مؤتمر لندن - اهتمام بريطاني وترقب سعودي.. وقلق يمني يكشف التصدع السياسي الداخلي>الوطن

[حضرمي جدآوي]

جدة: ياسر باعامر

لن تهدأ رياح اليمن في المنظور القريب، ولن تكون ملفات الحراك الجنوبي، المتمردين الحوثيين، وخطر تنظيم القاعدة، هي نهاية المطاف بالنسبة لليمن السعيد. فمنذ الاهتمام الأمريكي باليمن وخشيتها من تحول صنعاء إلى منطقة عملياتية للقاعدة، يأتي ملف جديد في قائمة التصدعات المحورية لليمن، ألا وهو المؤتمر القادم المقررعقده بلندن في 28 من الشهر الجاري، برعاية بريطانية ودعم أمريكي من أجل تقديم – كما يشاع ـ الدعم لاستقرار اليمن سياسياً واقتصادياً، ولعدم تحول المنطقة إلى بؤرة إرهاب كبيرة لا يمكن تطويقها فيما بعد.
مؤتمر لندن القادم أثار الكثير من الجدل في الشارع اليمني الداخلي، وأبرز مظاهر هذا الجدل جاء عبر توقيع 150 رجل دين يمنياً، يحذرون فيه من دخول قوات أجنبية – في إشارة إلى القوات الأمريكية، وأن ذلك مدعاة إلى إعلان الجهاد ضد تلك القوات.
وفي المقابل وضمن سيناريو التصدع السياسي الداخلي جاء رد وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي في مؤتمر صحفي مع المراسلين الأجانب، بأن "بلاده لن تسمح من خلال مؤتمر لندن المساس بسيادة اليمن".
سعودياًِ علمت الوطن أنه من المتوقع أن تحضر المملكة المؤتمر، حيث ستكرر فيه موقفها الصريح تجاه اليمن والذي أعلنه سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عدة مرات مؤخراً وهو دعم حكومته، والحرص على وحدته،ورفض التدخل في شؤونه ومساعدته في التنمية الداخلية . مصادر أخرى تؤكد أن المملكة ستعارض أي مساعٍ لشرعنة إرسال قوات أجنبية لليمن أو تدويل الحالة الحوثية وأنها لن تحضر إلا إذا مثلت الحكومة اليمنية في المؤتمر.
أسباب التشنج من المؤتمر
في بداية الاهتمام الأمريكي المفاجىء من قبل البيت الأبيض باليمن، والحملة المكوكية لكبار القادة السياسيين والعسكريين لصنعاء، بشأن ضرورة محاصرة القاعدة عبر جلب قواتها لليمن، ثم تعود بعد ذلك لتنفي على لسان مسؤوليها عدم استخدام قواتهم على الأرض، والاكتفاء بتقديم الدعم اللوجستي المتمثل في (التسليح – التدريب للأجهزة الأمنية – المعلومات الاستخباراتية)، لتقود الأجهزة الأمنية اليمنية مواجهة التطهير الميداني لعناصر القاعدة.
هذه التناقضات الأمريكية هي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أطرافاً داخلية في اليمن برفض مؤتمر لندن، بحسب رأي الخبير السياسي السعودي الدكتور خالد الدخيل الذي أضاف في حديثه لـ "الوطن"، أن "الأمريكيين فشلوا في ثلاثة محاور إقليمية مهمة وهي العراق، أفغانستان، وباكستان، ولم يقضوا على الإرهاب الذي جاؤوا من أجله، وهذا واقع مشاهد للعيان، ومدى التخبط الذي وصلت إليه في تلك المستنقعات".
وفي موضع آخر يقر الدخيل أن هناك حالة استياء داخلية في اليمن من نظام الرئيس علي عبدالله صالح وفشله في إدارة البلاد، خاصة في ظل وجود معارضة يمنية مجتمعة رغم تعدد أطيافها متمثلة فيما يسمى بـ "اللقاء المشترك"، وهذا من الأسباب الرئيسية لرفض المؤتمر.
ويقول الدخيل إن مؤتمر لندن سيقدم دعماً اقتصادياً وسياسياً لليمن، لأن اليمن بحاجة إلى دعم اقتصادي كبير للدفع بعملية التنمية الداخلية، نظراً لحالة الفقر المدقع الذي تعيشه البلاد، إلى جانب التنمية الهشة التي ترى فيها القوى الأوروبية والإقليمية سبباً رئيسياً لانخراط الشباب في تنظيم القاعدة. وأضاف أن هناك معلومات بتقديم معونة مالية ستقدم لليمن في ذلك المؤتمر تقدر بنحو 36 مليار دولار من الدول المانحة. ويؤكد أن الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد من هذا المؤتمر إلا القضاء على القاعدة.
خلفيات الدعوة البريطانية
خبر مقتضب بثته وكالة "رويترز" للأنباء حمل دعوة وجهها رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون إلى شركاء دوليين رئيسيين لعقد اجتماع لمناقشة كيفية مواجهة التطرف في اليمن في أعقاب المحاولة الفاشلة التي استهدفت تفجير طائرة ركاب أثناء توجهها إلى الولايات المتحدة نهاية الشهر الماضي. وسيستضيف براون الاجتماع رفيع المستوى في لندن يوم 28 يناير الجاري. وسيعقد الاجتماع بالتوازي مع مؤتمر دولي عن أفغانستان في نفس اليوم.
