثمارها. و قد احتجت صنعاء و طرحت المسألة لدى الجامعة العربية، و لفتت أنظارها إلى النوايا التي تبييتها وزارة المستعمرات حول تجميع الإمارات في دولة اتحادية تعتبرها اليمن بمثابة تهديد مباشر لسيادتها. و لم تتأخر الجامعة العربية طبعاً عن تأييد وجهة النظر اليمنية. و قد صرح الأمين العام في فبراير 1959 بأن ( جميع الدول الأعضاء سوف يتعاونون على تفشيل المخطط البريطاني الرامي إلى أنشاء اتحاد لدويلات جنوب الجزيرة العربية ) ثم أردف في النهاية قائلاً: ( إن بريطانيا سوف لن تتمكن من تدعيم أوضاعها في هذا الجزء من العالم ) . و قد وعدت المنظمة العربية من ناحية أخرى ببذل قصارى جهدها لدى الدول الصديقة من أجل أن تمارس ضغطاً قوياً على إنجلترا من أجل حملها على إعادة النظر في قرارها. كما أنها قامت بحملة دعائية و إعلامية بهذا الصدد. إلا أنها تجنبت أن تتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة، لأنها كانت تدرك سلفاً بأن هذا المسعى سوف يفشل، فلم يكن بالا مكان أن تدعم الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية مطالب النظام الملكي، لأن جل استعدادها ينحصر في دعم المساعي الهادفة إلى تحرير اليمن الجنوبي من ربقة الاستعمار. و هذا هو السبب الذي جعل الجامعة العربية توكل هذه المبادرة إلى اليمن و على البلاد الشقيقة. إن اليمن كانت تدرك ما يدور في خلد البلدان الأفريقية ـ الآسيوية، لذلك فهي لم تجرؤ على طرح القضية بشكل مكشوف. أما البلدان الشقيقة فإن عواطفها كانت تتجه إلى رجال الحركة الوطنية، و بصورة خاصة مصر التي تبنت سياسة التوازن، و شهدت بحكم تبدل الأوضاع تحولات متعددة. فقد بقيت مصر حتى قيام الجمهورية العربية المتحدة تتبنى تجاه القضية اليمنية موقفاً متأرجحاً. تارة تدعم رابطة الجنوب العربي ضد انجلترا و ضد النظام الملكي المتخلف، و تارة تتقرب من الأخير ضد انجلترا. و قد كان هذا لتأرجح طابع العلاقات فيما بين الدول العربية نفسها التي كانت تتراوح صعوداً و هبوطاً، تبعاً لتطور الأوضاع في الشرق الأوسط. إلا أن دخول اليمن في إطار ( الدول العربية المتحدة ) بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة و اتحاد سوريا و مصر، قد جعل الجمهورية العربية المتحدة تتبنى القضية اليمنية نهائياً. إلا أن هذا الارتباط قد حل بعد انفصال سوريا عن مصر. و بعد حل ( الدول العربية المتحدة ) في ديسمبر 1961. و عندئذ عادت مصر إلى سياستها التقليدية. و مع وصول الجمهوريين إلى الحكم اندفعت مصر إلى دعم النظام الجديد مادياً و دبلوماسياً، و إلى إهمال رابطة الجنوب العربي من جديد. و قد كان لتدخلها العسكري إلى جانب القوات الجمهورية أثر في زيادة رصيدها، لأن ذلك أظهرها أمام الجماهير العربية بمظهر المدافع الحقيقي عن القومية العربية. و تجدر الإشارة إلى أن الدول العربية الأخرى لم تكن تشارك الجمهورية العربية المتحدة في وجهة نظرها. فبعضها لم يكن يتبنى المطالب اليمنية و كان يشجب الاستعمار في الأمم المتحدة و ينضاف إلى الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية في المطالبة بجلاء الإنجليز عن اليمن الجنوبي دون أن يطالب بضمه إلى اليمن. التوجه إلى الأمم المتحدة: إذا كان تدهور الوضع الداخلي، و على الحدود من جهة، و الشعور بالتضامن مع اليمن من جهة أخرى، هما السبب الذي دفع إلى اللجوء إلى الجامعة العربية، فإن التوجه إلى الأمم المتحدة هو نتيجة لهذا التدهور. و منذ أصبح طرح هذه القضية في الأمم المتحدة طرحاً منتظماً، أصبح تدخل الهيئة الدولية متزايداً و ملحاً. و أصبحت انجلترا يوماً بعد يوم تجد نفسها في موقف حرج إلى درجة رفضت معها التعاون مع اللجنة الفرعية التي جرى تعيينها لاستقصاء الرغبات الحقيقية للسكان. لقد جر الانفجار الشعبي في عدن السلطات الاستعمارية إلى اتخاذ تدابير عنيفة. كما أنها أحالت إلى المحاكم