رهان صنعاء على جيل الوحدة في الجنوب ... خاســـر !!

[شعيفان]

كنت أعتقد أنها ستكون جلسة عادية بالنسبة لي عندما خرجت مساءً برفقة أحد الأصحاب لشرب كوب شاي ( حليب ) من مقهى ( سكران ) في ( كريتر عدن ) لكنه لم يعد كذلك عندما انتبهنا أنا وصديقي إلى أصوات مجموعة أخرى تجلس إلى جانبنا جميع أفرادها من الشباب الذين يظهر عليهم أنهم طلاب جامعيون جمعتهم الدراسة في إحدى كليات جامعة عدن بعد أن جاءت بهم من مناطق شتى وآلفت بينهم وهم الذين يظهر من اختلاف لهجاتهم وهيئاتهم اختلاف مساقط رؤوسهم من شخص لآخر إلا فيما ندر

قد أكون شخصاً متطفلاً بطبعي لكنني في مواقف كهذه أحترم دائماً حقوق الآخرين في امتلاك مساحة حرة للحديث دون مضايقة من الآخرين وتحديداً إن كان حواراًً خاصاً قد لا يرغب أطرافه في خروجه عن دائرتهم لكن أصوات هذه المجموعة لم تكن تسمح لي حتى بإعطائهم حقهم الذي قررت منحه لهم بعد أن دفعت بصديقي إلى زاوية بعيدة وهي الزاوية التي ظلت بالرغم من ذلك تلتقط وبصورة نقية كل النقاش الدائر بين هذه المجموعة الطلابية من دون أن يفوتني منها شيء البتة

نقاش لم أكن أتصوره مطلقاً بهذه الصورة فأفراد المجموعة الذين تجاوزوا بالكاد العقد الثاني من أعمارهم ولم يولد أحدهم قطعاً قبل العام 1980 في أقصى الأحوال لم يخرج حديثهم منذ مجيئنا وحتى انتهائهم منه عن نكبة العام 1994 وما تلاها من حقوق مسلوبة طالتهم ممن يسمون أنفسهم بـ ( إخوانهم وأبناء جلدتهم ) وهم الذين كان يمثلهم في ذلك النقاش بعض أبناء اليمن الأسفل الذين يمكن معرفتهم جيداً من سحناتهم ولكناتهم

نقاش حاد لم أعلم كيف بدأ لكنني أجزم أنني استمعت إلى الجزء الأهم منه فالهوية والسيادة والدولة المستقلة هي محور ما كان يدور بين المتجاذبين للحوار الذين انقسموا بشكل واضح إلى صفين تماماً كالصفين في العام 1994 وربما أن الحديث عما يسبق ذلك بعقود ثلاثة من السنين كان الجزء الأكثر احتداماً بين الطرفين , فما يحاول بلاطجة صنعاء طمسه ومحوه من ذاكرتنا ظهر حينها وبقوة تثبت إخفاق اليمانية حتى في تمسكنا بيمنيتنا فيما لو اقتنعنا بها أو قبلناها كواقع ملموس على أقل تقدير

واقع ( و حاضر) لم ينفي ماضينا ولم يستطع أن ينفي تمسك هؤلاء بماضيهم وهم الذين يقع الجزء الأكبر من أعمارهم فيما يلي ما يسمى ( وحدة مايو ) فلم تكن أرضهم يمناً ولا كانوا يمانيين وإن مرت ثلاثة عقود وأكثر ردد فيه الطرف الآخر على آذانهم صباحاً ومساء أكاذيب اليمن والهوية اليمنية وكأنها قرآن مقدس وكأننا ننتفي بانتفائها وكأن الأحقاف ليست إلا منتجاً يمانياً وكأن ثمود لم تأت إلا من يمنهم وكأن عاد لم تقم إلا بهم وكأن حضرموت لم تأت إلا بعد أن جاء يمنهم وكأن عدن لم تكن قبل أن يكونوا

