سيرة مناضل

[جبل يشبم الأشم]

كتب / المناضل .. احمد علي عولقي
سيرة مناضل..
حسين محمد الجابري...
مناضل ظلمة رفاقه قبل أن يظلمه التاريخ

الكثير لا يعرف عن هذا المناضل الكبير الذي تنكر له الكثير من رفاقه وأولهم من له فضل عليهم وضمهم إلى صفوف الثوار والكثير ارتقوا على أكتافه وليس عيبا أن من كانوا تحت قيادته أن يتخطوه في المراكز القيادية ولكن العيب والمخجل أن يتركوه للكلاب الضالة تنهشه لمجرد أن له فكر وله رأي وكان دوماً مدركاً للأمور وينظر إليها بعمق النظرة الثاقبة والواعية... للمستقبل البعيد وهذه ميزه من مميزات القيادة الصحيحة والسليمة المناضل والمفكر الكبير والقومي الجسور هو في واقع الأمر من قيادات الصف الأول للجبهة القومية ومن قيادات الصف الأول لحركة القوميين العرب (في الجنوب ) انضم إليها في بداية الستينات قبل قيام الجبهة القومية المناضل الذي سوف أتحدث عنه هو حسين محمد الجابري لم يكن من التنظيم الشعبي ولا من جبهة التحرير ولا عولقي0 وقد ينتقدني البعض لماذا لم اجعل كتابة هذه الشخصية عن فارس من فرسان النضال من ثوار العوالق العليا أو السفلى أو من ثوار شبوة من حمير أوبني هلال أو بيحان الذي سجل النضال يزخر بالكثير.. والكثير منهم وسجل التاريخ مملوء بالأسماء الكثيرة والكبيرة منذ الأربعينات ثوار من الدرجة الأولى لم ينصفهم المؤرخون 0ولا حتى الذين دونوا مذكراتهم... و أنا لست مؤرخ وإنما هو تدون ذكريات سوى كان التدوين لمسيرة نضال أو لسيرة لرجال عظماء ومناضلين ثاروا ضد الاستعمار البريطاني عرفتهم عن قرب... وكما هو الحال لجيل جديد اقتدى بهؤلاء الرواد وهذا الجيل الآن يحمل الراية للخلاص من براثن استعمار بغيض جديد. وهؤلاء الرجال عسى ان يكونوا خير خلف لخير سلف.. والذي جعلني اكتب عن هذا المناضل الثائر عدة أسباب منها عندما توفى كتبت عزاء ورثاء00 والحقيقة إنني كنت قاسي بعض الشي على رفاقه وتلاميذه الذين تخلوا عنه وهو في قمة ماساته ومحنته وتركوا محسن الشرجبي يتفنن في تعذيبه بكل الوسائل اللا أخلاقية واللا إنسانيه بأوامر عليا من عبد الفتاح إسماعيل وأرسلت الموضوع إلى مواقع وصحف إعلامية ولم ينشره إلا شبوة برس الموقع المحجوب0 لأنهم يرون ان فيه مساس لبعض الشخصيات مع ان ما ذكرته هو واقع وحقيقة ومعروف للكثير ليس فيه أي تجني على أحد ولم يتعرض الجابري لوحدة للخيانة والغدر والاضطهاد من قبل رفاق الكفاح0 وثانيا إن لهذا المناضل مواقف مشرفة دفع ثمنها غالياً من حياته ومن صحته ومن حريته وسوف أتناول هذه المواقف لاحقاً- ثالثا ان له فضل وجميل علي شخصيا لم استطع ان أرده له ولعل كتابة هذه السطور المتواضعة والقليلة ترد بعض الجميل الذي له علي ...