القادة السياسيين و النقابيين و بعض الشبان و الفتيات الذين جرى توقيفهم خلال المظاهرات. و قد نقلت وكالات الأنباء أصداء تلك الحوادث، و عبر الرأي العام العالمي عن استنكاره لتلك التدابير التي لجأت إليها السلطات الاستعمارية. و قد كان رد الفعل الأقوى هو موقف الكتلة الأفريقية ـ الآسيوية التي قدمت عريضة إلى الأمم المتحدة بتاريخ 4 يونيو 1963 تعلن بأن الوضع في ( اتحاد الجنوب العربي ) يشكل خطراً على السلام و الأمن، و تقترح إرسال بعثة من قبل لجنة تصفية الاستعمار لزيارة المنطقة. و قد سبق أن قدمت استراليا و الدانمرك و الولايات المتحدة و ايطاليا مشروع قرار إلى لجنة تصفية الاستعمار ( المعروف بلجنة الأربعة و العشرين ) يعترف بحق سكان عدن و المحمية بحق تقرير المصير و بالاستقلال. و يطالب عدا عن ذلك بإتاحة المجال لهم في المستقبل القريب، بتقرير مصيرهم بحرية. و قد تبنت اللجنة أيضا المشروع الآسيوي ـ الإفريقي القاضي بإرسال لجنة فرعية تتولى التحقيق و الاستقصاء على الطبيعة، و ذلك بأكثرية 18 صوتاً ضد خمسة أصوات ( و هي أصوات القوى الغربية الأربع مضافا إليها صوت بريطانيا ) . و قبل أن يجري التصويت أعلن مندوب بريطانيا بأن حكومته لن تسمح لأعضاء البعثة بزيارة عدن. و كان يزعم بأن عمل البعثة يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية البريطانية لا بد أن يعيق الجهود التي تبذلها بلاده من أجل الأخذ بيد الاتحاد نحو الاستقلال. لذلك جاء في نص الاقتراح الذي تبنته لجنة تصفية الاستعمار، بأن البعثة مخولة باللجوء إلى البلدان المجاورة إذا اقتضى الأمر من اجل استطلاع رأي السكان و بصورة خاصة رأي ممثلي و قادة الأحزاب، و عقد مباحثات مع السلطة الإدارية (4). إن منع دخول اللجنة عدن، دعا اللجنة إلى الاتجاه نحو المملكة العربية السعودية من أجل إنجاز مهمتها. و هكذا استطاعت أن تستطلع رغبات شعب اليمن الجنوبي عن طريق سماع وجهات نظر مختلف الوفود التي أرسلت من المستعمرة و من القاهرة للتحدث إلى ممثلي الأمم المتحدة. و قد طلبت البعثة في تقريرها تنظيم انتخابات حرة. و تمت الموافقة على توصيات البعثة في 11 ديسمبر 1963، ثم تم التصويت على قرار جديد يدعو بريطانيا إلى تنظيم هذه الانتخابات. و قد قوبلت تلك التوصيات بارتياح و حماس من قبل غالبية التشكيلات السياسية المحلية، بما فيها حزب الشعب الاشتراكي. و لكنها رُفضت من طرف الأمراء الذين كانوا يصرون دوماً على معارضة إدخال مبدأ الانتخاب في مناطق نفوذهم و على حرمان أتباعهم من حق أولي أقره ميثاق الأمم المتحدة. أما بالنسبة للسلطة الاستعمارية، فقد كان رد فعلها معتدلاً. لأن القرار ينطبق في جوهرة مع المشروع البريطاني الأولي باستثناء شرط الانتخابات المسبقة في المحمية. أما بالنسبة للمستعمرة، فيمكن تذليل هذه الصعوبة. فقد سبق للمفوض السامي أن أعد نظاماً انتخابياً جديداً على هواه يجري تطبيقه عام 1964 و يستبعد فيه اليمنيين القاطنين في عدن من قائمة الناخبين و يعتبرهم أجانب، بالإضافة إلى اعتبارهم مخربين و مشاغبين. الأمر الذي أثار موجة جديدة من الاحتجاجات ضد هذا التمييز السياسي. و في إنجلترا نفسها قامت بعض الصحف بتسجيل أسفها لأن ثلث السكان في المستعمرة قد حرموا من حق التصويت. حتى أن صحيفة الفاننشل تايمز في عددها بتاريخ 5 ـ 5 ـ 1964 تشير إلى الثمانين ألف يمنياً في قولها: ( إنهم يشكلون فريسة جاهزة لدعاية عبد الناصر. فما على بريطانيا إلا أن تدفع المشايخ في الاتحاد نحو المزيد من الديمقراطية و عدم الحيلولة دون تطور عدن ) . و الخلاصة، فان المشاعر العدائية التي أظهرها الشعب نحو الاتحاد، إنما تنجم عن كون الاتحاد لا يعدو كونه نوعاً من أنواع ( النوادي الخاصة ) التي يتم اختيار أعضائها بدقة من خلال الشخصيات المرتبطة اشد الارتباط ببريطانيا. و لن تتوقف تلك الكراهية إلا عندما يتبدد ذلك الانطباع عن الاتحاد. أما الوعود فأنها محاطة بالشكوك، و لا يمكن أن تهدئ من روع الشعب. و إزالة حالة التوتر تتوقف على شرط وحيد، و هو الدخول في مفاوضات مع رجال الحركة الوطنية الذين لا يريدون أن يخدعوا بالوعود. إن مجموعة من الدلائل أتت حديثاً تؤكد تفاقم الاضطرابات: إلقاء القنابل، إغلاق الحدود، إعلان حالة الطوارئ، و تزايد الأعمال الفدائية. و من ثم أعمال التوقيف و الملاحقة و النفي و الاعتقال و الطرد بالمئات (5).