وأشار الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية اليمنية ورئيس تحرير صحيفة الأهالي اليمنية علي الجرادي، في حديث خاص مع "الوطن" إلى الاهتمام البريطاني باليمن، لأن الأخيرة تقع ضمن امتيازاتها الدولية، ولأن لها تاريخاً في عدن. هذا إلى جانب أن لها تواجداً عسكرياً حربياً في خليج عدن.
وفي سياق متصل تأكيداً على تعليقات الجرادي، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في 23 ديسمبر 2009 إن السفن التي تستخدم المحيط الهندي لن تحظى بنفس درجة الحماية البحرية من القرصنة كتلك التي تستخدم خليج عدن، لأن الموارد العسكرية محدودة. ووجه ميليباند نهاية ديسمبر الماضي رسالة إلى الاتحاد البحري نوتيلوس انترناشيونال – نشرت تفاصيلها وكالة رويترز، أن القراصنة يزيدون تركيزهم على المحيط الهندي ويعملون على مسافات أبعد في عرض البحر بسبب نجاح عمليات البحرية البريطانية في خليج عدن. وأضاف ميليباند "في نهاية المطاف لن يكون ممكناً لأسباب عملية وأسباب تتعلق بالموارد أن نوفر الأمن والحماية للعسكريين في المحيط الهندي بنفس المستوى الذي يمكن توفيره في خليج عدن".
وتمثل تعليقاته اعترافاً علنياً نادراً من جانب سياسي بريطاني بحدود عملية مكافحة القرصنة، ومدى انتشارها في خليج عدن.
ويشير مسؤول يمني – رفض الكشف عن هويته، متحدثاً لـ "الوطن" أن القرصنة كانت ذريعة مبكرة للتواجد الدولي في خليج عدن وباب المندب، وحتى روسيا وإيران تشارك ببوارج حربية وسفن معروفة، والجميع يعرف أن هذه المنطقة ستكون منطقة ساخنة ومن المهم السيطرة عليها.
ويعود الجرادي ليؤكد أن لندن تحتفظ بقيادات معارضة جنوبية لديها ويحظون برعايتها، ومثلما تحركت إيران مع الحوثي كانت بريطانيا تتحرك من أجل الجنوب، وخصوصاً أنها جاءت بعد أن حاول النظام تصوير محافظتي أبين وشبوة اللتين شهدتا القصف الجوي بأنها مناطق تؤوي القاعدة. وشعرت بريطانيا بالخطر فوجهت هذه الدعوة حتى تحدث فصلاً جوهرياً بين الحراك بالمحافظات الجنوبية وبين تنظيم القاعدة.
الدور السعودي المأمول
ونصح الكاتب الجرادي الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص على عدم ترك ملف اليمن لدى المجتمع الدولي، ما يعني أن هذه البوابة ستكون رهن المجتمع الدولي.
ومثلما أغلق باب العراق بالتقاسم مع إيران، فإن اليمن قد يشهد تقاسماً بين الدول الكبرى، ومن المهم أن تكون السعودية حاضرة بقوة بأجندتها السياسية القومية. لأن فقدان باب المندب سيمثل خسارة كبيرة، خصوصاً وأن مضيق هرمز أصبح مثار جدل، خاصة مع مخاوف كبيرة من تحكم طهران بذلك الممر البحري عبر إريتريا.
ويشير الدكتور الدخيل إلى ملحوظة مهمة وهي عدم رضى الإدارة الأمريكية على سياسية الرئيس على صالح، خاصة أن تجربته السياسية توشك على النهاية، ولن يستطيع الترشح لفترة رئاسية مقبلة. وصدر تقرير سياسي مطول نشرته مجلة "نيوزويك" في طبعتها العربية في منتصف الشهر الجاري يدعم تعليقات الدخيل بأن "علي عبدالله صالح ليس حليفاً محبباً جداً لواشنطن". وأضافت "يشير منتقدوه إلى أنه بينما تضرب حكومته بيد من حديد من حين إلى آخر، فإنها كانت غير فاعلة في منع القاعدة من التسلل إلى البلاد, وربما أيضاً إلى الأجهزة الأمنية اليمنية".
وفيما يزداد الوضع الاقتصادي لليمن سوءاً يتنامى وجود القاعدة في البلاد. والأسوأ من ذلك هو أن بعض الأشخاص حول صالح يبدون أحياناً وكأنهم يشجعون المقاتلين، فالهروب من السجن عام 2006 الذي أحيا العمليات المحلية لتنظيم القاعدة اعتُبًر بأنه تم بتواطؤ داخلي، على الرغم من عدم وجود أدلة تربطه مباشرة بصالح.
وذهبت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في 12 يناير 2010 في تقرير لها عن اليمن, إلى "أن النظام اليمني يستغل الحرب على القاعدة لطلب المساعدات الأجنبية وقمع معارضيه".
لذا تعول الحكومة اليمنية على مؤتمر لندن للمزيد من حصولها على الأموال، بالرغم من أن المجتمع الدولي والمانحين لم يصرفوا لليمن المبلغ الذي تعهدوا به في 2006، ولذلك فإن بريطانيا قد تكون طلبت عقد المؤتمر لأخذ تفويض دولي نحو اليمن، ولتحول اليمن إلى ملف أمني جديد، وهذا يمثل خطراً على القوى الوطنية والأمن الخليجي برمته.



المصدر / لـ التعليق و التوضيح
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
جريدة الوطن السعودية