فقد كنت في تعز أعيش معاناة صعبة ومريرة بعد رجوعنا من معركة نغيل يسلح و ذهبت مع المرحوم المناضل علي عوض باعوضة إلى الحديدة وجلست عنده هو وإخوانه الذي هم مستقرين في الحديدة0 ووصلتني رسالة من الجابري ويطلب مني العودة للوطن وان هناك بوادر مصالحة لعناصر التنظيم الشعبي وبالفعل عدة وأول ما وصلت ذهبت إلى منزلة في عمائر المعلى الشارع الرئيسي ولكنني لم أجد أي بوادر مصالحة ولا يحزنون وحينها قال لي لو لم اكتب لك هذا الكلام لن تأتي وبعد نقاش طويل بيننا طلب مني الانضمام إلى الجبهة القومية وقال تاريخك النضالي محفوظ وسوف تتحصل على مركز تنظيمي وعمل وظيفي أجبته باختصار انك لن ترضى لي أن أكون في موقف لا يشرَف.. زملائي وأخواني في المعتقلات وأنا أعلن أنضمامي للجبهة القومية صعبة وكبيرة علي...عندها قال اذهب إلى شبوة حتى تهدءا الأمور ولنا لقاء آخر0 وبالفعل كان لي به لقاءات كثيرة حتى غادرة الوطن ومن هنا ما سوف أكتبة عنه فهو عن واقع ومعرفة0 حسين الجابري من أسرة عريقة ولد وعاش في دثينة في مدينة مودية وهو من أصول حضرمية من وادي بن علي من الجوابر انتقل أجداده من حضرموت إلى شبوة ولا زالت خششهم القديمة المبنية من الطين ( بيوتهم القديمة ) لا زالت معالمها وبقايا منها باقية إلى يومنا هذا في شبوة وجده انتقل من شبوة إلى مودية 0والده المرحوم محمد الجابري كان يدرَس الأولاد القرآن الكريم في معلامة في وسط مودية بالقرب من الجامع الكبير حيث يوجد بيتهم القديم الذي لا يزال باقيا0 انضم إلى حركة القوميين العرب في أواخر الخمسينيات 1959م عند ما كان يدرس في كلية عدن للحصول على شهادة الثقافة العامة 0ومن خلال استقراره في عدن لدَراسة التقاء بالكثير من الوطنيين الأحرار والمفكرين وانضم إلى صفوف حركة القوميين العرب وبعد تخرجه عين مدرس في مدرسة مودية المتوسطة عام 1961م وبرقم انه منضم إلي حركة القوميين العرب إلا انه متأثر بالفكر القومي الثوري الناصري وفي حينها كانت حركة القوميين العرب تدَعي بأنها منبثقة من الفكر الناصري ومن ابرز قيادات حركة القوميين العرب جورج حبش ونايف حواتمة وقد لعبا دورا كبيرا في السياسة الداخلية والخارجية لليمن الجنوبي ...الجابري من خلال عمله مدرس قام بلقاءات مكثفة مع عدد من المدرسين والطلبة والموظفين في مودية بهدف الوعي القومي والسياسي والانتماء الوطني لهذا عند ما قامت ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م استطاعت هذه المجاميع أن تلتف حول بعضها البعض وتكوَن خلايا فيما بينها البين وكان رمز هذه المجاميع بلا منازع هو حسين الجابري ومن هذه المجاميع عناصر أصبحت فيما بعد قيادات ساسية من الوزن الثقيل تقود البلاد ومنهم الرئيس علي ناصر محمد0 محمد علي هيثم محمد سليمان ناصر0 محمد عبد الله البطاني 0 ناصر علي الزامكي0سعيد عثمان0 عبد الرحمن العود0عبدالله عنبر0 عبد الله امهيثمي0عبد الله العروس0 والكثير من الأسماء القيادية0 من خلال نضاله وفكرة ومبادأة صار عضو في القيادة العامة للجبهة القومية0 ومثلما ذكرت سابقا ان للجابري مواقف فكرية ثابتة ومبادئ قومية وحدوية تختلف مع الرفاق وهي كثيرة ولكنني سوف اذكر البعض منها0(1) الموقف الأول قبل إعلان الاستقلال تجمع في مدينة مودية مجموعة كبيرة من عناصر الجبهة القومية بمظاهرة ثم قررت هذه المجموعة القيام بعمل عشوائي همجي بدون أي تفكير أو تخطيط أو حساب لنتائج هذه المغامرة قرروا الذهاب بهذه المظاهرة إلى قرية أمقلتيه في تحدي واستفزاز