إن تدهور الوضع بشكل دائم دعا مجلس الأمن إلى التصويت بتاريخ 14 ـ 12 ـ 1963 على قرار يدين هذه التجاوزات، و يطالب بوقف أعمال العنف البوليسية مباشرة. و قد قررت ( اللجنة الخاصة ) بإنهاء الاستعمار تشكيل لجنة فرعية مؤلفة من خمسة أعضاء لمراقبة تطور الوضع و إعداد الزيارات لهذه المنطقة. و على أثر القصف الجوي البريطاني للقوات اليمنية في حريب تبنت ( اللجنة الخاصة ) بتاريخ 9 ابريل 1964 قراراً جديداً تعتبر اللجنة بموجبه الجلاء عن القاعدة البريطانية أمراً مستحسناً، و تطلب إلى المملكة المتحدة أن تلغي حالة الطوارئ و التدابير التي من شأنها أن تحد من الحريات و أن توقف قصف القرى (6). و رغم ذلك كله، فقد استمر الوضع في التدهور و أصبح يهدد مصير الاتحاد و السلام في المنطقة. فقد امتد تمرد قبائل ردفان و الأميري التي كانت الإذاعات المجاورة تزيد في اشتعاله، و شمل مناطق أخرى. و بات هم القوات الاتحادية و البريطانية القضاء على مهد الثورة و الحيلولة دون انتشارها، لأن لهيب الثورة إذا ما امتد إلى عدن فإنه يصبح عندئذ بمثابة تهديد جدي للمصالح البريطانية. و قد لفت الهجوم الضاري الذي تقوم به السلطات الاستعمارية على القبائل المتمردة، انتباه لجنة تصفية الاستعمار، فطلبت وقف العمليات التأديبية ضد سكان الاتحاد و شجبت التدخل الإنجليزي، و اعتبرت الإجراءات العسكرية التي اتخذتها بريطانيا في المنطقة تتنافى مع التصريح بمنح الاستقلال للبلدان و للشعوب المستعمرة. إن بريطانيا ترى في حمى التمرد يد الجمهورية العربية اليمنية، و هي تتخذ من هذا الاتهام تبريراً لأعمال القمع. و هي من جهة ثانية تنكر بشدة مساعدتها للعناصر الملكية لتقويض النظام الجمهوري. و ذلك في الحقيقة مخالف للواقع. إن الشرط الأول للسلام هو التوقف عن التدخل في الشؤون الخارجية لليمن. فبدون ذلك لا بد أن يستمر النزاع حول الأراضي، و أن يؤدي ذلك إلى تسميم العلاقة بين اليمن و بين الاتحاد. فالاتحاد لا يمكن أن يفرض نفسه في الداخل و الخارج إلا إذا توصل إلى تعايش سلمي مع الدولة الجارة. كما أن بقاء الاتحاد يتوقف على المهارة التي يجب أن تتجلى في مواقف قادة الاتحاد و أصدقائهم الإنجليز. (1) صحيفة التايمس تاريخ 9 ـ 10 ـ 1961. (2) الاوبزرفر في 27 ابريل 1958. (3) لوم وند في 17 ـ 1 ـ 1961. (4) لوموند، عدد 5 ـ 6 مايو 1963. (5) حسب تقرير صحيفة الطليعة الكويتية في عددها رقم 74 تاريخ 25 ـ 3 ـ 1964، هناك حوالي 993 طُردوا من عدن منذ 19 يناير 1963 أخونا المتصفح هذا الكتاب هي وجهة نضر كاتبه أن كل المعلومات التي يحتويها يتطلب التدقيق فيها ولكن عند الإطلاع علية سوف تلا حض تاريخ بعض الحوادث وكيف كان ابنا الجنوب ضحية العواطف والجري وراء الوسائل والتمسك بها والأئمة الزيدية وفي ما بعدهم ما يسما بالمملكة المتوكلة اليمنية من يوم تأسيسها 1918م استخدمت كل الوسائل ضد أبناء الجنوب و كان هدفها الرئيسي هو احتلال ارض الجنوب ولكن الجنوبيين كانوا يجرون ويتقاتلون على الأوهام والنظريات ولم يكون أيمانهم قوي في التمسك بالغاية المنشودة وهي الأرض والشعب والدولة الجنوبية وهذا الشعور كان مبكراً ولجنوبيين لم يتداركوة يأسفاة عليهم. مع تحياتي لكم وللكاتب ويعذرني لأني قمت في تصحيح أخطا مطبعية كثيرة كانت موجودة في النسخة المسحوبة من المجلس اليمن ولا اعرف سبب الأخطاء المطبعية ومصدرها، مع تحياتي أخوكم: أنا هو.