نقاش مطول كان يظهر أن نهايته لن تحسم في تلك الجلسة فمن يمثل الطرف المنتصر في حرب 94 لا يمكنه أبداً أن يقر بواقع ( الاحتلال ) الذي يجعله في وضع غير مشروع يتوجب على إثره تصحيحه مثلما أن الطرف المهزوم لا يمكنه أن يقر بهذا الوضع الذي يجعله خارج كل شيء في حين يأخذ المنتصر كل شيء

هذا النقاش جرني وصاحبي إلى تذكر مجموعة من الأخبار والحوادث سمعناها قبل مدة عن بعض المشاجرات التي حدثت في السكن الطلابي لجامعة عدن اتضح بعدها أنها شجارات ابتدأت بنقاشات تشبه تماماً ذلك النقاش الذي استمعنا إليه لكنها نقاشات تطورت إلى مد الأيادي بعد أن استعمل أبناء اليمن سبابهم المعتاد وشتائمهم في حقنا وهي نفس الشتائم التي كادت أن تظهر بين المجموعة التي كنا نستمع إليها والتي انتهت بعبارة ( مش خارجين من بلادكم وسووا اللى براسكم ) حتى وان انفض الجمع بدون مشاكل بل وبروح رياضية في معظم ثنايا الحديث

عبارة تعترف صراحة أن القناعة السائدة حتى عند هؤلاء أن ماجرى في العام 94 احتلال قائم بقوة الحديد والنار .. تدعمه معسكراتهم المتناثرة في قلب المدن وفي مداخلها فضلاً عن مراسليهم المنتشرين في الأزقة وبين الضواحي وهي قناعة تكشفها الهستيريا التي تصيب فخامته كلما جاء ذكر أهل الحق حقهم , فترديد فخامته الدائم أن ( الوحدة ثابتة وأن جيل الوحدة لا يعرف إلا يمن الثاني والعشرين من مايو ) يفضح حقيقة الرعب الذي لايزال يتملكهم فلا الوحدة قائمة ولا جيلها متمسك بها إلا إن اعتبرنا أن فخامته يتحدث عن جيل الوحدة في اليمن الأعلى واليمن الأسفل وإلا ففيما سبق دليل واضح على سقوط هذه الوحدة شعبياً وأن المتمسك بها هو الطرف المنتصر فقط لأن تخليه عنها يعني انهزامه وخسارته كل مكاسبه التي لم يحصل عليها إلا من خلال وحدته المزعومة والمعمدة بالدم باعترافه

انتهى النقاش وانفض الجمع من دون نتيجة وانتبهت بعدها أنني لم أشرب ( الشاي ) الذي أصبح فاتراً لا نكهة له ولا رغبة لشربه ولعل في هذا ما جعلني وصديقي نكمل حديثنا في ذات المحاور لكن من دون اختلاف فيما بيننا


على ( صنعاء ) أن تعي أن جيل الوحدة في ( الوطن المحتل ) لن يعرف من هذه الوحدة إلا أن الجيوش التي دكت ( عدن وحضرموت ) قرابة شهرين من الزمان في العام 1994 هي نفس الجيوش التي سفكت على أبوابها دماء آبائهم وإخوانهم الذين مدوا أياديهم بإحسان إلى كلاب لا تعرف سوى عض الأيادي , فأخذت حقوقهم وسلبتهم مقدراتهم وزاحمتهم على أرضهم

على ( صنعاء ) أن تعي أن هذا الجيل هو الذي لن يرى من الوحدة إلا مساوئها وأنه وحده من لا يخشى من الماضي الذي يحاول المثبطون تخويفه به فهو لم يعشه ولن يلتفت إليه وإن كان المتصارعون فيه قد بدأوا بحل مشاكلهم فيما بينهم فإنه وحده من لا يحمل عقده ولا تعقيداته أصلاً ليحلها

على ( صنعاء ) أن تعي أن هذا الجيل هو وحده من سيأخذ حقه كاملاً من دون نقصان و أنه في الأخير من سيسكب الرهان .. وقل انتظروا إنا منتظرون !!