لأهلها المعروفين بأنهم ينتمون لجبهة تحرير0القاء الجابري فيهم كلمة خطابية ووضح لهم ان هذه المظاهرة لا لزوم لها وان أضرارها أكثر من نفعها وحاول منع ذهاب المظاهرة ولكن الحماس والاستعلاء والتحدي جعل المتظاهرون يذهبون وعند ما اقتربوا من امقليته أرسل لهم أهل القرية إنذار بأننا سوف نطلق الرصاص على من يتقدم إلى حدود قريتنا وكان الحماس أقوى من العقل والبصيرة تقدم المتظاهرون وصار إطلاق النار من الطرفين وكانت النتيجة قرابة عشرة من المتظاهرين بين قتيل وجريح وقتيل واحد من أهالي امقليتة هو رشاد علي هادي(2) الموقف الثاني بعد انتهاء الحرب الأهلية بين التحرير والقومية وقيام عناصر من الجيش والقومية باعتقال الكثير من القوى الوطنية ومن المواطنين الأبرياء كٌلَف حسين الجابري بفرز وإحصاء المعتقلين ونقل الكثير منهم إلى الأرياف خارج عدن0 وعند ما وجد الأعداد الكثيرة والشخصيات النضالية الكبيرة داخل السجون والمحتل البريطاني لا يزال جاثما في البلاد ويبارك الانشقاق والصراع بين أبناء الجنوب 0 اتخذ الجابري موقفا وطنيا وحذر من هذا التشرذم والإقصاء وانه سوف يجر البلاد إلى اقتتال أهلي والى صراعات متتالية وسوف يتطور هذا الشقاق إلى الجبهة القومية نفسها ولم يجد آذانٌ صاغية (3) طلب الجابري من قيادات الجبهة القومية الاعتراف بنضال القوى الوطنية وإشراكهم في السلطة0 والمساهمة في بناء الوطن ولكن الأصوات النشاز طفحت تعلوا لا حكم إلا للجبهة القومية (4) كان له موقف صلب بعد إعلان قيام الحزب الاشتراكي (حزب حديد من طراز جديد !! ) والتحول من الفكر القومي إلى الفكر ألأممي وما تبع ذلك من إرهاصات و تصفيات جسديه بدأت بالكثير من الشعب وانتهت بالتصفيات لرََفاق فيما بينهم البين.. من خلال مواقفه الكثيرة ونقده للكثير من الأخطاء صار له أولا تهميش ثم تجميد ثم سجن وتعذيب لثمان سنوات عجاف خرج منها وهو منهك ومنهار القوى في حاله صحية سيئة أو كما يقال جلد على عظم0 وما زاد من همومه وأوجاعه مصير الكثير من زملاءه رفاق درب الكفاح ورموز الثورة والنضال ان غيبهم الوصوليين والانتهازيين وأدعياء النضال بالقتل والاغتيال كما صار للكثير من أبناء الجنوب الذين صار لهم نفس المصير بينما أدعياء النضال الذين جاءوا من خارج الجنوب هم من يمارسون ويشرفون على أعمال القتل والتعذيب والتنكيل للجنوبيين... وهو الرائد والقائد والمناضل الذي لم تطلق سراحه القوات البريطانية إلا قرب رحيلها0 وبدلا من تكريمه وإعطاءه ما يستحق من التقدير وان يأخذ موقعة في الصفوف الأمامية والاستفادة من عمق فكرة0 وصواب رأيه التي اتضحت فيما بعد انه كان على صواب ولو أنهم اخذوا بنصحه وآرائه لاستفادوا وتجنبوا كثير من المزالق والأخطاء والجرائم الذي وقعوا فيها . وما كانت البلاد وصلت إلى ما هي عليه الآن0 رحم الله الجابري وسائر أموات المسلمين أجمعين الأحياء منهم والميتين : [ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ]صدق الله العظيم ... :
ما يلي الموضوع الذي كتبته حين علمت بوفاته
الجابري ويبقى الكبير كبيرا مهما حاول الأقزام.....!!!