|
#189
|
||||
|
||||
شقيقة فتاح تعتقد بأنه لازال حياً. شقيقة عبدالفتاح إسماعيل تروي عن طفولة فتاح وخفايا حياة أسرة الزعيم الحزبي المبهم النهاية!! لاشتراكي.نت/ خاص:علي سالم المعبقي
قالت سعادة إسماعيل الجوفي، شقيقة مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني عبدالفتاح إسماعيل، إنها لا تشعر بالفخر لاستشهاد شقيقها إذا كان قد قتل فعلاً على حد قولها. وقالت سعادة التي تكبر شقيقها عبدالفتاح بنحو ثمان سنوات، أنها تعتقد بأن شقيقها، الذي قتل في أحداث 13 يناير 1986م، ما يزال على قيد الحياة: "أعتقد أنه على قيد الحياة.. أتخيله دائما". وتمنت سعادة (76 عاماً) لو أن شقيقها فتاح لم يشتغل في الشأن السياسي طالما ذلك يودي بحياته. وروت سعادة، التي لا تقرأ ولا تكتب، ذكريات عن أسرة الجوفي الأب معلم القرآن المتزوج من خمس نساء، وعن شقيقها الأصغر عبد الفتاح الذي يوصف بأنه مؤسس أول حزب ماركسي تمكن، أثناء حكمه لجنوب اليمن، من فرض تعليم المرأة ومنع تعدد الزوجات. وروت سعادة ذكريات عن طفولة شقيقها فتاح وذكرت أنه كان يحمل تنكات الماء على كتفه في قرية الأشعب -حيفان- تعز. وامتنعت سعادة عن اتهام فرد أو فصيل في مقتل شقيقها. لكنها كشفت جوانب من حياتها وحياة أسرة الجوفي في حيفان وعدن وصنعاء وتعز. وهي ذكرت أن الجنود البريطانيين الذين كانوا يدهمون منزلهم في "الشيخ عثمان" بحثاً عن المطلوب الرقم واحد للسلطات البريطانية حينها، لم يكونوا يعتدون على أفراد الأسرة، بيد أنها أثناء إقامتها في تعز وصنعاء، شعرت، على حد قولها، بالخوف باعتبارها شقيقة العدو الأول للنظام الحاكم في صنعاء آنذاك. زواج الطفلة لئن شاع في تلك الفترة (أواخر الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات من القرن العشرين) زواج صغيرات السن. وهو مستمر حتى وقتنا الحاضر إلا إن ما تعرضت له سعادة يعد جريمة بكل المقاييس. كانت سعادة في حوالي التاسعة حين زفت من قرية "الأشعب" حيفان إلى دار ابن عمها في "الأعبوس". تقول: "كنت مجرد طفلة تلعب على عتبة الدار".. وفي ما يشبه عرف العطايا وُهبت سعادة إلى ابن عمها. لم يكن فارق العمر أو كونه تزوج قبلها ثلاث نساء هو ما جعل ذلك الزواج -إن جازت التسمية- كابوساً ما انفك ينكأ ويطارد ذاكرة سعادة. بل أيضاً لأن الزوج لم ينتظر عروسه الطفلة حتى تكبر بل دخل عليها قبل البلوغ. "لن أسامحه أبداً...شمّت بي شمات.. بقيت أبكي ثلاثة أيام". فظاعة الحادثة دفعت الطفلة إلى هروب متكرر من بيت الزوج. كانت تقطع مسافات جبلية لتصل إلى بيت الأب. وكان أيضاً أن أدى الزواج المبكر إلى عدم تمكن سعادة مواصلة تلقي القرآن على يد والدها. وتصف سعادة عمها وابن عمها (الزوج) بالظالمين.."عاملوني معاملة سيئة، تزوجت وعمري تسع سنوات". و ترى سعادة أن قريتهم "الأشعب" كما كانت في طفولتها تختلف عن منطقة الزوج الأعبوس. "بلادنا ثاني وبلادهم ثاني.. في بلادهم النساء يعملن في حمل الحطب والماء والوجيم". وذكرت سعادة أن أسرة زوجها كانت تفرض عليها القيام بأعمال المنزل وجلب الماء والحطب "كنت أبقى في بيت زوجي شهراً ثم أعود إلى بيتنا لأبقى هناك حوالي سبعة أشهر". وطبقاً لرواية سعادة لا يبدو أن الوالد كان معارضاً تماماً لذلك الزواج. وعلى حد قولها فإن والدها أخبرها بأنه زوَجها لتبقى في بيت الزوج. لكنه -الوالد - وحالما عرف بما تعانيه، رفض إرجاعها. أما التصدي الفعلي لهذا الزواج فتم بعد وفاة الأب. إذ أنبرى الأخ الأكبر عبدالوالي لمشارعة (مقاضاة) الزوج أمام المحكمة. بعدما علم أن أخته كانت تعاد إلى بيت زوجها صباحاً فتهرب منه مساءً. وقالت سعادة أن زوج الطفلة التي كانتها، كان يعمل في عدن ولديه مال كثير. ولهذا السبب، حسب اعتقادها، مضى الزوج قدما في محاولة ردها إلى بيت الطاعة. إلا أن إصرار عبدالوالي ومراسه في (المشارعة)، كان من القوة الأمر الذي شكل حاجزاً أمام مرامي الزوج الذي كان يطالب -على حد قول سعادة- بإحضار زوجته مقيدة. "كان عبدالوالي يرد عليه القيد للرجال وليس للنساء.. هذه رجلي فمد رجلك لنتقيد". وذكرت سعادة أن شقيقها عبدالوالي أمضى حوالي سنة في (مشارعة) ابن عمها، حتى حُكم بطلاقها مقابل أن تترك للزوج كل ما حملته من عفش إلى بيت الزوجية. "كنت أكرهه من كل قلبي". تقول سعادة التي بدت آلام ذلك الزواج بادية على حديثها. الدِّيك المنتقم تعود أسرة إسماعيل علي الجوفي إلى قبيلة "ذو حسين" في محافظة الجوف. ويعتقد إن الجوفي، الجد، قدم إلى حيفان ليشغل وظيفة قاضٍ ثم تزوج من المنطقة واستقر فيها. وذكرت سعادة أن الأسرة كانت تضم عدداً كبيراً من الأولاد والبنات لخمس زوجات آخرهن أم سعادة وعبد الفتاح، عاشوا جميعاً في بيت الأب إسماعيل الذي كان يعمل معلماً للقرآن. وقالت سعادة أن أهالي القرية كانوا ينادونها "ابنة الفقيه" وأنه كان هناك سمسرة للجمال تقع بجانب المنزل. وأن نحو 50 صبياً وصبية كانوا يتلقون القرآن تحت شجرة "الإثابة"، حيث كان الوالد إسماعيل الجوفي يعلم القرآن لأطفال القرية. وفي أواخر حياته يُصاب بمرض يعتقد أنه الباسور. وتصف سعادة كيف تورمت رجلاه وظهرت عليهما الجراح وكيف أن امرأة كانت تأتي لتسم والدها بالنار. قبل وفاة إسماعيل الجوفي حدث أن الدار تهدمت، فانتقلت الأسرة آنذاك إلى منزل مكون من حجرة واحدة "ديمة" بناها الأب قرب المسجد. ولم يكن هناك من يقوم بتعليم القرآن في قرية الأشعب سوى والد سعادة وشقيقه. وتتذكر سعادة بأن والدها، على عكس عمها، لم يكن يطالب تلامذته بجلب البيض والسمن والدجاج كما لم يكن يضرب أياً من أبنائه وبناته إلا عندما يتقاعسون عن حفظ القرآن أو أداء الصلاة لكنه "كان يضرب ضرباً خفيفاً". وقالت سعادة أن والدها كان يطلب بعض السمن فقط عندما يطلب منه أهالي الموتى قراءة القرآن على قبر الميت". كان يستخدم السمن لإشعال القناديل". وتتذكر سعادة أن والدها كان يحمل الجنبية (الخنجر اليمني) عندما يكون ذاهبا إلى "مقر الحكومة" أو لعقد قران. ولا تتذكر سعادة أن أهالي القرية كانوا يعتبرون أفراد أسرة الجوفي أغراباً. وحكت سعادة ما يشبه الخرافات، ومن ذلك أن والدها كان يخبرهم بأنه أثناء أداءه الصلاة في المسجد بمفرده كان يسمع صوتاً يردد بعده "آمين" وحين يلتفت لا يجد أحداً.. ومن الحكايات الغريبة أيضاً أنه وبعد موت عمها كان ثمة ديك يقف على قبر العم ثم يشرع بالصياح. ظل الديك على حال الصياح هذه إلى أن أعتقت ابنة المتوفى أباها برد ما كان يأخذه من بيض ودجاج إلى أهالي تلامذته الصبيان. وحول طفولة شقيقها الأصغر عبدالفتاح تتذكر سعادة رعيهما معا لقطيع الماشية الخاص بالأسرة. وقالت أن فتاح كان يجلب الماء على كتفيه في تنكات. واصفة إياه بالذكي، وقالت انه خلال فترة مابعد الظهيرة كان يلعب كرة مصنوعة من الخرق تخيطها له والدته التي كانت واحدة من ثلاث نساء في القرية يعملن بالخياطة باستخدام إبرة اليد. وتشير سعادة إلى أن قطع القماش كانت تشترى من باعة يعبرون القرية. وتتذكر سعادة ألعاباً شعبية مارستها في طفولتها مثل "الكسيبة"، "القار"، "البتارة"، و"الشعوريور". وهي قالت أن والدها ووالدتها كانا يتناولان القات يوم الخميس فقط. يجلبه الوالد من سوق القرية. وكغالبية سكان الريف خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كانت أسرة الجوفي لا تذبح دجاجة إلا في المناسبات. أما الخرفان فتذبح فقط في عيد الأضحى. ولفتت سعادة إلى أن أفراد الأسرة كانوا يحفظون ثياب عيد الفطر إلى عيد الأضحى. وفي الأيام العادية كانت الوجبات الرئيسية متشابهة تقريباً:عند الفطور يقدم "المُقَلَبْ"، و"اللحوح" أو الشعافة (خبز الطاوة) مع قهوة بدون سكر. وللغداء عصيدة بالحقين، و العشاء "شعافة" أو الدجر (فول الصويا). ويتم تحضير "المُقَلَبْ" بمزج كمية من الطحين بالحقين ثم توضع العجينة على الملحة (طاوة من فخار).