آه... وألف آه... ثم إلف آه... عندما يرتقي الأقزام على أكتاف عمالقة الفرسان أخيرا ترجل واسترح فارس من فرسان النضال الوطني انه المناضل الكبير والتربوي القدير حسين محمد الجابري الذي كان له الشرف ان اعتقلته القوات البريطانية أربع سنوات وهو داخل معتقل سجن المربط الشهير الذي استطاع محسن الشرجبي فيما بعد ان يطور هذا المعتقل يزيد من شهرته حتى أصبح من أشهر سجون العالم في فنون التنكيل والتعذيب.. قلائل من نزلائه الذي يحضون بالحياة أو الخروج منه وهم في كامل قواهم العقلية وصحتهم العضوية والنفسية. الجابري كان من أوائل القيادات لحركة القومين العرب والمسئول الأول لفرع الحركة في مودية وهو الذي ضم إلى صفوف الحركة كل من علي ناصر محمد0 ومحمد علي هيثم0 ومحمد سليمان ناصر0 ومحمد عبد الله البطاني0وناصر علي الزامكي0عبد الله العروس0 وعبد الرحمن العود0وعلي هادي عبد الله والكثير من الأسماء القيادية من مناضلي الجبهة القومية انتقل الفارس من حياة الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة بعد حياة مريرة مملوءة بالجحود والنكران والغدر والخيانة من رفاق النضال. لقد كان هامة شامخة وقامة عاليه رفيعة ويمتاز الجابري بسعة الاطلاع والفكر والتنظير القومي مما أدى هذا إلى سجنه أكثر من ثمان سنوات داخل معتقل امن الدولة (المربط) واشرف على تعذيبه مهندس التعذيب والخبير الذي تتلمذ واستمد أساليب وطرق التعذيب على أيادي عتا ولت خبراء الإرهاب النازي من ألمانيا الشرقية (محسن الشرجبي ) بأوامر من أستاذة ومعلمة عبد الفتاح إسماعيل ولم يستطع زملائه الرفاق وتلاميذه إنقاذه من براثن التعذيب برقم مواقعهم العليا في الحزب والسلطة. الجابري رفض إن يطأطئ رأسه أو ينحني بقامته أو ينزل بشموخه العالي لأقزام اصغر منه حجما لا يرتقون إلى مستواه فكرا وعلما ونضالً ولكنها تكالبت عليه آبادي الغدر والخيانة حتى ومن كان يعتقد أنهم اعز الأصدقاء تخلوا عنه 0 لقد عرفت المناضل حسين الجابري عن قرب بوجهة المشرق وابتسامته الهادئة والشموخ والاعتزاز بنفسه وآرائه لقد كان رجل بكل ما تعنيه هذه الكلمة يأسرك بحديثة ويقنعك بآرائه إن المناضل العملاق الجابري برحيله قد أثار في نفوسنا ذكريات مؤلمة ومحزنه لِما تعرض له من ظلم وقهر واضطهاد وسجن وتعذيب من قبل حفنة أقزام لا مجال للمفاضلة بين تاريخه النضالي وبين تاريخهم الأسود البغيض0 إن التاريخ لا يظلم احد والمناضلين الحقيقيين ستكتب أسمائهم في سجلات التاريخ بماء الذهب مهما ظلموا واستبعدوا فان تراثهم وكفاحهم التاريخي سيظل شامخا وناصعا تتدارسه الأجيال المتلاحقة مهما حاول تنابلة التزييف والتشويه طمسه.... احمد علي عولقي / كندا مونتريال