وحسب سعادة فإن الوالد لم يكن يتناول الحليب صباحاً. إذ كانت الأم تدبش الحليب (ترجُّه) لتحضير الحقين ليحفظ للغداء. في الشيخ عثمان بعد مضي ثلاث سنوات على وفاة الوالد،عانت الأسرة أوضاعاً صعبة: "لم نكن نحصل سوى على ريالين". ثم جاء الأخ الأكبر محمد ليأخذ سعادة وعبدالفتاح وإدريس ولطيفة ليستقروا معه في عدن، فيما ذهبت الأم إلى منزل والدها في الأعبوس، وبقي عبدالوالي -الأخ الأكبر غير الشقيق- في القرية. وفيما بعد ستعود لطيفة، كبرى أشقاء وشقيقات سعادة، لتتزوج وتستقر في القرية، كان ذلك قبل أن تتزوج زوجها الحالي فضل محسن رفيق فتاح والقيادي السابق في الحزب الاشتراكي. كانت أسرة محمد تسكن "الشيخ عثمان" و كان محمد يعمل طباخاً في "كريستن هوتيل" على ما قالت سعادة،. وعدا محمد كان هناك عبدالجليل وأحمد، وهما أيضاً شقيقان لسعادة وعبدالفتاح. وتقول سعادة أن عبدالفتاح بقي في التواهي حيث التحق بمدرسة هناك. وفي تلك الفترة لم يكن يزور منزل الأسرة في "الشيخ عثمان". أما عبدالجليل فكان يعمل مقاولاً، ما أتاح لإدريس وعبدالفتاح العمل معه إلى جانب مواصلة الدراسة. بعدئذ انتقل فتاح إلى مدرسة في الشيخ عثمان ثم إلى البريقة. وتتذكر سعادة انه وخلال إقامة فتاح في عدن -تقريبا في الفترة التي بدأ فيها نشاطه الوطني ضد السلطات البريطانية- كان هناك ثمة من يقول له ساخراً: "أنت يابو معجر ستطرد البريطانيين؟" أبو معجر حسب سعادة كانت تطلق آنذاك على القادمين من مناطق الشمال "الجبالية". و طبقاً لشقيقة فتاح فان السخرية مردها أن فتاح كان نحيلاً. وهي قالت أن فتاح كان نادراً ما يسافر إلى القرية. ولازالت سعادة تتذكر أحداث المواجهات مع السلطات البريطانية في عدن وقيام الشرطة بتوزيع صور شقيقها كمطلوب. آنذاك، أيضاً، وأثناء بحث السلطات البريطانية عنه كان عبدالفتاح يزور الأسرة خلسة، كما تقول سعادة، التي ذكرت أنه كان يروي لهم بأنه كان يبقى ما يقارب العشرة أيام بدون أكل. وقالت سعادة أن فتاح في إحدى المرات اختفى لمدة طويلة، ما أثار قلقهم عليه. اعتقالات تعز بقيت سعادة في عدن 3سنوات تقريبا وفي تلك الفترة خُطبت ثم رحل خطيبها إلى السعودية قبل أن يعود ليتزوجها. وبكت سعادة جراء تذكرها لحظات أليمة عرفتها حياتها كما بكت لفقدها شقيقها" الحنون". ومن تلك الذكريات أنها وأثناء سكنها "الشيخ عثمان". حدث أن شقيقها محمد ضربها. كان ذلك بُعيد إنجابها لمولودها البكر الذي كان يعاني نوبات إغماء. وقالت انه وخلال إحدى الليالي أغمي على الرضيع فأخذت تصرخ مما أدى إلى إيقاظ شقيقها الذي أخذ بضربها. وعلى حد قول سعادة فإن عبدالفتاح وقف إلى جانبها. وتتذكر انه قال لشقيقه أنت كبير ولا يجوز أن تضرب أختي. وأشارت سعادة إلى إنها أنجبت أولادها: جابر، شوقي، توفيق في عدن، ثم رحلت وزوجها، بعد عام 1967م تقريباً، إلى القرية حيث امضوا هناك حوالي السنة ونصف السنة. وقالت سعادة أن زوجها كان يملك سيارة يؤجرها من القرية إلى تعز وعندما حصل على عمل عند الأمريكيين انتقلنا معاً للإقامة في مدينة تعز. ثم انتقل مقر السفارة الأمريكية من تعز إلى صنعاء، مما اضطر زوج سعادة الذي كان يعمل طباخاً إلى أخذ أسرته معه. شتات الأسرة صورة شبه ملتبسة وغير حنون تعطيها سعادة لزوجة شقيقها محمد، دون أن تشير إلى اسمها، تقول سعادة أن زوجة الأخ كانت قاسية في تعاملها معها ومع شقيقها عبدالفتاح. وتصفها بالشخصية "الموسوسة". وبحسب سعادة فإن زوجة الأخ كانت تعارض زواج عبدالفتاح. ونعلم من حديث سعادة أن فتاح تزوج من قريبة له من جهة الأم. وقالت سعادة أن عبدالفتاح تزوج في حفل أقيم في منزل حماه في قرية "الأعبوس"، وبعد حفل الزفاف غادر فتاح وعروسه إلى عدن. لا تذكر سعادة معلومات كثيرة عن شخصية الأم سوى أنها بعد وفاة زوجها إسماعيل الجوفي، ذهبت إلى "الأعبوس" لتبقى في بيت أهلها. ويبدو أن أم سعادة كانت آنذاك لا تزال في سن الشباب وهي كانت كما نعلم آخر الزوجات الخمس لمعلم القرآن إسماعيل الجوفي الذي لم يكن يميز بين أبناء زوجة وأخرى بحسب ما قالت سعادة التي تتذكر أيضاً أن والدتها كانت تتصف بالرقة ولا تعرف عنها أنها ضربت أطفالها. وعلى ضوء ما روته سعادة فإن الأسرة عانت ما يشبه الشتات. حيث ظلت الأم في القرية فيما رحل الأبناء والبنات إلى عدن. لم تمكث سعادة في عدن سوى حوالي 3 سنوات لتغادرها إلى تعز ثم إلى صنعاء. وخلال فترة قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تبوأ فيها عبدالفتاح إسماعيل مناصب عدة، بقيت الأم في القرية وكانت ترفض دعوة ابنها فتاح المجيء إلى عدن للعيش معه. وعندما ماتت الأم في القرية لم يحضر أي من عبدالفتاح أو لطيفة أو سعادة مراسم الدفن، وقالت سعادة أن شقيقها فتاح كان وعد والدته قبل وفاتها، بأن يبني لها بيتاً من غرفة واحدة "ديمة". لكنه لم يفعل. فماتت الأم من دون أن تتحقق رغبتها. وطبقاً لما قالته سعادة فإن الأم لم تتلق مالاً من ولدها فتاح سوى مرات قليلة ومبالغ ضيئلة. سعادة ذكرت زيارات قليلة قامت بها الأم إلى عدن لرؤية ولدها فتاح لاسيما بعد عودته من منفاه في الاتحاد السوفيتي. وطبقاً لما روته سعادة فإن الأسرة لم تحز أملاكاً بعدما أوصى الأب إسماعيل بأن يؤول كل ما بحوزته من أراضٍ إلى الوقف. حمى السياسة لم تكن الأسر العادية لوحدها من عانت جراء حمى التشطير. أسر عدة ظلت قبل 1990م مقسمة بين شمال وجنوب اليمن لا تتوفر لها فرص الزيارة سوى في أوقات قليلة وفي ظروف تتسم بالتعقيد. بيد أن أسرة الشخصية الأبرز داخل النظام السياسي الذي كان يحكم آنذاك الشطر الجنوبي، عانت بدورها ذات المعاناة وأشد تقريباً. وتورد سعادة أحداثاً مجزأة وتفاصيل قليلة عن مراحل وأحداث هامة شهدتها علاقة الشطرين، وكل شطر على حدة. وتتذكر سعادة سنوات يُعتقد أنها تنتمي لعقد الستينات من القرن الماضي، إثر تشكل الجبهة القومية ولحظة تواجد القوات العسكرية المصرية في شمال اليمن. وقالت سعادة أن عبدالفتاح كان يأتي إلى تعز، حيث كان يلتقيها خفية وعن طريق أشخاص من خارج الأسرة. كما كانت، اللقاءات، تعقد في منزل شخص غير قريب. وتتذكر سعادة التي كانت تسكن وزوجها حارة "السواني" في تعز حادثة اعتقال عبدالفتاح في تعز ونقله إلى صنعاء، ثم إلى معتقل في العاصمة المصرية القاهرة. كان ذلك خلال فترة السيطرة المصرية في اليمن الشمالي إثر اشتداد الخلاف بين الجبهة القومية وجمال عبدالناصر. بعد إعلان دولة الاستقلال في جنوب اليمن 1967م. بقيت سعادة حوالي 18 عاماً لا تلتقي شقيقها عبدالفتاح. وهي قالت إنها لم تتمكن من زيارة عدن إلا بعد أن "فُتحت الحدود" بين الشطرين. كان ذلك إثر "عودته من الاتحاد السوفيتي" المنفى الاختياري لفتاح . بعدئذ زارته في منزله الواقع على جبل "هيل" مديرية التواهي" عدن، وقالت إنها بكت أثناء اللقاء. ونعلم من حديث سعادة أنها مكثت هناك حوالي أسبوعين وأنها في كل المرات التي كانت تذهب فيها إلى عدن كانت تسافر بمفردها وان أقارب ومعارف الأسرة كانوا ينصحونها بأخذ الحيطة والحذر. سعادة لفتت إلى أنها كانت تسافر بوثيقة هوية تحمل اسم سعادة إسماعيل الجوفي، وقالت أن فتاح عرض عليها أن تستقر وزوجها في عدن إلا أن زوجها الذي لم يسافر إلى عدن منذ زواجهما، رفض ذلك. وقالت سعادة أنها وخلال رحلاتها إلى عدن كانت تشعر بالخوف لكونها شقيقة الزعيم الأبرز في الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب. لكنها أشارت إلى أنه لم يسبق وأن اعترضتها السلطات الأمنية الشمالية في النقاط الحدودية سوى مرة واحدة في مطار صنعاء إثر عودتها من عدن. حيث طلب منها عدم مغادرة المطار إلا بعد حضور زوجها. سعادة أرجعت ذلك إلى أن وجهة التصريح الذي كانت الجهات الأمنية تمنحه للمسافرين، لم تكن صنعاء. وخلال حديثها تطرقت سعادة إلى أحوال منزل شقيقها على ضوء زيارتها له وهي ذكرت بعض عادات شقيقها، و قالت أن عبدالفتاح خلال وجوده في المنزل كان يبقى هادئاً في الغالب وأحياناً يتعاطى القات. ويفهم من حديثها أنه كان يستفسر عن أحوال أفراد الأسرة في الشمال. فيما كانت سعادة تروي له ذكريات الطفولة. وتصف سعادة أثاث منزل شقيقها بأنه كان بسيطاً جداً رغم المكانة الكبيرة التي كان يشغلها صاحبه داخل السلطة الحاكمة في الجنوب. وقالت سعادة: "عندما كنت أنزل عندهم كنت اشعر بالأسى، إذ لم يكن معاهم مخدة (وسادة) لو جاء ضيف عندهم". وتتذكر سعادة أن المنزل كان يحتوي على حوالي ثلاثة أو أربعة كراسي في الصالة، وكانت هناك غرفة نوم قديمة "مِدْرِي من حق متى". وهي قالت أن أسرة شقيقها كانت تطبخ "دستا" (قدرا) من الفاصوليا، وأحياناً تشتري لحمة أو سمكاً. مشيرة إلى أن فتاح كان يحبذ تناول عصيدة الذرة الحمراء. وتتذكر سعادة أن فتاح، عند زيارتها له بعد عودته من الاتحاد السوفيتي، أعطاها تذكرة طيران ومبلغ 800 شلن. ولفتت سعادة إلى أن زوجة شقيقها كانت تفسر شحة ما يعطيه فتاح لأفراد أسرته لكون فتاح "ليس مغترباً ولا يشتغل". وقالت سعادة أن منزل بنات أخ عبدالفتاح اللاتي كن في عدن، خلا (كان خالياً) من جهاز تلفزيون و آلة الطبخ بالغاز". ولا تعتقد سعادة أن ذلك كان بخلاً من شقيقها "هو حنون شندي (سيعطي) عيونه.. لكن اما أنه كان مايفتكش (لا يجرؤ) أو أن عليه مسؤولية.. يخاف من أن يقول له الله ليش هكذا فعلت". وقالت سعادة أن أوضاع أسرة عبدالفتاح لم تتحسن حتى عندما كان شقيقها على رأس هرم السلطة. وذكرت سعادة أن عبدالفتاح عندما كان يقال له لماذا لا تعطي خواتك. كان يرد "من فين أجيب لهم (أعطيهم)... من حق الشعب؟". أحداث 13 يناير لا تملك سعادة تفاصيل دقيقة حول ما جرى يوم 13 يناير 1986م من اقتتال تفجر أثناء اجتماع لقيادات "الحزب والدولة". سعادة التي زارت عدن بعد الأحداث استخدمت صيغة "قالوا" لرواية ما جرى. وتروي سعادة بأن شخصاً لا تذكر اسمه كان، كما قيل لها، بجانب عبدالفتاح، وأنه على اثر إطلاق الرصاص على أعضاء المكتب السياسي الذين كانوا في صالة الاجتماعات نزع - الشخص- ستارة ليستخدمها في تضميد جراح عبدالفتاح وأنه قال للمصاب "ألم أخبرك بذلك ولم تصدقني". وفيما بات شبه مؤكد أن عبدالفتاح قضى في انفجار دبابة كانت تحاول إنقاذه، إلا أن سعادة لا زالت تشعر على حد قولها بأن شقيقها لازال حياً، .مستدلة على ذلك بعدم العثور على أي أثر لجثمانه كبقية الذين قضوا في تلك الأحداث. وحين سئلت أين تتوقع أن يكون إذا ما كان حياً؟. ردت سعادة "لا يعلم ذلك إلا الله". وعن المسئول عن مقتل شقيقها عبد الفتاح أجابت سعادة: "لا أعلم! ماقدرش (لا أستطيع) أن أظلم أحداً... الذي ظلمه مصيره معه". ولفتت إلى أن "كلام الناس كثير". ولا تعلم سعادة سبب الاقتتال الذي نشب بين فرقاء في الحزب الحاكم آنذاك، وأسفر عن قتل أعداد كبيرة. وذكرت سعادة أنها وحين زيارتها أسرة عبدالفتاح وجدت أفراد الأسرة في حالة يرثى لها، حيث انتقلت أسرة فتاح بعد الأحداث من "التواهي" إلى "خور مكسر". وقالت سعادة أن الأسرة روت لها كيف أنهم خرجوا حافيين ليختبئوا أثناء القتال في إحدى العمارات ولم يعثر على أفراد الأسرة إلا بعد أسبوع حيث تم نقلهم إلى "خور مكسر". زوج سعادة لا تذكر سعادة تفاصيل كثيرة عن زوجها سعيد سوى أنه لا يكترث بالسياسة "من أهل الله... من شغله إلى بيته". وتصف سعادة زوجها سعيد ب"المسالم" وقالت انه لم يسبق وأن اعتدى عليها، وهو كما نعلم منها من أب من "الأعروق" وأم من "الأغابرة". ونفت سعادة أن يكون لزوجها صلات سياسية مع فتاح أو غيره أو أن تكون هي قد عملت ما يشبه ذلك. وحتى وفاته كانت سعادة أنجبت لسعيد خمسة أولاد وبنتاً واحدة. وفي بيت الأسرة حيث جرى اللقاء مع سعادة كانت هناك لوحة معلقة في الغرفة تجمع سعادة وزوجها في سن الشيخوخة، وفي اللوحة التي رسمها زوج ابنتها التشكيلي ورسام الكاريكاتور عبدالله المجاهد، نقلاً عن صورة فوتوغرافية، بدت سعادة بقامة أطول من زوجها لكنها الآن تعاني من أمراض القلب والسكر. التعديل الأخير تم بواسطة أنا هو ; 05-22-2006 الساعة 11:59 PM |
#190
|
|||
|
|||
ياهو لايعجبك العجب ولاالصوم في رجب خل على ينقلع من على الكرسي اولا ونشوف فعل ياسين بعدجرب مابنخسر أكثرمماخسرنا
ثانيا لاتستعجل يمكن علي عبدالله يرشح نفسة وهذه المرة المطلوب انتخاب مدى الحياة وبلاش تظييع وقت الدولة والشعب واموالهم وذلك لأنه في وطننا العربي لايوجدشئ اسمه الرئيس السابق عدا لبنان ولاينقذالشعب من الرئيس الاواحد من اثنين انقلاب ويصفونه بانه منحرف متأمر انفصالي مندس سرق نهب البلدوهلم جرمن النعوت أو عــــــــــــــزرائيل عليه السلام مخلص الامة من طواغيتها0ايهما اسرع هو المخلص والله المستعان واخيرا واعتقدانه الاصح حزب المؤتمرهم الاغلبية لذا يكون الرئيس منهم وبيت الاحمر هم القاده لذا يقف الشعب هنا ويطلع الرئيس طبعا احمر التعديل الأخير تم بواسطة ابوعمر ; 05-23-2006 الساعة 07:46 AM |
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
|
|
الساعة الآن 07:59 AM.